بأي ذنب حُرمت؟.. حواء الصعيد تمشي على الأشواك للحصول على الميراث

صورة تعبيرية مصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي
أسامة جمال - روان عبدالباقي
منذ وفاة والدها، اعتادت السيدة الأربعينية، “زينب عبدالرحمن” (اسم مستعار) الذهاب يوميًا إلى مجمع محاكم طهطا بمحافظة سوهاج الذي يبعد عن مسكنها بنحو 15 كيلومترًا بحثًا عن حقها في ميراث والدها الذي استولى عليه شقيقها الأصغر.
وصية ظالمة
أوراق ومستندات تحملها زينب في حقيبتها السوداء، بجانب أتعاب المحامين، فتذهب بكل عزيمة وإصرار، وتعود بخيبة أمل ومشاعر يأس شديد بسبب صعوبة الإجراءات وتأجيل الجلسات، حسبما قالت.
"وصية ظالمة كتبها والدي قبل وفاته ملخصها البنات ملهومش ورث”، كلمات بدأت بها زينب حديثها لـ“تليجراف مصر”، مؤكدًة أن الأمر لم يتوقف عند الوصية إنما هو موروث ثقافي في الصعيد.
تحكي الأخت الكبرى، زينب حسن، أن والدهم فارق الحياة في 2022 وترك نحو 20 مليون جنيه ما بين أموال سائلة وأطيان وأملاك، كلها استحوذ عليها الشقيق الأصغر، لافتة إلى أن الأسرة مكونة من ثلاث بنات وولد، ووصل الأمر إلى أنه تعدى عليهن بالضرب وحرمهن حتى من دخول منزل والدهم، لمجرد مطالبتهن بحقوقهن، حسب قولها.
وبالاقتراب من موقف السيارات من الجهة المقابِلة لشريط السكة الحديد في سوهاج، اتجهت خطوات زينب وشقيقتيها نحو شارع المحكمة، حيث كُن في الطريق إلى مجمع محاكم طهطا، لاتخاذ أول إجراءاتهن القانونية ضد شقيقهن الأصغر، الذي قال لهن جملة فتحت أبوابًا من التساؤلات: “مين يعيش.. الحكومة يومها بسنة”.
بعد نحو عامين من هذا المشهد تقول زينب: "إحنا تعبنا من الجري في المحاكم من سنتين ومعملناش أي حاجة، وأخويا بيقول لنا لو المحكمة حكمت ليكم هيكون بعد 20 سنة.. نكون إحنا موتنا والموضوع اتنسى".

