حميدتي يهدد مصر، ماذا حدث في "الفاشر" وكيف سقطت في يد "الدعم السريع"؟
عناصر من قوات الدعم السريع
تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واحدة من أصعب فصول الحرب السودانية منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تحولت المدينة خلال الأيام الأخيرة إلى محور اهتمام دولي، بعد إعلان الأخيرة سيطرتها على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني.
مدينة محاصرة منذ أكثر من عام
منذ قرابة العام لم يهدأ القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في محاولة للسيطرة على الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور.
وخلال الأيام الأخيرة، احتدت وتيرة المواجهات بين الطرفين في غرب البلاد، ما دفع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى الإعلان مساء الإثنين عن انسحاب الجيش من المدينة، مبررًا القرار بالتدمير والقتـل الممنهج للمدنيين.
وانتشرت في الوقت نفسه مقاطع مصورة أظهرت تصفية مدنيين عزل داخل المدينة، وسط اتهامات موجهة لقوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم مروعة ضد السكان.
البرهان يعلق للمرة الأولى على أحداث الفاشر
في أول تعليق له بعد إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر قيادة الجيش في الفاشر، قال البرهان: "وافقنا على أن يغادروا المدينة إلى مكان آمن لتجنب تدميرها وحماية ما تبقى من المدنيين".
إعدامات ميدانية
وأظهرت تسجيلات مصورة نشرتها قناة "العربية"، إعدامات ميدانية نفذتها عناصر الدعم السريع بحق أسرى في الفاشر، وسط اتهامات بأن الضحايا كانوا يقاتلون في صفوف الجيش.

كما أكدت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تلقيها تقارير عن نقص حاد في الغذاء وارتفاع كبير في الأسعار داخل المدينة، فضلًا عن إعدام خمسة رجال كانوا يحاولون إيصال الطعام إلى سكان الفاشر.
وأعلنت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر أن معظم من تبقى من المدنيين في المدينة قد قُتـلوا، فيما لا يٌعرف مصير البقية حتى الآن.
سوداني: المواطنون يحفرون قبورهم بأيديهم في الفاشر
من جانبه قال مواطن سوداني (فضل عدم نشر اسمه) لـ"تليجراف مصر": "قوات الدعم السريع تجبر المواطنين على حفر قبور جماعية بأيديهم ومن بعدها يتخلصوا منهم بالرصاص، وأضاف: “حتى الأطفال بيقولوا لهم أنتم أبهاتكم وأمهاتكم ماتوا، أنتم ليه تعيشوا؟ وبعدين يتخلصوا منهم”.
تزامنت أحداث الفاشر مع مخاوف من أعمال انتقامية واسعة بحق ما يقدر بـ250 ألف شخص لا يزالون في المدينة، وسط تحذيرات من أن يؤدي هذا التصعيد إلى تزايد أعمال القـتال في مناطق أخرى من السودان.
خريطة السيطرة على السودان
وباستيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر، أصبحت تسيطر على كامل إقليم دارفور بولاياته الخمس: شرق، شمال، جنوب، وسط، وغرب دارفور، وفقًا لقناة "العربية".
كما تتجه القوات نحو إقليم كردفان الذي يضم ولايات شمال، جنوب، وغرب كردفان، في محاولة لتوسيع نفوذها العسكري.

وفي المقابل، لا تزال القوات المسلحة السودانية تحتفظ بوجودها في معظم مناطق كردفان، رغم احتدام المعارك في شمال كردفان بعد سيطرة الدعم السريع على مدينة بارا الاستراتيجية، التي تربط بين الخرطوم وإقليم دارفور، بينما تبقى العاصمة الخرطوم والولايات الشرقية تحت سيطرة الجيش.
ماذا يعني سيطرة الدعم السريع على الفاشر؟
لم تسقط الفاشر في يوم واحد، بل بعد حصار طويل ومعاناة إنسانية ممتدة، ويعتقد محللون أن السيطرة عليها قد تغيّر وجه الحرب وربما وجه السودان نفسه، بينما يظل السؤال: هل تكون الفاشر بداية نهاية الحرب؟ أم بداية فصل أكثر قسوة في تاريخ البلاد؟
يعد سقوط الفاشر تحولًا مفصليًا في الصراع المستمر منذ أبريل 2023، إذ يمثل ضربة قوية لحركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، واللتين كانتا قد وقعتا اتفاق جوبا للسلام عام 2020، فقد أدى التغير الميداني إلى تهديد وجودهما العسكري والسياسي داخل الإقليم، بحسب شبكة "بي بي سي".
