الإثنين، 20 أكتوبر 2025

06:22 م

الطريق إلى النموذج المغربي (1-2)

تقول الحِكمة العربية “لا تقارن بداياتك بموسم حصاد الآخرين”، والقصد أن لا تنظر إلى نتائج غيرك ثم تقول لنفسك لماذا لست غيرهم، الأحرى بك أن تنظر إلى ماذا فعلوا لكي يحصدوا ما وصلوا إليه، وقتها فقط يمكنك المقارنة.

تلك الحالة تنطبق على النموذج المغربي في كرة القدم، وهو نموذج تمكّن خلال العقد الأخير من لفت الأنظار إليه بقوة بسبب تألق منتخباته سواء الأول بالوصول إلى المربع الذهبي في مونديال قطر 2022 أو على باقي المستويات وآخرها الفوز بكأس العالم للشباب في إنجاز تاريخي متجاوزًا منتخبات بحجم فرنسا والأرجنتين، وبالطبع كان علينا كمصريين أن نسأل أنفسنا لماذا يصلون هم بينما نخرج نحن من نيوزيلندا واليابان بسبب إخفاقنا لا بسبب اللوائح، حتى لو قال الكابتن أسامة نبيه غير ذلك.

ورغم أن البعض قدّم بعض الإجابات على هذا السؤال، لكن الحقيقة أنها إجابات صحيحة لكن ليست الأساس، فالأمر لا يتعلق بمدرب هنا ولاعب هناك، ولا يتعلق حتى باستقدامات خبراء من أنجح الأندية في العالم، بل لا يتعلق الأمر حتى بأكاديميات كرة القدم، فتلك كلها ليس أكثر من خطوات كان وراءها رؤية، رؤية متكاملة ومتجانسة وضعت الأهداف وحددت الأولويات وضخت الأموال اللازمة واستعانت بالكفاءات وواجهت التحديات، ومن ثم تمكنت من النجاح، بدون تلك الرؤية كانت كل الخطوات ستصبح عشوائية ومتفرقة وهذا لا يصنع النموذج المغربي الحالي.

نعود بالقصة إلى منتصف الألفية الثانية حين نظرت المغرب إلى تاريخها الرياضي فوجدته في تدهور مستمر، وآنذاك وضعت خطة بتوجيه من الملك محمد السادس نفسه، فتأسست عام 2009 أكاديمية باسمه لتصبح نموذج قاري لإنتاج المواهب وساهم في تمويلها الملك بشخصه واستثمارات خاصة وشركاء محليين "بنوك وشركات"، وبالتوازي مع ذلك تم إدخال برامج التعليم الكروي في المدارس بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، كما ركزت المغرب على اللاعب مزدوج الجنسية فبدا هناك فرق عمل خاصة تعمل لاكتشاف اللاعبين المغاربة في فرنسا وبلجيكا وهولندا وإقناعهم باللعب للمنتخب.

يمكن اعتبار ذلك الخطوات الأولى، وكما يتضح التكامل بينهم من دعم ملكي وتوجيه سياسي ومشاركة تعليمية وحضور للقطاع الخاص ونظرة على الخارج، أما الخطوة التالية فكانت خطط أكثر دقة تناولت الرياضة كأداة للقوة الناعمة المغربية في أفريقيا والعالم العربي، وربطها بالتنمية والسياحة ما يعني استثمارات أكبر على المدى البعيد.


تأسيسًا على ذلك بدأت المرحلة الثانية والتي يمكن تأريخها بتولي فوزي لقجع رئاسة الاتحاد المغربي لكرة القدم عام 2014 ومعه خطت المغرب خطوة أخرى من خلال خطة تطوير وضعها لعشر سنوات بدعم مباشر من الملك محمد السادس، وتضمنت الخطة تطبيق نظام الاحتراف المالي والإداري الإجباري وإلزام الأندية بوجود مدير مالي وتقديم تقارير تدقيق سنوية لضمان الشفافية، كما أقام علاقة مع الأندية قائمة على الدعم مقابل الالتزام، وعلى الناحية الأخرى أشرف "لقجع" على افتتاح مركب محمد السادس لكرة القدم في 2019 وهو عبارة عن مركز كبير يضم ملاعب على الطراز العالمي ومراكز إقليمية للتدريب موزعة على أكثر من 20 مدينة في المغرب، بالإضافة إلى ملاعب حديثة في الدار البيضاء وطنجة وفاس ومراكز وكلها مطابقة لمعايير الفيفا بتكلفة وصلت إلى 65 مليون دولار آنذاك.


المعطيات السابقة تشير إلى أن المغرب اتبعت طريقتين كصمام أمان لمشروعها الطموح، الأول هو الرؤية والدعم السياسي المباشر لكل الخطوات، والطريقة الثانية تجهيز بنية تحتية قوية قادرة على استيعاب كل التطوير المفترض حدوثه، وحتى 2019 نجحت في الطريقتين ما أهلها لأن تبدأ المرحلة الثالثة التي يمكن تسميتها بـ"البناء البشري" قبل الوصول إلى المرحلة الرابعة المعروفة بـ"الإنجازات" وهذا ما نتناوله في الجزء الثاني من هذا المقال.

search