
بعض الأماكن.. لا نغادرها حقًا
هناك مقاعد على أطراف الطرقات، جلسنا عليها يومًا وانتظرنا أحلامنا. مقاهٍ صغيرة خبأت أسرارنا في زواياها، وشرفات قديمة شهدت أول انكساراتنا.
نظن أننا نكبر ونبتعد، نحزم ذكرياتنا في حقائب السفر ونغادر، لكن الحقيقة أننا نظل عالقين هناك، في زاوية من الطريق، في ركن مقهى، في شرفة لم تُغلق نافذتها بعد.
كلما مررنا مصادفة… يعود كل شيء.
صوت ضحكة تائهة. لمعة حلم كدنا نلمسه بأطراف أصابعنا. يد صديقة قديمة كانت تطمئننا دون كلام.
الأماكن لا تصدأ وحدها… تصدأ ببطء حين ننساها.
تصبح أقل وضوحًا، لكنها لا تموت. تبقى تنادينا بصوتٍ خافت لا يسمعه سوانا، كأنها تقول: “مرّوا بنا مرة أخرى.. ولو بنظرة”.
في أحد الأيام، وجدت نفسي أعود إلى زقاق قديم كنت أمرّ به كل صباح وأنا أهرول للحاق بالحياة.
كل شيء كان يبدو أصغر مما أتذكّره.
المتجر الصغير أغلق أبوابه. العمّ عبد الله الذي كان يلوّح لي اختفى، وصوت العصافير بدا أقل حدة.
لكن الزقاق.. الزقاق ما زال يحمل خطاي القديمة كأنها لم تغادره.
جلست على رصيف الزمن، أراقب الغياب وأتلمس أطياف الذين كنّا هم ولم نعدهم.
تساءلت: متى يكبر الحنين معنا؟ متى يتحول من دفءٍ بسيط إلى وخز لا يُشفى؟
بعض الأماكن ليست مجرد حجر وتراب..
هي صناديق ودائعنا السرية، نضع فيها ضحكة مرّت من القلب، دمعات لم تجد لها حضنًا، حكايات لم تكتمل.
لهذا.. حين نعود، لا نجد فقط أطيافنا.
نجد وجعنا الطفولي، شغفنا الأول، وخيباتنا الصغيرة التي ما زالت تتربص بنا خلف باب قديم نصف مغلق.
ربما لهذا السبب، كلما كبرنا، نبحث عن ركنٍ قديم.. عن رائحة خبز في الصباح، عن جدران تشبه ماضينا. لأننا ندرك، وإن تأخر الفهم، أننا لا نغادر الأماكن أبدًا.
نحن فقط نحاول أن نعتاد على غياب أنفسنا عنها.

الأكثر قراءة
-
بسبب مشاجرة.. القبض على البلوجر "أم مكة" في أكتوبر
-
موعد لجنة التسعير المقبل 2025.. هل ترفع الحكومة أسعار الوقود مجددًا؟
-
محامية ابنة مبارك المزعومة تتبنى روايتها: أسرة قاسية تولت تربيتها
-
تحذيرات الأب ومكالمة تليفون.. التحريات تكشف كواليس جريمة "فتاة الشرقية"
-
قبل الصمت الانتخابي.. عمر الأصمعي يوحّد صفوف سوهاج ويقترب من قبة الشيوخ
-
ظهور إخواني مفاجئ.. من هم أئمة تل أبيب؟
-
"خمسة وراجع لك".. بائع طُرح يفقد ملامحه على يد "ديلر" بعين شمس
-
"وفاة شاب وانفجار مروع ".. ماذا حدث ليلًا في حفل محمد رمضان؟

مقالات ذات صلة
حين تتحول العلاقة إلى عبء ثقيل
26 يوليو 2025 02:09 م
حين تتحول العلاقة إلى ساحة حرب نفسية.. كيف تحمي عقلك؟
22 يوليو 2025 03:02 م
فضل شاكر يعود إلى أسئلته القديمة الجارحة
14 يوليو 2025 04:57 م
لحظة إعلامية مرتبكة.. هل أجادت مها الصغير فن الاعتذار؟
08 يوليو 2025 02:53 م
"مليش بديل" عمرو دياب.. نشيد عاطفي لي ولك
05 يوليو 2025 04:15 م
حين تمنحنا الحياة فرصة ثانية
01 يوليو 2025 07:54 م
حكاية الطيور المهاجرة.. حين تعود روايات السماء
28 يونيو 2025 03:23 م
هناك أماكن لا نغادرها أبدًا.. حتى لو تركناها خلفنا
21 يونيو 2025 08:49 م
أكثر الكلمات انتشاراً