عن العواصف التي لا تقتلع الجذور
كثيرا ما نسأل أنفسنا، حين يختبر الحب بالخلاف، هل ينجو؟ هل الخلاف لا يلغي الحب؟ هل نحن نحب رغم الخصام؟ هل يعني الشجار نهاية العلاقة؟ أم أننا نختلف لكننا لا نتخلى؟
يظن الكثيرون أن الحب حصن ضد الخلاف، وأن العلاقات القوية لا تعرف الخصام. لكن التجربة تخبرنا بعكس ذلك. ما الذي يدور في داخل الرجل والمرأة حين تهبّ العاصفة ولا ينهار البناء؟ ما الذي يجعلهم يتمسكون بالحب رغم التعب والجروح التي لم تضمد بعد؟
في قلب الرجل غالبا ما يسكن صراع صامت، فهو لا يجيد التعبير لكنه يشعر بكل شيء، حين تتوتر العلاقة يتقلص داخله صوت الرجولة الصلبة ويعلو صوت الحذر من الخسارة. انسحابه أحيانا لا يعني برودا، بل ارتباكا. هو يريد أن يصلح لكن على طريقته، بصمته، بعمله، أو بتقديم شيء صغير يقول به: “أنا ما زلت هنا”.
أما المرأة فهي على الجهة الأخرى تعيش العاصفة بصوت أعلى. تتكلم أكثر حين تخاف. تهاجم أحيانا لأنها تخشى أن تهمل. في داخلها غابة مشاعر متشابكة يتصارع الحنين مع الغضب، الأمل مع الخيبة. لكنها رغم ذلك تبقى لأن قلبها لا يغادر بسهولة، ولأنها تعرف بحدس الأنثى أن الحب لا تتساقط أركانه عند أول زلزال...
الرجل قد يصمت وقد يحب، والمرأة قد تصرخ وهي تحب. الفرق في اللغة لا في الشعور. كل منهما يملك طريقته في حماية ما تبقى من الدفء ولو بدا في الظاهر أنهما يتباعدان.
فالقلوب التي تحب بصدق قد تشتبك وقد تصرخ، لكنها لا تدير ظهرها بسهولة. فلنغوص في عمق العلاقة بين الحب والخلاف ونكشف كيف يمكن أن نتخاصم دون أن ننسى أننا نحب. ليس في الحب ما يحمينا من الخلاف ولا في العناق ما يمنع الخصام. فالحب وإن كان أرق المشاعر لا يحصننا ضد العواصف، بل أحيانا هو ذاته ما يوقظ الزوابع الصغيرة في صدورنا. تلك التي تبدأ بكلمة وتكبر بصمت وتتفجر بحنين خائف من الفقد...
الناس تتوهم أن الحب يعني الاتفاق الدائم والابتسامة المتواصلة ونبرة الصوت الهادئة أبدا. لكن الحقيقة أن الحب لا يقاس بغياب الخصام، بل بقدرة العلاقة على النجاة منه.
الخصام ليس عدو الحب، بل قد يكون أحيانا دليله. مثلما تصطدم الأمواج بالشاطئ لتخبره بوجود البحر، يصطدم أيضا الحبيبان لا ليفترقا بل ليتعلما كيف يعبران عن الألم دون أن يلغيا الحب.
كم من علاقة انكسرت لأنها هربت من الخلاف. وظنت أن الانسحاب أرقى من النقاش وأن الصمت أجمل من المواجهة. بينما الحقيقة أن العلاقات لا تنضج إلا عبر الخلافات التي نختار أن نخوضها بشجاعة ونخرج منها بوعي أعمق.
تقول الدكتورة سو جونسون خبيرة علم النفس العاطفي "الناس لا يصرخون لأنهم يكرهون، بل لأنهم يريدون أن يُسمعوا"، فالخلاف أحيانا يكون صرخة خوف لا صرخة غضب...
إنها تلك اللحظة التي لا يقول فيها أحد "أنا أحبك"، لكنها تقال من خلال البقاء، من خلال عودة اليد إلى اليد بعد الخلاف، من خلال كلمة بسيطة في تفاصيل الحياة اليومية...
هكذا يتجدّد الحب لا بصوت عالٍ، بل بإصرار على ألا نغادر حتى حين لا نعرف كيف نبقى...
الأكثر قراءة
-
دعاء أول رجب 2026، فضل الشهر وأفضل الأدعية المستحبة
-
"مقبولة منك يا ضنايا"، رضوى الشربيني ترد على أحمد العوضي
-
مشاهدة مباراة ريال مدريد وإشبيلية في الدوري الإسباني
-
حكاية حب سمية الألفي والفيشاوي بدأت بـ"بوكيه ورد" وانتهت بـ"جواب صادم"
-
الإفتاء تعلن غدا أول أيام شهر رجب لعام 1447 هجريا
-
السبب مفاجأة، شقيق ناصر البرنس يشعل النيران بنفسه بعد أيام من افتتاح فرع زايد
-
بتهمة إفشاء الأسرار، والدة سفاح التجمع تقاضي صناع فيلم أحمد الفيشاوي (خاص)
-
كم يوم باق على سنة 2026، العد التنازلي بدأ
مقالات ذات صلة
"المنسحبة".. امرأة تحتفظ بمفاتيح ضعفها
19 ديسمبر 2025 08:29 ص
خرافة تبحث عن ضحية.. البشعة وبشاعة ما وصلنا إليه
12 ديسمبر 2025 08:20 ص
"المُز" الذي أوقعني في شرّ وسامته
05 ديسمبر 2025 09:36 ص
المسافة الخفية بين حاجات المرأة وطريقة فهم الرجل
28 نوفمبر 2025 08:14 ص
لما الكبير يتدخل لإيقاف المهازل
21 نوفمبر 2025 08:44 ص
امنحوا المتصابي فرصة أخرى للحاق بالحياة
14 نوفمبر 2025 08:30 ص
العطاء الذي لا يُقابله شيء
07 نوفمبر 2025 08:01 ص
إعادة الاعتبار للتناحة الزوجية: دفاعا عن الصمت والتجاهل
31 أكتوبر 2025 08:12 ص
أكثر الكلمات انتشاراً