الإثنين، 13 أكتوبر 2025

01:21 م

غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار: سلام هشّ على حافة الانفجار

بعد شهورٍ من الحرب والدمار، دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، وسط ترحيبٍ دولي حذر وقلقٍ فلسطيني واضح من أن يكون الاتفاق مجرد “استراحة محارب”.
فبين من يراه بداية لسلامٍ طويل طال انتظاره، ومن يخشى أن يتحول إلى هدنةٍ هشة على شفا الانهيار، تبدو غزة اليوم في مفترق طرقٍ حاسمٍ سيحدد شكل الصراع لسنواتٍ قادمة.

مضمون الاتفاق ومواقف الأطراف

الاتفاق الذي أُبرم بوساطة مصرية– قطرية وبرعاية أميركية، تضمّن وقفًا شاملًا لإطلاق النار، وتبادلًا للأسرى والرهائن، وفتحًا تدريجيًا للمعابر أمام المساعدات الإنسانية، مع التزامٍ بإطلاق مفاوضات لاحقة حول ترتيبات إعادة الإعمار والإدارة المدنية للقطاع.

الأمم المتحدة رحّبت بالاتفاق واعتبرته “بارقة أمل إنسانية”، فيما وصفه البيت الأبيض بأنه “خطوة اختبارية لجدية الأطراف في السعي إلى سلامٍ حقيقي”.

أما في الداخل الفلسطيني، فقد أعلن المتحدث باسم حماس أن “المقاومة خاضت حربًا قاسية، لكنها خرجت بإرادةٍ لا تنكسر”، بينما صرّح مسؤولون إسرائيليون بأن “الاتفاق يهدف إلى استعادة الهدوء وليس لتغيير الواقع السياسي في غزة”.

السيناريو الأول: هدنة قابلة للحياة – نجاح مشروط

إذا التزم الطرفان بتنفيذ البنود تحت رقابةٍ دولية فعّالة، يمكن أن تتحول الهدنة إلى هدوءٍ مستقرٍ نسبيًا يسمح بعودة الإغاثة والمياه والكهرباء والخدمات الأساسية إلى القطاع.

وقد تُسهم مصر وقطر والأمم المتحدة في مراقبة التنفيذ وتنسيق مشاريع الإعمار الأولية، بما يعيد الثقة تدريجيًا في إمكانية الاستقرار.

    ⁃    فرصة النجاح: 55%
    ⁃    نقاط القوة: إرهاق الطرفين عسكريًا، والدعم الدولي الواسع.
    ⁃    نقاط الضعف: هشاشة الثقة، وخطورة الخروقات الفردية أو التصعيد السياسي الداخلي.


السيناريو الثاني: الفشل السريع – الهدنة التي تنهار قبل أن تبدأ

السيناريو المتشائم يرى أن الاتفاق قد يلقى مصير سابقيه، حيث تُستغل الهدنة لإعادة التموضع العسكري.
فقد تواصل إسرائيل عملياتها “الاستباقية” بحجة الأمن، بينما تستعد الفصائل الفلسطينية لأي خرق محتمل.
في ظل هذه الأجواء، طلقة واحدة قد تُسقط كل البنود وتعيد التصعيد من جديد.

    ⁃    فرصة النجاح: 20% فقط
    ⁃    أسباب الفشل المحتملة: غياب ضمانات التنفيذ، والانقسام الفلسطيني، والتصعيد السياسي في تل أبيب من قبل التيار اليميني الرافض لأي تنازلات.


السيناريو الثالث: تحول سياسي شامل – نحو تسوية طويلة الأمد

ورغم صعوبة تحقيقه، فإن بعض المحافل الدولية ترى في الاتفاق فرصةً لبداية سياسية جديدة، تقوم على تشكيل إدارة انتقالية لغزة بمشاركة فلسطينية وعربية، تتولى إعادة الإعمار والإشراف المدني، تمهيدًا لتوحيد الضفة والقطاع في كيانٍ فلسطيني واحد.
نجاح هذا السيناريو يتطلب إرادة سياسية تتجاوز الحسابات الضيقة، وضمانات دولية تكفل أمن الجميع دون انتقاص من حق الفلسطينيين في الحياة والكرامة.

    ⁃    فرصة النجاح: 25%
    ⁃    نقاط القوة: الضغط الإنساني الهائل، والوساطة العربية المتوازنة.
- نقاط الضعف: تباين الأجندات الإقليمية، والخشية الإسرائيلية من صعود سلطة فلسطينية موحدة.


اختبار النوايا قبل اختبارات البنود

اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ليس نهاية حرب، بل بداية مرحلة جديدة من الشكوك والمصالح المتقاطعة.
فما لم تُترجم البنود إلى التزامات حقيقية، وما لم تتحول الهدنة إلى مشروع وطني– إنساني متكامل، فإن ما جرى لن يكون سوى تأجيلٍ مؤقت لجولةٍ قادمة من الدماء.

إنسان غزة.. قبل السياسة

ما بين الأنقاض والركام، هناك إنسان يحاول أن يعيش. طفل يبحث عن لعبته المفقودة، وأمٌّ تنتظر صوت ابنها بين صفوف الناجين، ورجلٌ ينظر إلى البحر كأنه آخر ما تبقّى من أمل.

حين نتحدث عن وقف إطلاق النار، لا يجب أن نراه فقط كاتفاقٍ سياسي، بل كـ لحظة تنفسٍ لأرواحٍ أنهكها البكاء والخوف.
غزة لا تحتاج إلى خطاباتٍ ولا لجانٍ بقدر ما تحتاج إلى ضميرٍ عالميٍّ حقيقي يدرك أن السلام ليس قرارًا يُوقَّع، بل حياةٌ تُمنح.

فالهدنة الحقيقية ليست تلك التي تسكت المدافع، بل تلك التي تُعيد للإنسان حقه في الأمان، وفي أن يعيش يومه دون أن يخشى غدَه.

search