ويرى محللون أن سيطرة الدعم السريع على المدينة قد يعيد رسم خريطة الصراع والتفاوض في المرحلة المقبلة، لكنه في الوقت نفسه يثير مخاوف من توسع المعارك إلى ولايات أخرى، حيث تتشابك الولاءات القبلية والمصالح الاقتصادية.

أهمية الفاشر وموقعها الجغرافي
الفاشر تعد آخر معاقل الجيش في دارفور بعد أن سقطت أربع ولايات من الإقليم بيد الدعم السريع، وتكمن أهميتها في موقعها الجغرافي الذي يجعلها نقطة وصل بين شمال ووسط وغرب دارفور، إضافة إلى كونها مركزًا تجاريًا تاريخيًا ومعبرًا رئيسيًا نحو ليبيا وتشاد ومصر.
وتبلغ مساحة ولاية شمال دارفور نحو 296 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 12% من مساحة السودان، وتشكل أكثر من نصف مساحة إقليم دارفور الذي يوازي في مساحته دولة فرنسا.
أما مدينة الفاشر نفسها فتقع على ارتفاع 800 متر فوق سطح البحر، وعلى بعد نحو 800 كيلومتر غرب الخرطوم، ونشأت في القرن السابع عشر كعاصمة سلطنة دارفور التي أسسها السلطان سليمان صولونج.
اليوم يسكنها نحو مليون نسمة من أعراق وقبائل متعددة، عاشوا لعقود في تنوع اجتماعي وثقافي نادر قبل أن تعصف بهم الحرب.
أهمية الفاشر عسكريًا
تمثل الفاشر قاعدة عسكرية رئيسية للجيش السوداني ومقرًا لقيادة الفرقة السادسة مشاة، كما يضم مطارها مرافق لوجستية مهمة لإمداد القوات الحكومية وتنسيق العمليات، بالإضافة إلى وجود مخازن ضخمة للأسلحة والذخيرة داخل المدينة، ما جعلها هدفًا استراتيجيًا للطرفين.
أهمية الفاشر اقتصاديًا
ويتميز الإقليم بغناه بالموارد الطبيعية، خصوصًا الذهب والثروة الحيوانية، إذ تعد منطقة جبل عامر قرب الفاشر من أكبر مواقع التعدين الأهلي في السودان، إلى جانب مناطق أخرى مثل الردوم في جنوب دارفور، وقد شكلت هذه الثروات سببًا جوهريًا في تنافس الجماعات المسلحة على السيطرة.
يرى محللون أن قوات الدعم السريع قد تسعى لاستغلال انتصارها في الفاشر لتعزيز نفوذها العسكري في مناطق أخرى من السودان، خاصة في ظل جمود محادثات السلام التي ترعاها الولايات المتحدة.
وبحسب تسريبات أممية تم نشرها العام الماضي، جرى رصد رحلات جوية من دول خليجية نحو دارفور يشتبه في تهريب أسلحة عبرها لقوات الدعم السريع، وهي تقارير نفتها تلك الدول، وفق صحيفة "الجارديان" البريطانية.
الحدود المصرية السودانية الليبية
ومع اقتراب قوات الدعم السريع من الحدود المصرية السودانية الليبية المشتركة قرب وادي حلفا، تصاعدت التساؤلات حول ما إذا كان هذا التطور قد يؤثر على الأمن القومي المصري.
ومن جانبه قال مستشار الأمن القومي والعلاقات الدولية اللواء محمد عبد الواحد إن تصريحات الفريق أول عبد الفتاح البرهان الأخيرة بشأن انسحاب الجيش السوداني جاءت غير واضحة، مشيرًا إلى أن ما وصفه البرهان بأنه "انسحاب تكتيكي لأغراض عسكرية" بدا في الواقع انسحابًا فوضويًا دون وجود خطة انسحاب متكاملة، وهو ما يعكس غياب استراتيجية واضحة لدى الجيش السوداني.