قصة زينب وأخواتها تعتبر الأقل مأساوية وسط "الجرائم التي تُرتكب يوميًا بسبب الميراث، فهناك أخ يقتل أخته وأولاد يقتلون والدهم، وقصص راح ضحيتها أشخاص أبرياء بسبب الطمع وسطوة التقاليد المجحفة.
إحصاءات منذ 2017
لا توجد إحصاءات رسمية صادرة عن الجهات الحكومية بشأن عدد القضايا أو الجرائم المرتكبة سنويًا بسبب الميراث، لكن وفق إحصائية صادرة من الدكتور علي عامر أستاذ القانون عام 2017، فإن عدد الجرائم التي ترتكب بسبب الميراث سنويًا تصل إلى 9600 جريمة، بخلاف 9500 قضية حجر على الأبوين والأشقاء لعدم تسليم الميراث.
ووفق تصريحات لمسؤولي وزارة العدل في عام 2017، بلغ متوسط أعداد القضايا التي تنظرها محاكم الأسرة يوميًا بين 400 و500 قضية، منها 40% يتم الفصل فيها، بينما يؤجل 60% منها، وهي النسبة الأكبر لاستكمال الأوراق، وتمثل 144 ألف قضية سنويًا من الإجمالي البالغ نحو 223 ألف قضية نزاع على الميراث.
وبحسب المسؤولين أنفسهم، فإن أغلب القضايا تتركز في محاكم الصعيد، وهو ما ذكرته زينب بأنه موروث ثقافي يقضي بعدم أحقية النساء في الميراث.
لم تقف الإحصاءات التي أعلنها مسؤولو وزراة العدل عن الحرمان من الميراث فقط، بل تطرقت إلى أن 35% منهن يتعرضن للإيذاء الجسدي بسبب النزاعات على الإرث، وهناك 15% يتعرضن للابتزاز المادي.
فجّرت الأرقام أيضًا مفاجأة بأن 50% من أولئك النساء يضطرن للتنازل عن الحقوق والميراث عبر الابتزاز المعنوي والخوف من استمرار الخلافات الأسرية وقطع الأرحام، وهذا ما حدث مع بعض الحالات الأخرى التي تواصلت معها “تليجراف مصر” في الصعيد.
رأي الأزهر والأوقاف
تقول مريم مصطفى (اسم استعاري)، إن شقيقها الوحيد استحوذ على نصيبها من ميراث والدهم وأعطاها نسبة ضئيلة جدًا مقارنة بحقها الشرعي وصفتها بـ“مراضية بسيطة”، ولم يكتفِ بذلك فقط بل جعلها توقّع على أوراق تثبت أنها أخذت حقها بالكامل، وفعلت ذلك مضطرةً حتى لا ينفِذ تهديده لها بمقاطعتها للأبد.
وتابعت: “في بلدنا مفيش بنت بتاخد حقها كامل إلا قليل جدًا، والأخ بيقول إن دي أملاك أبوه ومينفعش حد تاني ياخدها”، وفيه اللي بيلجأ للشيوخ من الأزهر ودار الإفتاء، على أمل أنهم يقدروا يقنعوا الشخص المستحوذ على الورث بالدلائل الشرعية".
يقول الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن قسمة الميراث فرض من وجه، وحق من وجه آخر، فالقسمة حسب الأنصبة المذكورة فرض، واستحقاق الوارث النصيبَ المقدّر حق له، وهكذا كل الواجبات فهي من جهة أخرى حقوق، حتى أركان الإسلام هي فرائض في جهتنا يلزمنا القيام بها ولا خيار لنا في تركها، وهي حقوق لله تعالى إن شاء حاسبنا على التقصير عنها، وإن شاء غفر لنا.

ويضيف: المواريث لم تشرّع بقانون ولكن بالقرآن الكريم، وما شُرِّع بالقرآن الإلهي لا يُغيّر بقانون بشري، ثم هناك فرق بين تنازل صاحب الحق عن حقه وبين إلزامه بذلك، ثم إن الصياغة التي وردت بها آيات المواريث أغلقت الباب أمام هذا الشطط الفكري؛ حيث جاءت قطعيّة في دلالتها ولم تترك مجالًا للاجتهاد فيها.
أمّا دار الإفتاء فقد حذّرت هي الأخرى من التأخر في توزيع تركة الميراث، مؤكدة حرمة منع الورثة من حقوقهم الشرعية، وأن كل وارث يستحق نصيبه من التركة فور تحقق موت المُوَرِّث، بعد خصم نفقة تجهيز المتوفى، وقضاء الديون، وإنفاذ الوصايا الموثقة.
وقالت إنه لا يجوز لأيٍّ من الورثة أن يمنع الباقين من الحصول على أنصبتهم أو يعطّل توزيع التركة دون عذر شرعي أو إذن من الورثة، مؤكدًا أن منع القسمة أو التأخير فيها بلا عذر يُعد محرمًا شرعًا، لافتة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ فَرَّ مِنْ مِيرَاثِ وَارِثِهِ، قَطَعَ اللهُ مِيرَاثَهُ مِنَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، رواه ابن ماجة.
الجلسات العرفية
لم تكن المحاكم والجهات الدينية المسؤولة عن الفتاوى هي الحل الوحيد أمام الباحثين عن ميراثهم، فهناك ما يسمى بالجلسات العرفية التي يجتمع فيها كبار الشيوخ بالقرية ويحاولون إعطاء الحقوق لأصحابها، حتى وإن كان جزءًا منها، وهذا ما حدث مع “ولاء عبدالله” (اسم مستعار).
ولاء حُرمت من نصيبها في ميراث زوجها بعد أن توفي وترك لها أربع بنات بينهم طفلة رضيعة، وقال لها أهل زوجها: “البنات إحنا هنربيهم، لكن مفيش ورث”.
ولجأ أهل ولاء إلى شيوخ البلد وعقدوا جلسة عرفية، أثمرت عن حصولها على 50% من حقها، وهذا بمثابة إنجاز في كثير من قرى مصر التي لا تعترف بتوريث السيدات أيًا كانت أوضاعهن، أو مدى حاجتهن الماسة للمال.
الجلسات العرفية تحتاج إلى وقفة، فهي ليست في بطء المحاكم وعلى الأقل تنجح في إقناع المستحوذ على الميراث بإعطاء الحقوق لأصحابها حتى إن لم تكن كلها “فنصف العمى ولا العمى كله”.
يقول أحد شيوخ الجلسات العرفية بمحافظة سوهاج - طلب عدم ذكر اسمه: "الجلسات العرفية وُلدت من رحم الأعراف الخاطئة التي توارثتها الأجيال الجديدة من الآباء والأجداد بأن البنات لا تُورث وإذا أخذت الفتاة ورثها تقطع صلة الرحم بها، ناهيك بالأمثال القديمة التي حلت محل الشرع والدين مثل: “واد ولدي ابن كبدي وواد بنتي ابن الجيران”.
وأضاف: "في الجلسة العرفية نحاول التفاوض على فكرة حصول البنات على حقوقهن، والبعض يقبل بنسبة ولو كانت بسيطة والبعض يوافق على إعطائها نصف حقها، وهناك حالات أيضًا رأينا فيها الأخت تتنازل عن حقها لشقيقها بالتراضي".
هل يوجد قصور تشريعي؟
وتعليقًا على مسألة توزيع الإرث بالتراضي، علّق الدكتور عباس شومان قائلًا: يجوز للوارث أن يتنازل عن نصيبه بالكامل لإخوته أو غيرهم، لكن هذا الحق له وحده، والاستدلال بهذا على إمكانية إجراء استفتاء، فإن توافق الناس على مساواة الرجل بالمرأة في الميراث كلام باطل يقينًا.
وعندما سألناه إذا كان هناك قصور تشريعي في القوانين المتعلقة بالمواريث، قال: بالطبع نحن بحاجة إلى تفعيل الشرع عبر القوانين، وعندما يكون هناك سرعة في الإجراءات ومدة التقاضي ستنتصر قوة أخذ الحقوق وتعود لأصحابها بدون جلسات أو مفاوضات.
النصوص القرآنية والقوانين
عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، النائب ضياء الدين داوود، رأى عكس ذلك تمامًا، وقال إن الأزمة ليست في التشريع بل في تطبيقه، وهناك نصوص قرآنية، لو طُبّقت بشكل سليم لن تجد تلك القضايا والخلافات.

