“الشيفت” اختراع فرعوني.. المصريون القدماء أول من حاربوا كسل العمال
لم يكن العمل في مصر القديمة مجرد وسيلة للرزق، بل كان قيمة أساسية من قيم المجتمع، ومصدر فخر واعتزاز لكل من يؤديه بإتقان، فلم تُبنَ حضارة مصر القديمة على أكتاف ملوكها فقط، بل كانت ثمرة جهود جماعية لمجتمع كامل، آمن بقيمة العمل ومارسها كرسالة حياة.
وقد أولى المصري القديم، أهمية كبرى للعمل، واعتبره عنصرًا أساسيًا لبناء وطنه ونهضته، لذلك جاءت الكثير من النصوص المصرية القديمة لتؤكد أهمية العمل والإتقان فيه، وتحث على الكد والسعي وتُدين الكسل والتراخي، إذ كانت الثقافة المصرية القديمة تمجد العامل المجتهد وتربط بين العمل وبين نيل الجزاء في الدنيا والآخرة، بحسب تقرير نشرته BBC.
أقدم وثائق الحقوق العمالية في التاريخ
كشفت النصوص القديمة، اهتمام الدولة المصرية القديمة بحقوق العمال، وتوثيقها لما يتعلق بظروف عملهم، وأجورهم، بل حتى احتجاجاتهم.
ومن أبرز هذه الوثائق ما عُرف ببردية “دير المدينة”، التي تعود إلى عصر الدولة الحديثة، والتي تضمنت تفاصيل عن تنظيم حياة العمال، وساعات عملهم، وتوزيع حصص الغذاء عليهم، كما أنها سجلت أول احتجاج عمالي في التاريخ، عندما أضرب العمال عن العمل احتجاجًا على تأخر صرف أجورهم، ورفعوا مطالبهم إلى كبار الموظفين، الذين استجابوا لهم، مما يعكس وعيًا مبكرًا لدى الدولة المصرية بأهمية حفظ حقوق العامل وتحقيق العدالة له.
حياة العمال داخل النظام الطبقي المصري
عرف المجتمع المصري القديم، النظام الطبقي، وكانت طبقة العمال والحرفيين تمثل قطاعًا مهمًا في البنية الاجتماعية والاقتصادية، وقد نال العامل المصري مكانة خاصة لدى الدولة، فوفرت له مسكنًا مناسبًا داخل مناطق العمل، وأجورًا تُصرف عينيًا في صورة مواد غذائية وكساء.
وأظهرت نقوش من عصر رمسيس الثاني، تفاصيل دقيقة عن طبيعة الأجور التي كان يتقاضاها العامل المصري، والتي تضمنت مواد أساسية مثل القمح، البصل، الثوم، الأسماك، والملابس، كما أُشير إلى أن العمال كانوا يحصلون على أدوات النظافة، مما يكشف عن مستوى متقدم من الرعاية الشخصية والصحية.
تكريم العامل من كبار المسؤولين والملوك
لم يكن العامل في مصر القديمة مجرد تابع ينفذ الأوامر، بل كان شخصية محترمة تحظى بتقدير الدولة والمجتمع.
ومن الشواهد على ذلك، ما ورد في نص يعود إلى الأسرة الرابعة، ذكر فيه أحد كبار مسؤولي الدولة ويدعى “منى”، أنه كافأ العمال الذين بنوا مقبرته، وخصص لهم عطايا جزيلة، كما كان الملك أمنحتب الأول أول من أنشأ طائفة الفنانين والعمال الخاصة بدير المدينة، تلك الطائفة التي عاشت في منازل منظمة تحت إشراف الدولة، وتم توفير كل احتياجاتهم من الغذاء والشراب، فيما عُرف بـ”الجرايات” الشهرية.
نظام محاسبة صارم وسجل للغياب والأعذار
تميز نظام العمل في مصر القديمة بالانضباط والرقابة، وكان هناك نظام دقيق لتسجيل الحضور والغياب، وهو ما كشفته ألواح الأوستراكا (أجزاء الفخار)، التي دُوّن عليها أسماء المتغيبين وأسباب غيابهم، والغريب أن تلك الأسباب كانت تسجل بكل دقة، ومنها: “المرض، وتقديم القرابين للآلهة، والوفاة في الأسرة، أو حتى أن زوجته في حالة غضب”، هذا النظام يعكس وجود إدارة دقيقة تهتم بتنظيم العمل، ولكن دون تعسف، بل بتفهم لظروف الإنسان العامل.
أقدم ثورات عمالية ضد الظلم والفساد
سجل التاريخ المصري القديم، أولى الثورات الاجتماعية، التي اندلعت في أواخر عهد الملك بيبي الثاني في نهاية الأسرة السادسة، عندما تفككت السلطة المركزية، وانهار النظام الاجتماعي، فثار العمال والفلاحون على الفساد وغياب العدالة.
