الأحد، 26 أكتوبر 2025

01:09 ص

"أنـا مـن يـُحــيي ويـميـت"

فلسفة النمرود في مقارنة قدراته بقدرات الإله بقوله أنا من أحيي وأميت، وكذلك فرعون في الإقرار الصريح بأنه هو ربهم الأعلى، هي نفس فلسفة الشيطان التي استوجبت معها الطرد من الجنة والخروج من رحمة الله - سبحانه وتعالى- وجعله من المنظرين ليوم الوقت المعلوم، وهي التشبه بالذات العليا.
التكبر هو ظاهرة معقدة، تتجلى في سلوك الإنسان، وتكشف عن عمق الاضطراب الداخلي الذي يعاني منه. إنه إشكال فلسفي، يطرح تساؤلات حول طبيعة الإنسان، التكبر هو تحدي للسلام الإنساني، الذي يتمثل في البحث عن المعنى والغاية، والبعد عن حب السيطرة والهروب من الواقع والماضي.

لماذا التكبر هو الصفة المميزة للشيطان وسبب خروجه من الجنة؟
 

التكبر في ظني الشخصي مرحلتين، المرحلة الأولى هي التعالي والتفاخر وعدم الانصياع للأوامر الإلهية، وهو الدرجة الدنيا من الكفر، وهو الكفر بمحدوديتك، الكفر بإنسانيتك، الكفر بقدرات الآخرين عليك، عدم اعترافك بنواقصك، هذا التكبر يفتح عليك أبواب السخط والحقد والحسد والعداوة والبغضاء، والضغط المستمر.

هذه المرحلة الأولية من التكبر إذا استمرت وتمادت وصلت بك إلى الكفر الأعظم وهو التكبر على الذات الإلهية، كيف تتكبر على الذات الإلهية؟ إذا ظننت أنك تملك القدرة على القيام بأعمال الله في الأرض، حينما قال الله إني جاعل في الأرض خليفة، لم يقل إنه يجعل في الأرض آلهة تحل محله - عزّ وجل- ولكن تحكم بأحكامه مستعينة بقضائه ومشيئته.

يظن الإنسان بعد أن أنعم الله عليه بنعمة الصحة أو المال أو السلطة أن بمقدوره أن يكون كالآلهة يحيي ويميت، يظن أن قدراته مُطلقة وإمكانياته غير محدودة لعدم قدرة الآخرين على إيقافه، وهذه هي خطيئة الشيطان، ظن أن بتكبره على الإنسان بمقدوره تحدي قدرات الله، كذلك المتكبرون من بنى آدم يظنون أنهم قادرون على إحياء الموتى، من السهل أن تقتل وتسفك الدماء، من السهل أن تظلم، من السهل أن تقطع الأرحام والأرزاق، وتقضي على أحلام وطموحات، لكن من الصعب أن تعكس دورة الحياة وتعود بالزمن إلى الخلف، لا يمكن للظالم أن يعدل ولا للقاطع أن يوصل، ولا للقاتل أن يحيي الموتى.

ما خصّ الله به ذاته لا يمكن للمخلوق أن يفعله، بإمكانك أن تُقر عدل الله وليس عدلك، رحمة الله وليس رحمتك، كلام الله وليس كلامك، لكن المتكبر يرى نفسه أنه قادر على منازعة الله في مُلكه، هذا ما فعله النمرود وفرعون، هذا التكبّر الذي أخرج الشيطان من رحمة الله وجنته، الكبر الذي جعل الإنسان يظن أنه يُحيي من تغول وأماته إكلينيكيا، مدير ظلم موظف في التقييم، مسئول ارتشى بلا خوف، مدرس يتحكم بمستقبل طالب، طفل يقتل زميله بلا رحمة، الكبر هو ما يدفعك لتتغافل عن وجود الله، الكبر هو المحرك للظلم، الكبر يجعلنا في حكم الآلهة، فملك الله هو العدل، الانصاف،الرحمة، المغفرة، فينازع المتكبر الله في ملكه ظناً منه أن ظلمه عدل وقسوته رحمة، وانحرافه إنصاف، وجحوده مغفرة، وإن من الإذلال عزة.
لم يكتفِ الإنسان بكل النعم التي أنعمها عليه الله، لكنه قرر أن يسلب نعم غيره ليصل إلى الرغبة في أن يكون هو الآخر إلها، كل ما تحويه نفسك من ظروف ومركبات نفسية وأمور لا يمكنك البوح بها، تدفعك لردود أفعال عكسية رغبة منك في تعويض النواقص ومعالجة الأمور دون الاعتراف بها، فتظن أنك قادر وأنت لست بقادر، يطمع الإنسان في أن يكون أقوى وأسرع وأفضل من... !!؟؟ دائما يضع نفسه في مقارنة مع الآخرين وليس مع نفسه، يطمع في كل النعم جائز! لكنه يطمع في سلب نعم الآخرين، مجهودهم، مستقبلهم، سلامهم النفسي، يطمع في أن يكون إله... !!
لماذا يرغب الإنسان في ألا يكون إنساناً؟

title

مقالات ذات صلة

الكنيست ١٩٧٧ – ٢٠٢٥

18 أكتوبر 2025 08:00 ص

شائعات تشويه السُمعة

11 أكتوبر 2025 09:00 ص

مفهوم الحرية

04 أكتوبر 2025 09:10 ص

اختر من بين الأقواس

27 سبتمبر 2025 09:00 ص

search