 
                                    هناك أماكن لا نغادرها أبدًا.. حتى لو تركناها خلفنا
كان كل شيء في مكانه
الباب الخشبي الثقيل
مقابض النوافذ القديمة
الستائر التي لم تتحرّك منذ آخر مرة أغلقت فيها النافذة
حتى الغبار، بدا وكأنه متفق على أن يحتفظ بالشكل كما كان
لكنها لم تكن كما كانت
دخلت البيت بعد غياب سنوات
توقّفت عند كل غرفة
لم يكن الغياب طويلًا، لكن الزمن كان قاسيًا
لم يكن المكان فارغًا
بل كان ممتلئًا بكل شيء إلا الحياة
تقدّمت نحو غرفة المعيشة
الغرفة التي احتضنت أعوامًا من الضحك والمشاحنات العائلية والمناسبات
جلست على طرف الكرسي القديم الذي خُلع منه جزء من القماش
ولمست الخشب الذي اعتاد والدها أن يضع يده عليه كل مساء وهو يشرب الشاي
كل شيء هنا ينتمي لزمن لم تعد تنتمي له هي
في المطبخ
وجدت المقلاة القديمة ما زالت هناك
تذكّرت صباحات الجمعة
والخبز المحمّص
ورائحة البيض التي كانت تفوح في أركان المطبخ
تذكّرت وجه أمها، ضحكتها، لمساتها
وتساءلت فجأة
هل تُخزّن الجدران روائح الذكريات؟
كل خطوة كانت استدعاء لحكاية
كل كرسي، كل درج، كل ظل
يحمل أثرًا من طفولتها أو مراهقتها أو لحظة بكاء سرّي لم يلاحظها أحد فيه
كانت تُحب هذا المكان
لكنها لم تعد تعرف إن كانت تنتمي له
أم أنها فقط تنتمي لنسخة قديمة من نفسها كانت تعيش فيه
البيوت لا تتغير
نحن من نبتعد ثم نعود فنكتشف أننا صرنا غرباء فيها
الحنين خدعة ناعمة
يوهمنا أننا سنجد أنفسنا حيث بدأنا
لكن الحقيقة أننا لا نجد إلا بقايا
وبعض الدفء
وقليل من الألم الذي نتنفسه بهدوء
توقفت أمام المرآة المعلقة في الممر
نظرت في عينيها
وقالت في سرّها
“أنا لا أشتاق للمكان… بل أشتاق لمن كنتُ فيه"
لكن الذكريات لا تكفي لتعيد الدفء
ولا تعيد الأشخاص الذين سكنوا هذا المكان
كان البيت قديمًا مزدحمًا بالضحك
بالمشاحنات الصغيرة
بصوت التلفاز الذي لا يُغلق
بصوت أبوها وهو يناديها لتساعده
وأمها وهي تُحضر الشاي وتنتقد كل شيء ثم تبتسم
تجولت في البيت كأنها تمشي في متحف لحياتها
كل شيء جامد
لكنه ناطق
كل ركن فيه صدى
كل ظل فيه أثر
وكل حجر فيه دفء ماضيها
أدركت فجأة أن البيوت لا تنكسر
بل قلوب أصحابها هي التي تفعل
وأن الأماكن لا تفقد روحها إلا حين نكفّ عن زيارتها
أخذت نفسًا عميقًا
وفتحت النوافذ
دخل ضوء الشمس ببطء
كأنّه خائف أن يوقظ شيئًا نائمًا منذ سنين
تأملت الغبار المعلق في الهواء
ورأت فيه تفاصيل عمر
وأحبت رغم الألم أنها عادت
لأن العودة أحيانًا لا تشفي
لكنها تفسّر
فالبيت الذي أحببناه
ليس هو الجدران
بل هو من كنّا فيه
هو من كانوا معنا
هو نحن
حين كنا أبسط وأنقى
وأقرب للحياة .
 
        الأكثر قراءة
- 
                استغرق تنفيذه 16 شهرًا، مسؤول إضاءة معروضات المتحف المصري الكبير يروي تفاصيل المشروع العملاق
- 
                مجانًا بالذكاء الاصطناعي، كيف تحول صورتك لملك فرعوني للاحتفاء بافتتاح المتحف المصري الكبير؟
- 
                تنبيه عاجل من كهرباء مصر العليا بشأن خدمة الشحن المسبق
- 
                تعليم الأقصر تتابع تطبيق البرنامج القومي لتنمية مهارات اللغة العربية
- 
                من الشرع إلى محمود شعبان.. كم رجل اعتلاكي؟!
- 
                رحمة محسن بعد أزمة الفيديوهات: "الكل عمل معايا الواجب ومش محتاجة مساعدة" (خاص)
- 
                "معرفش يوقعها".. محامي رحمة محسن يكشف ما وراء "الفيديو المسرب"
- 
                بالتزامن مع افتتاح المتحف الكبير.. "تليجراف مصر" تطلق مبادرة "5 ملايين صورة لكل شبر في مصر"
 
        مقالات ذات صلة
على مقعد الغياب
18 أكتوبر 2025 03:04 م
لم يكن لقاءً عابرًا
28 سبتمبر 2025 06:08 م
حين يؤجلنا القدر عن الوصول
21 سبتمبر 2025 06:57 م
حين يُثبت المجهولون أن الخير لا يموت
14 سبتمبر 2025 02:52 م
الانفصال الصامت.. وجع وموت بطيء
06 سبتمبر 2025 02:51 م
تحت حصار الجوع.. حكاية أم من خان يونس
01 سبتمبر 2025 03:05 م
ابتسامة معلّقة على صورة قديمة
31 أغسطس 2025 12:28 م
الحب في زمن الكلينكس.. مشاعر للاستعمال مرة واحدة
22 أغسطس 2025 01:43 م
أكثر الكلمات انتشاراً
 
                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
 