وأضاف عبد الواحد لـ"تليجراف مصر"، أن هذا الوضع يضعف قدرات الجيش السوداني ما يمثل خطورة على الأمن القومي المصري، موضحًا أن مصر ترفض وجود أي نظام متمرد أو كيان غير شرعي على حدودها، خاصة في ظل السجل المعروف لعمليات تهريب السلاح والأفراد عبر الحدود السودانية التي تقوم بها قوات الدعم السريع.
وشدد على أن مصر ستقوم بالتعامل مع هذا الملف بقدر عال من الحكمة لتقليل حجم التهديدات المحتملة من هذا الاتجاه.
تهديدات حميدتي للدول
وكان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) أطلق تهديدًا علنيًا بقصف أي دولة مجاورة تٌستخدم أجواؤها ضد قواته، قائلاً في مقطع فيديو: "أي طائرة أو مسيّرة تقوم من أي مطار في دولة مجاورة سنعتبر هذا المطار هدفًا مشروعًا".
وقد فسر بعض المراقبون على نطاق واسع بأنها تهديد موجه لمصر، التي سبق أن اتهمها حميدتي بتقديم دعم جوي للجيش السوداني، بينما رأى آخرون أنه يتجنب التصعيد المباشر مع مصر إدراكًا لعواقبه، بحسب "روسيا اليوم".
وأكدت مصر في أكثر من مناسبة دعمها لمؤسسات الدولة السودانية، وعلى رأسها الجيش الوطني، داعية إلى وقف الحرب وبدء هدنة إنسانية تضع حدًا لمعاناة الشعب السوداني المستمرة منذ أكثر من عامين.
ومنذ 10 مايو 2024، تفرض قوات الدعم السريع حصارًا على مدينة الفاشر، بينما يسعى الجيش السوداني لكسر هذا الحصار نظرًا لأهمية المدينة التي تعد مركز العمليات الإنسانية الرئيسي لولايات دارفور الخمس.
وتأتي هذه التطورات في وقت تستمر فيه الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023، دون أن تنجح الوساطات الإقليمية والدولية المتعددة في التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع، الذي تسبب في مقتـل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 15 مليونًا بين نازح ولاجئ، وفقًا لتقارير أممية ومحلية.
اقرأ أيضًا:
إعدامات ميدانية في الفاشر على يد قوات الدعم السريع
"أطباء السودان": ميليشيا الدعم السريع ارتكبت جريمة حرب في مدينة الفاشر
الأكثر قراءة
-
والد ضحايا واقعة الهرم: مراتي كانت أشرف من الشرف وكل اللي بيتقال عنها كذب (خاص)
-
"كنت فاكر إني مغطيها"، البلوجر محمد عبدالعاطي يكشف مفاجآت أمام جهات التحقيق (خاص)
-
حميدتي يهدد مصر، ماذا حدث في "الفاشر" وكيف سقطت في يد "الدعم السريع"؟
-
"تؤمريني يا حاجة"، محافظ الأقصر يستجيب لطلب سيدة بشأن نجلها من ذوي الهمم
-
اتهمته الأم عبر تليجراف مصر، كشف ملابسات خدش حياء توأم على يد عمهما بالبحيرة
-
الطريق إلى النموذج المغربي (2-2)
-
متخصص في الأحوال الشخصية: طلاق المسيحيين أصبح أكثر مرونة والزواج الثاني بتصريح
-
سعر الذهب يقترب من أدنى مستوى في أسبوعين، ما التوقعات؟
أخبار ذات صلة
ستاد الأهلي والصفقات الشتوية، 4 ملفات ساخنة تنتظر مجلس محمود الخطيب
28 أكتوبر 2025 11:50 م
"نصف الدين" في خطر، "شبكة العروسة" تحرم المقبلين على الزواج من فرحة الذهب
28 أكتوبر 2025 03:22 م
استغاثة على ضفاف الموت، أهالي الغنايمة يعانون الأمرين للوصول إلى المدرسة والمسجد
28 أكتوبر 2025 03:29 م
"من أديس أبابا لـ ياوندي"، 3 نهائيات مؤلمة أبكت المصريين في كأس أمم إفريقيا
28 أكتوبر 2025 09:37 ص
أكثر الكلمات انتشاراً