الأربعاء، 30 أبريل 2025

04:16 م

مصر تظهر العين الحمراء..

المنطقة تعيش حالة توتر غير مسبوقة، وطبول الحرب تدق في كل مكان، وتتغول إسرائيل يومياً على دول عربية منها لبنان وسوريا، فضلاً عما ترتكبه من مجازر تصل إلى درجة الإبادة الجماعية بحق شعب أعزل في غزة!

ووسط هذا الوضع المعقد، تتجه الأنظار دائماً إلى مصر، فمهما بلغت الصعوبات الاقتصادية، والظروف المعيشية لأسباب خارجية وداخلية، تظل بلادنا هي رمانة الميزان، وأمل كل يائس..

مصر - شاء من شاء وأبى من أبى- هي الرقم الأهم في هذه المنطقة، مع قوى أخرى لا يمكن إنكار دورها وتأثيرها، لكن حين تشتد الخطوب، وتتعقد الأوضاع، تبرز قيمة بلادنا، ويكفي أنها كانت الطرف صاحب الصوت الواضح والمسموع حين طرحت خطة ترامب ونتنياهو لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة.

عوامل قوة مصر لا يمكن أن تقاس بالمال، أو الثراء والفقر، إذ تملك ما يحلم به الآخرون، ويصعب عليهم تحقيقه، بداية بجيشها القوي العصري الوطني المتماسك، الذي تحرص القيادة السياسية على تحديثه تقنياً وبشرياً بشكل مستمر، وفي وقت كان بعض فاقدي الأهلية والإدراك يتحدثون عن جدوى التسليح خلال السنوات الماضية..

مصر تملك الجيش العربي الوطني الذي يتمتع بعقيدة راسخة على مر التاريخ، ويضم جميع فئات وطبقات الشعب، دون انتماءات طائفية أو دينية، وهذا أمر لو تعلمون عظيم، بالنظر إلى ما تعرضت له جيوش عربية أخرى من تفكيك وتشرذم وطائفية وانقسام، حتى تحولت إلى شوكة في أظهر أوطانها..

وبقراءة متأنية لتقارير نشرت في وسائل إعلام إسرائيلية ندرك حجم المخاوف هناك من الجيش المصري، والبنية العسكرية المصرية في سيناء.

ومن الوارد جداً أن تكون هذه التقارير جزءاً من استراتيجية إسرائيلية لإبعاد الأنظار عما ترتكبه من مجازر في غزة، خصوصاً وأن مصر لم تخرق أي من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، بل على العكس، حدثت معظم الخروقات من جانبهم، لكن لا يخفى على أحد أن إسرائيل تضع اعتبارات كبيرة لقوة جيشنا، وقدرته على الردع بعنف وصلابة، وأن تجاوزاتها ضد دول أخرى، لا يمكن أن تحدث معنا!

أما العامل الثاني الذي لا يقل أهمية، فهو الشعب المصري الذي يثبت دائماً أنه أهل للمسؤولية حين يتعلق الأمر بأمن بلاده وكرامتها ودورها التاريخي والجغرافي!

من نعم المولى عز وجل على مصر، أنها بالرغم من امتلاكها الكتلة السكانية الأكبر بين كل دول المنطقة، إلا أن شعبها من طينة واحدة..

114 مليون نسمة يحملون نفس الملامح والجذور، لا يوجد بينهم طوائف أو إثنيات تنغص عليهم وحدتهم أو تشوه تركيبتهم الفريدة، وهذا ما حمى بلادنا حين هبت رياح التغيير في عام 2011، فعلى عكس غيرنا توحدنا جميعاً والتففنا حول جيشنا، فتجاوزنا مخاطر التقسيم والفرقة.

مصر بشعبها الكبير صعبة، بل مستحيلة الهضم، وإسرائيل تدرك ذلك جيداً، وما حدث خلال الفترة الأخيرة يثبت أن التصرف بوعي وحكمة لا يعني ضعفاً، بل ثقة في قوة وصلابة وتماسك البيت من الداخل، وامتلاك جيش قادر على إظهار العين الحمراء حين يجب ذلك..

العامل الثالث في هذه المعادلة المهمة، هو مكانة مصر خارجياً، ويترجم ذلك في زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، فالرجل قدم إلى بلادنا بأجندة متنوعة في توقيت بالغ الأهمية والحساسية، ما يؤكد ثقة المجتمع الدولي في دور مصر المحوري، وقدرتها على إرساء السلام، إذا توفر لها الدعم والمساندة اللازمين لاحتواء التوتر في المنطقة الملتهبة.

العالم بشكل عام يمر بمنعطف بالغ الخطورة، فلا أحد يمكنه التنبؤ الآن بقرارات واتجاهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يظن أنه يمسك جميع خيوط اللعبة، ويتجرأ على الكبير والصغير، ويعتقد ان بإمكانه التحكم في مصائر الدول والشعوب، لذا تظل هناك حاجة ملحة للتقارب بين القوى التي قد تدفعها الظروف إلى الوقوف سوياً في المعسكر المقابل..

القيادة السياسية في مصر تناور بشكل رائع، فتظهر صلابة بالغة في المواقف التي لا تحتمل اللين، وتتصرف بمرونة إزاء المقترحات التي تتسق مع رؤيتها، متحصنة دون شك بظهير شعبي أمين، وكلنا ثقة في مدى نزاهة موقفنا وحرصنا على حقوق الشعب الفلسطيني، وهذه هي مصر بكل ما يحتمله اسمها من عزة وكرامة وشجاعة..

search