وأوردت بردية “إيبوور” مشاهد مرعبة من تلك الحقبة، إذ وصفت كيف انتقلت السلطة من يد الأغنياء إلى الفقراء، وخرج الناس على حكامهم، كما شهد عهد رمسيس الثالث أول حركة إضراب منظمة في التاريخ، عندما تأخرت الدولة في صرف الحصص الغذائية للعمال، فخرجوا إلى الشوارع ورفضوا العودة إلى العمل حتى تُلبى مطالبهم، وقد استجابت لهم السلطة، وقامت بمعاقبة الفاسدين المسؤولين عن تأخير الأجور.
بناة الأهرام.. عمال مهرة لا عبيد
دحضت الاكتشافات الأثرية الحديثة، نظرية أن الأهرام بُنيت بأيدٍ من العبيد أو من قبل كائنات فضائية، وأكدت أن المصريين أنفسهم هم من بنوا هذه المعجزات المعمارية، فقد كشفت المقابر القريبة من هضبة الجيزة مدافن خاصة للعمال الذين شاركوا في بناء الأهرامات، وأظهرت أن هؤلاء العمال كانوا مهرة، ويحصلون على كامل حقوقهم، ويحظون بالتقدير والاحترام.
وأظهرت النقوش في مقبرة الوزير “رخمي رع” رسومًا تفصيلية توضح كيفية نقل الأحجار، والتي اعتمدت على وسائل تقليدية مثل الزلاجات والمنحدرات والحبال، مع تسخين الطرق وسكب المياه لتسهيل انزلاق الكتل.
الدفن إلى جوار الملوك.. شرف الخلود للعامل
عثر في المناطق المحيطة بالأهرامات على جبّانتين لعمال البناء، إحداهما عليا، خصصت لكبار الكتبة والحرفيين، والأخرى سفلى للعمال المسؤولين عن نقل الأحجار، ويعكس هذا التقسيم نوعًا من التنظيم الاجتماعي والتكريم في آن واحد.
كما كشفت الحفائر، وجود بقايا خبز وأسماك مجففة وجرار مياه ومخازن طعام، مما يدل على أن العمال لم يكونوا يعاملون معاملة العبيد، بل كانوا يعيشون حياة مستقرة نسبيًا، تؤمن فيها احتياجاتهم الأساسية.
نظام التناوب والرعاية الصحية
اتبعت الدولة المصرية، نظام التناوب في العمل، إذ كان العمال يُرسلون في حملات كل ثلاثة أشهر، ليعودوا بعدها إلى أراضيهم للزراعة، مما حافظ على التوازن بين الزراعة والعمارة. كما كشفت الدراسات الأثرية، وجود دلائل على تلقي العمال للعلاج، بل وإجراء عمليات جراحية بسيطة لعلاج كسور العظام، وهو ما يكشف عن وعي مبكر بأهمية الرعاية الصحية للعمال.
العمل عبادة ووعد بالجزاء الأخروي
ربط المصري القديم بين العمل والعبادة، واعتبر أن خدمة الملك، بوصفه ممثل الآلهة على الأرض، هي جزء من العبادة، كما آمن أن من يعمل بإخلاص في الدنيا، سينال الخلود والجزاء في الآخرة، ولذلك سعى كل عامل إلى أداء عمله بأمانة وإتقان، لا من أجل الأجر المادي فقط، بل رغبة في الرضا الإلهي والحياة الأبدية.
-
12:00 AMالفجْر
-
12:00 AMالشروق
-
12:00 AMالظُّهْر
-
12:00 AMالعَصر
-
12:00 AMالمَغرب
-
12:00 AMالعِشاء


أخبار ذات صلة
إجلاء 160 ألف شخص.. كيف اكتوت إسرائيل بنيران الحرائق؟
01 مايو 2025 11:34 م
مطروحة لحوار مجتمعي.. النص الكامل لمشروع قانون تعديلات الإيجار القديم
01 مايو 2025 04:27 م
هنا "مملكة التوت" بالغربية.. في كل شارع شجرة والبيع لأعلى سعر (صور)
01 مايو 2025 02:20 م
برج العرب واستاد الإسكندرية.. كنوز رياضية تجعل من "الكركوبة عروسة"
01 مايو 2025 10:38 ص
جدل برلماني حول "الإيجار القديم".. هل ورطت الحكومة نفسها؟
01 مايو 2025 04:00 ص
"كانت حياة ابني على المحك".. قصص مأساوية من قلب العتمة في إسبانيا
30 أبريل 2025 07:53 م
بدأت بـ"هاشتاج" وانتهت بمؤبد.. التسلسل الزمني لقضية "طفل دمنهور"
30 أبريل 2025 04:12 م
أسباب الحرب بين الهند وباكستان.. هجمات عسكرية بعد 24 ساعة
30 أبريل 2025 06:00 ص
أكثر الكلمات انتشاراً