الأربعاء، 30 أبريل 2025

07:21 ص

شيرين وحيد
A A

بعض الأماكن.. لا نغادرها حقًا

هناك مقاعد على أطراف الطرقات، جلسنا عليها يومًا وانتظرنا أحلامنا. مقاهٍ صغيرة خبأت أسرارنا في زواياها، وشرفات قديمة شهدت أول انكساراتنا.

نظن أننا نكبر ونبتعد، نحزم ذكرياتنا في حقائب السفر ونغادر، لكن الحقيقة أننا نظل عالقين هناك، في زاوية من الطريق، في ركن مقهى، في شرفة لم تُغلق نافذتها بعد.

كلما مررنا مصادفة… يعود كل شيء.

صوت ضحكة تائهة. لمعة حلم كدنا نلمسه بأطراف أصابعنا. يد صديقة قديمة كانت تطمئننا دون كلام.

الأماكن لا تصدأ وحدها… تصدأ ببطء حين ننساها.

تصبح أقل وضوحًا، لكنها لا تموت. تبقى تنادينا بصوتٍ خافت لا يسمعه سوانا، كأنها تقول: “مرّوا بنا مرة أخرى.. ولو بنظرة”.

في أحد الأيام، وجدت نفسي أعود إلى زقاق قديم كنت أمرّ به كل صباح وأنا أهرول للحاق بالحياة.
كل شيء كان يبدو أصغر مما أتذكّره.

المتجر الصغير أغلق أبوابه. العمّ عبد الله الذي كان يلوّح لي اختفى، وصوت العصافير بدا أقل حدة.

لكن الزقاق.. الزقاق ما زال يحمل خطاي القديمة كأنها لم تغادره.

جلست على رصيف الزمن، أراقب الغياب وأتلمس أطياف الذين كنّا هم ولم نعدهم.
تساءلت: متى يكبر الحنين معنا؟ متى يتحول من دفءٍ بسيط إلى وخز لا يُشفى؟

بعض الأماكن ليست مجرد حجر وتراب.. 

هي صناديق ودائعنا السرية، نضع فيها ضحكة مرّت من القلب، دمعات لم تجد لها حضنًا، حكايات لم تكتمل.

لهذا.. حين نعود، لا نجد فقط أطيافنا.

نجد وجعنا الطفولي، شغفنا الأول، وخيباتنا الصغيرة التي ما زالت تتربص بنا خلف باب قديم نصف مغلق.

ربما لهذا السبب، كلما كبرنا، نبحث عن ركنٍ قديم.. عن رائحة خبز في الصباح، عن جدران تشبه ماضينا. لأننا ندرك، وإن تأخر الفهم، أننا لا نغادر الأماكن أبدًا. 

نحن فقط نحاول أن نعتاد على غياب أنفسنا عنها.

search