الخميس، 10 أكتوبر 2024

07:04 ص

"جامع خردة" يصارع العوز بـ"المغناطيس": "يا رب ستر" (فيديو)

محمد عبد الرحيم جامع خردة يجمع رزقه من الأرض

محمد عبد الرحيم جامع خردة يجمع رزقه من الأرض

يجر قدميه ببطء يليق بموجة حارة.. يسحب حبلًا بيده في نهايته مغناطيس بالٍ يجذب ما في الأرض من أجسام معدنية "مسمارًا خرِب - حديد صدئ - سلك متآكل".. يقطع الشارع تلو الآخر ويراقب بمدى عينيه بساط الأرض مصدر رزقه وأمله الوحيد في "قوت يومه".. 

في اليد الأخرى يحمل كيسًا بلاستيكيًا مقوى.. يضع فيه ما يجمعه من المغناطيس، فينحني في الدقيقة الواحدة مرة أو اثنتين، ليفٌك المعدن من القطعة الجاذبة ويلقها بداخل الكيس. 

محمد عبد الرحيم جامع الخردة أثناء البحث عن رزقه

هذا المشهد في أحد الشوارع الجانبية بحي فيصل التابع لمحافظة الجيزة، وبطله خمسيني يدعى محمد عبد الرحيم، جار عليه الزمن بعد أن كبر سنه وضعف حاله وأصابه المرض فأقعده عن صنعته التي لا يعرف سواها، دون غطاء مالي يكفيه أو دخل ثابت يحييه: "لا ليا معاش ولا ضمان اجتماعي أو صحي.. خايف اروح اكشف يكتبوا لي أشعة ولا تحاليل ولا علاج، أجيب منين؟!".

كان يعمل حدادًا في ورشة بالكونيسة إحدى قرى حي العمرانية التابع لمحافظة الجيزة، بعدما قدِم من محافظة سوهاج جنوب الصعيد، قبل عشرات السنوات واستقر في القاهرة.

8 ساعات يقضيها بين الشوارع من أجل عشرات الجنيهات

رغم أنه لم يجد أمامه سوى "لم الحديد الخُردة" من الشوارع، فإن عزة نفسه منعته من الظهور بوجهه أمام كاميرا "تليجراف مصر"، رافضًا: "أنا من عيلة معروفة في سوهاج.. كلها أكابر بس إحنا الجزء اللي معدوم ماديا.. وأنا والله مكسوف وأنا طالع أجمع خردة.. بس دا قدري وأنا راضي الحمد لله". 

3 مرات أسبوعيًا على الأقل يخرج فيها صاحب الـ53 عامًا، من العاشرة صباحًا في رحلة عمل يقطعها من مكان سكنه وحتى تحط قدماه بشوارع فيصل والهرم، ولا يعود إلى منزله قبل أن يجمع من 7 لـ8 كيلوجرامات من "الحديد الخردة": "ببيع الكيلو بـ10 جنيه.. علشان اقدر اجمّع أكلتي أنا ومراتي".

المغناطيس وسيلته للقمة العيش

80 جنيهًا أو أقل حصيلة عمل يوم حتى الخامسة مساءً لا تمنعه من العوز، وبالكاد تكفي مأكله ومشربه وهو زوجته التي تقاسمه المعيشة في شقة إيجار ليس بها سوى مرتبة سرير واحدة مهترئة، بحسب ما يقول. 

يرى "محمد" عيبًا وحرجًا في الحديث عن شكل منزله، إذ ينام على الأرض وزوجته على السرير الوحيد في شقته دون أي أثاث آخر: "الحاجات عندنا مبهدلة ومتقطعة.. شوفت الجلابية لما تتقطع وتخيط فيها لحد ما تتهري بيبقى كدا".

يجمع ما  يلتقطع المغناطيس

يقطن "محمد" في شقة إيجارها 500 جنيه شهريًا، غير أن ديونه لشركة الكهرباء أكثر ما يؤرقه: "مديون بـ7 آلاف جنيه علشان ماكنش معايا اسدد الفواتير.. جم شالوا العداد القديم وحطوا لي العداد اللي بكارت (مسبق الدفع)، يعني لو مش معايا الـ20 جنيه بقعد في الضلمة". 

"محمد" يأمل أن يكون تحت مظلة برنامج "تكافل وكرامة"، للحصول على معاش يؤمن يومه من غير الجوع والعوز، أو أن يحصل على معاش بيت الزكاة. 

محمد عبد الرحيم، واحد من ضمن 32.5% من المصريين في معدل الفقر، بحسب البنك الدولي لعام 2022،  لا يعرف -وفقًا لقوله- طعم اللحم سوى مرة أو مرتين في العام خلال أضحيات عيد الأضحى المبارك: "أنا مش بشوف اللحمة إلا في العيد لما الناس بيدبحوا ويدوني.. غير كدا ببصلها وببقى عايز اتصور جنبها.. إنما أكلنا فول، طعمية، جنبة قديمة، بنتجان، جبنة قريش.. الحاجات اللي على قد الإيد".

وخط الفقر الذي قدّره البنك الدولي عند  2.15 دولار (104 جنيهات) في اليوم، وفي 2017، كان هناك ما يقل قليلاً عن 700 مليون شخص في حالة فقر مدقع على مستوى العالم.

أقصى ما يتمناه "محمد" أن "يعيش مستورا"، مع سداد ديونه لشركة الكهرباء.

search