الإثنين، 20 مايو 2024

09:19 م

اقتصاد تحت تأثير منشطات.. هل انتهت الأزمة فعلاً؟

دولارات وجنيهات إلى جانب علم مصر

دولارات وجنيهات إلى جانب علم مصر

ولاء عدلان

A A

عكست المؤسسات المالية الدولية نظرتها للاقتصاد المصري 180 درجة خلال الشهرين الماضيين لتتبنى نبرة متفائلة حيال مؤشرات الاقتصاد، على وقع إجراءات عدة اتخذتها الدولة عقب توقيعها صفقة رأس الحكمة، لكن إلى أي مدى هذا التفاؤل في محله، وهل فعلا انتهت الأزمة التي عصفت بالاقتصاد منذ العام 2022؟ 
قال استاذ اقتصاديات التمويل بكلية التجارة جامعة القاهرة، الدكتور حسن الصادي، إن تغير نظرة المؤسسات الدولية، وآخرها وكالة فيتش التي عدّلت مطلع هذا الأسبوع نظرتها إلى الاقتصاد المصري من مستقرة إلى إيجابية، لا يعد تغيرًا جوهريًا بقدر ما أن هذه المؤسسات تقول إنها متفائلة فقط بشأن آفاق الاقتصاد لكن الأزمة لا زالت قائمة. 

الأزمة قائمة 

وأوضح الصادي أن الاقتصاد المصري كان مريضا وحصل على جرعة عالية من المسكنات بدءا من صفقة رأس الحكمة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومرورا بتعهدات الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، لكن هذه المسكنات مع الوقت سيزول أثرها لتطلّ الأزمة برأسها من جديد، ومن جهة أخرى قرض صندوق النقد الذي جرى رفع قيمته في مارس الماضي من 3 إلى 8 مليارات دولار، وكذلك حزمة التمويل التي تعهد بها الاتحاد الأوروبي البالغة قرابة 8.1 مليار دولار وغيرها من التعهدات الدولية، لن تدخل إلى الاقتصاد دفعة واحدة، إنما على شرائح ودفعات متتالية على مدى العامين المقبلين. 
وتوقع أن تظهر تعقيدات المشهد الاقتصادي المصري مرة أخرى خلال مراجعة الصندوق المقبلة، لافتا إلى أن أموال الصندوق لن تصبّ في الاقتصاد الحقيقي، وبالتالي لن تحدث أثرا ملموسا يزيد من الإنتاجية أو الصادرات على سبيل المثال، إنما ستخصص لتخفيف أعباء الديون، الأقساط والفوائد، وهنا تكمن المشكلة، الديون الخارجية حاليا عند مستوى مرتفع تجاوز الـ168 مليار دولار، وهذا الرقم مرشح خلال الفترة المقبلة لمزيد من الارتفاع وهنا تتجلى الأزمة الحقيقية.
في مارس الماضي توقع معهد التمويل الدولي، ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي في مصر إلى أكثر من 50 مليار دولار، مدفوعا بتأثير الاتفاق مع صندوق النقد وصفقة رأس الحكمة التي جرى توقيعها في فبراير الماضي وجاءت بقيمة 35 مليار دولار، لكن المعهد حذر من أن التدفق الكبير للسيولة الدولارية باتجاه مصر يعد علاجا قصير الأجل، وأن مصر بحاجة إلى استدامة الإصلاحات المتفق عليها مع الصندوق والتركيز على تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي وتعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص. 

