الأربعاء، 29 أكتوبر 2025

12:02 م

نتنياهو.. ما لم يدركه "ملك إسرائيل"

في السابع من أكتوبر عام 2023، تفاجأ العالم بعملية طوفان الأقصى التي قلبت الموازين الإقليمية وأعادت صياغة معادلة القوة في الشرق الأوسط.
في ذلك اليوم، كان بنيامين نتنياهو منشغلًا بالأعياد اليهودية، وخرج بخطاب يفيض بالثقة والغطرسة، متحدثًا عن قدرته على “تغيير الشرق الأوسط”. لكن التاريخ أثبت سريعًا أن الشرق الأوسط هو من غيّر نتنياهو، وأعاد تعريف حدود القوة الإسرائيلية.

منذ توليه رئاسة الوزراء، سعى نتنياهو لتكريس صورته كـ"التلميذ النجيب" للمُنظّر الصهيوني جوبوتنسكي، مؤسس الصهيونية التصحيحية. إلا أن طموحه تجاوزه، فأنصاره يرونه "ملك إسرائيل"، وهو يرى نفسه سيد الشرق الأوسط الجديد، مستندًا إلى الدعم الأمريكي المفتوح الذي أمدّه بأسلحة فتاكة وقنابل مدمرة في سعيه لتحقيق “شرق أوسط جديد” على مقاسه.

ناغازاكي الشرق الأوسط

استعاد نتنياهو درس التاريخ الأمريكي حين ألقت واشنطن أول قنبلة نووية على ناغازاكي عام 1945، رغم أن اليابان كانت قد أبدت رغبتها في الاستسلام.
كانت رسالة الولايات المتحدة حينها موجهة إلى الاتحاد السوفييتي أكثر من كونها موجهة لليابان؛ رسالة ردع وبسط هيمنة.

وبنفس المنطق، حاولت إسرائيل تطبيق “عقيدة الردع” ذاتها على غزة، فأغرقتها بآلاف الأطنان من السلاح الأمريكي، في محاولة لتهجير الفلسطينيين ودفعهم للاستسلام.
لكن المفاجأة التي لم يتوقعها أحد كانت في صمود الشعب الفلسطيني، الذي واجه القتل والتشريد والتجويع بإرادة من حديد، رافضًا الخضوع.

وفي المقابل، لعبت مصر دورًا محوريًا وتاريخيًا، فكانت الدرع الواقية التي أحبطت مخطط التهجير، ووقفت بثبات إلى جانب الشعب الفلسطيني، لتُسقط أهم أهداف العدوان الإسرائيلي، وتجعل تهجير سكان غزة مجرد خيال سياسي انتهى قبل أن يبدأ.
تطرف اليمين الإسرائيلي.. خطر على إسرائيل قبل غيرها

في التاسع من أكتوبر، خرج وزير التراث الإسرائيلي إلياهو – أحد رموز حكومة اليمين المتطرف – بتصريح صادم قال فيه إن إسرائيل قد تُلقي قنبلة نووية على غزة.
ورغم أن هذا التهديد لم يُنفذ حرفيًا، فإن ما حدث على الأرض من دمار وقتل يُقارب فعلًا تأثير القنبلة النووية.

لكن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا لتوقعات نتنياهو.
فقد تحرك الضمير العالمي من سباته، واندلعت أكثر من 100 ألف مظاهرة حول العالم تندد بالإبادة الجماعية.
وتبع ذلك صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب.
ثم جاءت الضربة الكبرى باعتراف دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وإسبانيا بالدولة الفلسطينية، في تحول تاريخي مثّل صفعة موجعة للحكومة الإسرائيلية.

وأثناء إلقاء نتنياهو خطابه في الأمم المتحدة، كانت إسرائيل نفسها تعيش عزلة داخلية خانقة، حيث انهارت الثقة بحكومته واهتزت القلعة السياسية على عروشها.

خسائر اقتصادية وحسابات خاسرة

لم يتوقف الأمر عند السياسة، بل امتد إلى الاقتصاد؛ إذ تراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل في ظل أطول فترة إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، كما شهد الاقتصاد الإسرائيلي ركودًا غير مسبوق بخسائر تجاوزت 160 مليار دولار، وانخفضت صادراتها من 76 مليارًا إلى 50 مليار دولار.

كما أن اعتداء نتنياهو السافر على قطر فضح تناقضات إسرائيل وكشف أنها دولة لا عهد لها ولا تحترم سيادة الدول.
ورغم كل ما تمتلكه من ترسانة عسكرية واستخباراتية، فإنها فشلت في فرض سيادتها أو تحقيق استقرار استراتيجي في المنطقة، حتى بعد تنفيذ عمليات اغتيال لقادة من إيران وحزب الله وحماس ومحاولتها تغيير النظام في سوريا.

ومع ذلك، لم تستطع إسرائيل محو الحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وهو ما يُعد أكبر هزيمة سياسية ومعنوية لها منذ تأسيسها، وأقسى عقاب أخلاقي على حربها النازية ضد المدنيين الأبرياء.
النهاية الحتمية
اليوم، يقف نتنياهو على أعتاب النهاية السياسية المحتومة.
فكما غاب شارون وإيهود أولمرت من قبل، سيغيب "ملك إسرائيل" عن المشهد بعد أن انقلب عليه الشرق الأوسط الذي ظنّ أنه قادر على تغييره.
لقد أراد أن يصوغ خريطة جديدة للمنطقة بالنار والدم، لكن التاريخ سجّل أنه كان أول من احترق بنيرانه.

search