الطريق إلى النموذج المغربي (2-2)
تناولت في الجزء الأول من هذا المقال كيف بدأت المغرب نهضتها الكروية التي أوصلتها في النهاية إلى أن تكون رابع العالم في مونديال قطر 2022، وأن تحصل بمنتخب شبابها على كأس العالم للشباب متفوقة على الأرجنتين نفسها في إنجاز غير مسبوق للكرة العربية بكاملها.
ركزت في الجزء الأول من المقال على أن خطوات المغرب كانت وفق رؤية مدروسة ومتكاملة، أي أنها لم تكن خطوات عشوائية، ومن منطلق تلك الرؤية بدأت المرحلة الأولى التي تمثلت في وضع الخطط والتصورات، ثم المرحلة التالية بتجهيز المنشآت القادرة على إفراز اللاعبين كالأكاديميات ودمج الرياضة بالتعليم، وأخيرًا البنية التحتية الممثلة في الملاعب المشيدة وفق تصنيفات الفيفا العالمية.
في هذا الجزء الثاني والأخير، نوضح كيف أكملت المغرب مشوارها فبعد أن هيأت كل ما يمكن تهيئته من حجر اتجهت إلى البشر أنفسهم، واتجاهها هنا لم يكن من خلال صنعهم بل كل ما فعلته هي اكتشاف ما تملكه من كوادر بشرية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ضمان إسناد المناصب لأهلها بعيدًا عن المجاملات و"الوسايط" أو حتى منح نجم كبير منصب فقط لأنه نجم كبير.
ما أقوله نجده مجسدًا بقوة في وليد الركراكي المدير الفني للمنتخب الأول المغربي وصاحب إنجاز "رابع العالم"، فالمتتبع لسيرة الرجل كلاعب يجد أنه لاعب عادي، فمسيرته كظهير أيمن والتي استمرت من عام 1998 حتى 2009 لم تكن قوية، ومعظم الأندية التي لعب لها وهي فرنسية أندية عادية جدًا، فلا هو صاحب بطولة مغربية ولا أثر كروي في الملاعب.
رغم ذلك حين فكر الاتحاد المغربي في إسناد مهمة تدريب المنتخب أغسطس 2022 لم يفكر في لاعبين مغاربة كِبار مثل أسطورتهم مصطفى حجي، ولم يسند المنصب لأي من معارف أو أصدقاء فوزي لقجع، بل اعتمد المنهج البرجماتي في اختيار الكفاءة الأنسب، ولم يكن أمامه سوى "الركراكي" الذي تميز بمسيرة تدريبية ناجحة، بداية من الفوز مع الفتح الرباطي بالدوري المغربي 2016 ووصولًا إلى تحقيق بطولة دوري أبطال أفريقيا للوداد في 2022.
الأمر ذاته تكرر مع محمد وهبي صاحب مونديال الشباب والذي هو في الأصل مدرس مغربي ولد في مدينة بروكسل البلجيكية، لكنه شُغف بكرة القدم فترك التدريس وبدأ مسيرته المهنية من خلال الدبلومات والدورات التي أعلاها "ويفا برو"، كما اكتسب خبرات تدريبية كبيرة من خلال عمله في أكاديمية أندرلخت وتدريبه للفئات الأقل من 9 سنوات ثم مساعدًا لبعض المدربين قبل أن يتولى مهمة منتخب الشباب المغربي في مارس 2022.
تولي "وهبي" في حد ذاته نجاح لمنظومة اكتشاف مواهب المغرب في الخارج وهي المنظومة التي كانت أحد الركائز الأساسية للانطلاق، ونجاح لنموذج الاعتماد على الكفاءات لا الأسماء الكبيرة أو النجوم الرنانة، وهو ما يحدث في بلاد كثيرة على رأسهم مصر التي لا تولي سوى نجوم كرة القدم وكأن ذلك صمام الامان ومفتاح النجاح الأكيد.
الاهتمام بالعنصر البشري لم يقتصر على المدربين فقط، فمنظومة عمل الأندية المغربية ساعدت أيضًا على ذلك، فمن ناحية هناك حركة تصدير قوية إلى أوروبا ونادرًا ما يتمسك نادِ بلاعب، ومن ناحية ثانية فقيمة اللاعبين في الدوري المحلي متوسطة، بل إن أغلى لاعب من الناحية التسويقية باستثناء حكيم زياش، هو لاعب الرجاء يوسف بلعمري 1.7 مليون دولار، وهو مبلغ عادي في الدوري المصري على سبيل المثال.
بالطبع النموذج المغربي مليء بآلاف التفاصيل الأخرى، لكن ما حاولت إيضاحه هي الركائز الأساسية التي يمكن حصرها في التالي "رؤية- تخطيط- بنية تحتية- تمويل- اختيار كفاءات- تصدير - قواعد مالية صارمة في الدوري المحلي"، وبدون أي عنصر فالمنظومة ستختل وبدون رؤية لن تصبح الخطوات سوى خطوات عشوائية.
يبقى القول إن ما فعلته المغرب ليس مستحيلا، هو فقط احتاج إرادة، وهي ملكت ذلك ولذلك حصدت ثمار ما زرعته، والسؤال الآن: هل تستطيع مصر على الأقل وضع البذور لعل السنوات المقبلة نجني أي ثمار؟
الأكثر قراءة
-
والد ضحايا واقعة الهرم: مراتي كانت أشرف من الشرف وكل اللي بيتقال عنها كذب (خاص)
-
"كنت فاكر إني مغطيها"، البلوجر محمد عبدالعاطي يكشف مفاجآت أمام جهات التحقيق (خاص)
-
حقيقة تعنت قسم شرطة القرنة في الإفراج عن نجل مرشح لانتخابات النواب
-
"تؤمريني يا حاجة"، محافظ الأقصر يستجيب لطلب سيدة بشأن نجلها من ذوي الهمم
-
اتهمته الأم عبر تليجراف مصر، كشف ملابسات خدش حياء توأم على يد عمهما بالبحيرة
-
الطريق إلى النموذج المغربي (2-2)
-
سعر الذهب يقترب من أدنى مستوى في أسبوعين، ما التوقعات؟
-
متخصص في الأحوال الشخصية: طلاق المسيحيين أصبح أكثر مرونة والزواج الثاني بتصريح
مقالات ذات صلة
الطريق إلى النموذج المغربي (1-2)
20 أكتوبر 2025 11:32 ص
العميد في اختباره الأول.. نجاح محسوب لا معجزة
13 أكتوبر 2025 06:21 م
القيادة في زمن الإرهاق.. درس بيبو الأخير
08 أكتوبر 2025 10:26 ص
الإجابات الضائعة عند حسين الشحات
30 سبتمبر 2025 01:04 م
أكثر الكلمات انتشاراً