مراسم توقيع صفقة رأس الحكمة في فبراير 2024

الرهان على القطاع الخاص

رأت عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الأسبق، الدكتورة عالية المهدي، أنه لا سبيل للخروج من الأزمة الاقتصادية في مصر إلا من خلال وضع حد للديون الخارجية ووقف الاعتماد المفرط عليها، والتوجه صوب تبني سياسات أكثر تحفيزا للقطاع الخاص بما يرفع مساهمته في الاقتصاد التي لا تتجاوز حاليا مستوى 21%، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن القطاع الخاص هو الأكثر توظيفا (يوظف أكثر من 70% من الطاقة العمالية) وكذلك الأكثر إنتاجية وتصديرا. 
وشددت على أن الأزمة ليست في نقص الحصيلة الدولارية للدولة أو استقرار سعر الصرف، بقدر ما هي في معدلات نمو الاقتصاد الحقيقي، أي الاقتصاد القادر على إنتاج السلع والخدمات وفي معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، لذا يجب إفساح المجال أمام القطاع الخاص وتوفير كافة الحوافز له ليصبح شريكا حقيقيا في الخروج من الأزمة والعودة إلى تسجيل معدلات نمو اقتصادي قوية. 
يشار إلى أن ديون مصر الخارجية تضاعفت خلال السنوات الـ10 الماضية بقرابة 4 أضعاف، وقفزت من مستوى 123.5 مليار دولار بنهاية العام 2020 إلى قرابة 168.01 مليار دولار بنهاية العام الماضي، ووفقا لمشروع موازنة العام المالي المقبل حددت الحكومة سقفا للديون عند 88% من الناتج المحلي مقابل معدل ديون متوقع بـ92.2% خلال العام الحالي، ومن المتوقع أن يشهد العام 2024/2025 ارتفاعا في مدفوعات فوائد الديون بقرابة 63.8% على أساس سنوي لتصل إلى 1.8 تريليون جنيه. 

لقطة من داخل أحد المصانع المصرية

تفاؤل يبنى عليه 

أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور بلال شعيب أن تقييمات وكالات التصنيف الائتماني الشهيرة، مثل موديز وفيتش، لا يجب أن يجري التعامل معها كمسلمات، لكن تبني هذه المؤسسات نبرة أكثر تفاؤلا حيال الاقتصاد المصري يمكن أن يبنى عليه من أجل الخروج من الأزمة بشكل يضمن عدم تكرارها، من خلال جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتسريع وتيرة برنامج الطروحات وذلك جنبا إلى جنب مع ضرورة العمل على توفير كافة الحوافز لنمو الاقتصاد الحقيقي وتحديدا قطاعات مثل الصناعة والزراعة والقطاعات التصديرية عموما على نحو يضمن تعزيز احتياطي النقد الأجنبي بصورة أكثر استدامة. 
خلال أبريل الماضي ارتفاع صافي احتياطيات النقد الأجنبي لدى الدولة إلى 41.06 مليار دولار، بزيادة بنحو 696 مليون دولار، مقارنة بمعدلات مارس عندما ارتفع بأكثر من 5 مليارات دولار ليسجل 40.36 مليار دولار من مستوى 35.31 مليار دولار بنهاية فبراير، وذلك بتأثير مباشر من تدفقات صفقة رأس الحكمة إذ حصلت مصر خلال مارس على دفعة مباشرة بقيمة 10 مليارات دولار. 
قبل أيام، عندما أعلنت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تعديل نظرتها للاقتصاد المصري إلى إيجابية، أبقت على تصنيف مصر عند الدرجة "-B" دون تغيير، في مؤشر على استمرار المخاطر المتعلقة بالقدرة على تحمل أعباء الديون ومخاطر التمويل الخارجي، وقالت في تقريرها إن هذا المخاطر تراجعت على المدى القريب فقط بسبب صفقة رأس الحكمة، متوقعة أن يرتفع إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي لدى الدولة بمقدار 16.2 مليار دولار خلال العام المالي الحالي لتصل إلى 49.7 مليار دولار. 
فيما رهنت وكالة ستاندرد آند بورز في مارس الماضي رفع تصنيف مصر الائتماني باستمرار تحسن أوضاع المالية العامة أو الدين الخارجي عبر تقليص مستويات الديون أو النجاح في رفع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تسريع وتيرة تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية. 
 

search