وأضاف النائب أن العقوبات في القانون كافية ولا تحتاج إلى التشديد، مشيرًا إلى أن تغليظ القوانين أحيانًا يكون له تأثير عكسي، فمثلًا عندما تم تشديد عقوبات جرائم المخدرات ارتفعت أسعارها.
بينما طالبت المحامية رحاب التحيوي، بتغليظ عقوبة عدم تسليم الميراث، لافتة إلى أن هناك عددًا كبيرًا من الأشخاص يُحرمون من الميراث ولا يلجأون للقضاء، لذا يجب توعية المواطنين بأن من يطالب بحقه ليس بمذنب أمام الله أو القانون وإنما شخص يحاول الحصول على حقوقه الشرعية بموجب الشرع والقانون.

وتنص المادة 49 من قانون المواريث، على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من امتنع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعى من الميراث، أو حجب سندًا يؤكد نصيبًا لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين، وفي حالة العودة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة.
ولا تزال زينب، ومريم، وولاء، وغيرهن من الباحثات عن نصيبهن في الميراث متمسكات بمواصلة رحلتهن الشاقة سواء من خلال المحاكم أو الجلسات العرفية، على أمل الحصول على الحق الذي أباحه الله لهن وحرّمته عليهن العادات والتقاليد الخاطئة، فهل تنجح مساعيهم أم تنتصر عليهم العادات والتقاليد؟

أخبار ذات صلة
"لا للطرد".. نواب يرفضون قانون الإيجار القديم
19 مايو 2025 07:43 م
"اجتماع سري تحت المستشفى".. تفاصيل محاولة اغتيال محمد السنوار
19 مايو 2025 07:21 م
"إنقاذ أم مجاملة"؟.. إلغاء الهبوط يشعل الجدل بين نجوم الكرة المصرية
19 مايو 2025 02:07 م
حاربه بعدما أودى بحياة ابنه.. بايدن يصارع السرطان في خريف العمر
19 مايو 2025 11:43 ص
أكثر الكلمات انتشاراً