الخميس، 16 أكتوبر 2025

04:09 م

رحماء "أبيس" يطاردون الطاقة السلبية، كيف نجا الأطفال ذوو الهمم من كراهية آبائهم؟

المركز

المركز

في قلب منطقة نائية على الحدود الفاصلة بين محافظتي الإسكندرية والبحيرة، حيث  تحاصر الأفكار القديمة العقول، ويفتقر الكثيرون إلى الوعي بحقوق ذوي الهمم، بزغ نور صغير من رحم الصعاب، وهو مركز "دار الرحمة لتأهيل الأطفال ذوي الهمم"، التابع لكنيسة العذراء والأنبا صموئيل، بقرية أبيس4،  ليكون بيتا للرحمة قبل أن يكون مركزا للتأهيل، ورسالة حب تواجه العزلة والتهميش، في منطقة لم تعتد أن تحتضن المختلفين.
المركز والذي لابد أن تقطع مسيرة طويلة حتى الوصول إليه عبر طريق ترابي، وعدة قرى لم تعرف الحداثة بعد، برغم أنه تابع للكنيسة، إلا أنه يتعامل مع المسلمين والمسيحيين على حد سواء، بل أن معظم أطفال من المسلمين، أصبح فنار يضئ عتمة القلوب والعقول، ونجح في تحويل الأطفال من ذوي الهمم إلى منتجين وفنانيين.

 "الرحمة" يحول ذوي الهمم من التهميش إلى الإنتاج والإبداع


تقف وسط الفصول تجذب الأطفال ذوي الهمم بابتسامتها الصباحية المعتادة لهم وتتفقدهم، إنها مريم فاروز مدير  المركز الرحمة التابع لكنيسة العذراء والأنبا صموئيل، وتقول: إن رئيس مجلس الإدارة القمص بافلي، هو كانت بداية خدمته في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان يحب الأطفال جدا، ومن هنا أتت فكرة إنشاء المركز، ونحن في مكان نائي، على حدود محافظة البحيرة، الخدمات قليلة هنا جدا في هذا المكان، خاصة مثل هذه التي نقدمها.

بداية الحلم  والحصاد

وتتابع فاروز، المركز بدأ بـ4 أطفال، تأخر ذهني بسيط، وحاليا عندنا 72 طفلا، من إعاقات مختلفة، توحد، تأخر ذهني، داون، تأخر دراسي، ووصلنا بهم لمراحل متقدمة جدا، ونقوم بعمل حفلات كثيرة، والأولاد تعلموا منه كل شئ وأصبحو منتجين، وتعلمو كيفية التعامل مع الآخرين، ووسعنا مدارك الأطفال، وقمنا بعمل أنشطة لهم، علمناهم كيف يأكلون ويغسلون أيديهم، ويتعاملون مع مائدة الطعام بأسلوب لائق حتى لا يكون مختلفا عن الآخرين، وقسمنا الأطفال على حسب قدراتهم في فصول مختلفة.

 "الرحمة" يحول ذوي الهمم من التهميش إلى الإنتاج والإبداع

أطفال داون تحولوا لمنتجين وفنانين

وعن المهارات التي يتعلمها الأطفال تقول "فاروز"، الأولاد هنا منتجون، ينتجون المجسمات من عجائن السيراميك، والإكسسوارات، ويقومون بعمل الكوروشية، ويستخدمون الإبرة، والأشكال الشمعية، وإنتاج الشمع الطبيعي المعطر، وأيضا ينتجون مفارش الخيش، ومفارش التريكو، والأوشحة الصوفية بإبرة الكورشية، وكل المشغولات اليدوية يقوم أبناؤنا بإنتاجها وعملها من الصفر حتى البيع والتسويق.

 "الرحمة" يحول ذوي الهمم من التهميش إلى الإنتاج والإبداع

معلمات المركز يواجهن التنمر

وتضيف فاروز، كل فصل له طلابه، ويكونون في قمة السعادة، لأنهم ينتجون ويتعلمون أشياء جديدة، ويقابلون أطفال في نفس ظروفهم، فيندمج في المجتمع بسهولة، المدرسات يتفاعلن مع الأطفال، ويقدمن جهد كبير جدا مع الأطفال، خاصة أننا نخدم كل الفئات مسلمين ومسيحين، برغم إنه تابع لكنيسة إلا أن عدد الأطفال المسلمين كثير جدا عندنا ومعظمهم من المسلمين، وخضنا تجارب كثيرة جدا من أجل أن نكسب ثقة أولياء الأمور.

 "الرحمة" يحول ذوي الهمم من التهميش إلى الإنتاج والإبداع

الأهالي يرفضون أبناءهم ذوي الهمم


وتؤكد فاروز، إن الصعوبات التي كانت تواجههم لا تتوقف فقط عند التعامل مع الأطفال، إنما مع أهليتهم، إذ أن هناك أهالي كانوا يرفضون الطفل، ويتعاملون معه بتهميش وعنف في بعض الأحيان، فكانت المهمة الأصعب أننا نقنع الأهالي أن يحبوا أبناءهم، ويتعاملوا معهم بشكل جيد ولائق، وعلمناهم طبيعة التعامل معهم، وكيف يقدمون لهم الدعم، وإنه كائن مثله مثل أي إنسان وسيكون عضو نافع في المجتمع مع التدريب والتمرين والتعليم، وكيف نحوله من شخص عنده قصور في الإدراك والحركة، لشخص فعال ومنتج.

تحذر فاروز من أن هناك أهالي كثيرين تجاهلوا أبناءهم، لإنهم سببوا لهم مشاكل كثيرة، بسبب جهل التعامل معهم، وتعرضهم للتنمر أو الرفض من المجتمع، ولذلك قام أبونا بافلي بإنشاء هذا المركز، أولادنا في مدارس الدمج تعرضوا لتنمر وضغط نفسي وأّذى شديد، وقانون التنمر هو من أنقذ هؤلاء الأبناء.
وتتابع فاروز، كان هناك مفاهيم كثيرة خاطئة من أهالي ذوي الهمم، لماذا أستثمر وأنفق على ابني المعاق، هو لن يفيدني فيما بعد، لو معي فلوس أو وقت أنفق على ابني السليم، فهو الأحق والأولى، غيرنا هذه المفاهيم تماما وواجهناها، وعلمناهم كيف يستثمرون في أبنائهم، وعلمناهم أن الطفل المعاق أحيانا يكون أفضل من السليم، واكتشاف الإبداع لديهم وفي روحهم.

 "الرحمة" يحول ذوي الهمم من التهميش إلى الإنتاج والإبداع

الرقص يواجه التنمر


تقول إيفرونيا سمير، معلمة بالمركز، أنا أدرب الأطفال على أداء الاستعراضات والرقصات المختلفة، الأطفال يكونون محملون بكم طاقة سلبية كبير من التنمر أو المضايقات التي يواجهونها خلال يومهم، أنا أمتص هذه الطاقة السلبية، وأحاول أن أعلمهم أن يرقصو ويفرحوا، أحتوي الموقف وأفهمهم أنهم أحسن من أي شخص، وأعلمهم كيف يتقبلوا أنفسهم التي خلقهم الله عليها.

 "الرحمة" يحول ذوي الهمم من التهميش إلى الإنتاج والإبداع


وتضيف "إيفرونيا"، أتناقش مع الأطفال حول الرقصات والأغنيات، وأحيانا أعدلها على مزاجهم الشخصي، وأتعلم منهم أحيانا، وأحول المواقف الصعبة التي يتعرضون لها إلى سكتشات تمثيل، ومشاهد تمثيلية حتى يواجهوا ما يتعرضون له، وأشرح لهم كيف يقومون بأداء مثل هذه الأدوار.
وهكذا في قلب الصحراء الفكرية،  يظل هذا المكان شاهدا على أن الإنسانية لا تقاس بعدد الخطوات، بل بعدد القلوب التي تفتح لأجل الآخرين.

 "الرحمة" يحول ذوي الهمم من التهميش إلى الإنتاج والإبداع
 "الرحمة" يحول ذوي الهمم من التهميش إلى الإنتاج والإبداع
 "الرحمة" يحول ذوي الهمم من التهميش إلى الإنتاج والإبداع
search