أغنية ووصية.. "مواويل الوداع" رفيقة الحجاج إلى بلاد الحرمين
رحلات الحجاج
في الأزمنة التي سبقت وسائل النقل الحديثة، لم تكن رحلة الحج مجرد سفر، بل مغامرة روحانية محفوفة بالخطر، إذ كانت القوافل تعبر الصحارى على ظهور الجمال، قادمة من بلاد الشام والمغرب العربي ومصر، باتجاه الحرمين الشريفين.
رحلة طويلة وشاقة، لكنها تتضاءل أمام شوقٍ هائل لزيارة بيت الله الحرام، ذلك الحنين الذي ما إن يشتد حتى ينفلت من الألسن على هيئة أناشيد تهز القلوب: "لبيك اللهم لبيك".
لم يكن الغناء ترفًا في تلك الرحلة، بل صار وسيلة تعبير عن الفرح والرهبة، عن الفقد المحتمل والأمل الكبير، هكذا، ولدت أغاني الحج، من رحم المشقة والرجاء، بحسب ما أكده أستاذ الموسيقى الشعبية، الدكتور محمد خلف، لـ"تليجراف مصر".
قوافل المحمل ومواكب الحنين
من القاهرة، وتحديدًا من "باب النصر"، كانت تخرج قافلة المحمل المصري كل عام محمّلة بكسوة الكعبة المشرفة وهدايا مصر إلى الحرمين، تودع القافلة بمدافع تطلق 21 طلقة، ويحضر الملك ووزراؤه مشهد المغادرة، بينما يتجمع الناس في الشوارع، يلوحون للركب المغادر ويغنون في وداع الحجاج، بحسب خلف.
ويؤكد، "تمر القافلة عبر السويس وعيون موسى وصحراء سيناء والعقبة، ثم ينبع، قبل أن تبلغ مكة المكرمة، أما قوافل شمال أفريقيا، فكانت تنضم إلى الطريق عبر ليبيا، وتلتقى في مناطق مفصلية، لتتشابك الأغاني وتتشابه الأهازيج، ويصبح الغناء لغة توحد الحجيج رغم اختلاف اللهجات".
"رايحة فين يا حاجة؟".. أغنية وحدت بلاد العرب
يشير خلف إلى أن الأغنية الأشهر المرتبطة بالحج، "رايحة فين يا حاجة؟ يا أم شال قطيفة"، لم تعد مجرد مقطع غنائي، إذ أصبحت نشيدًا جامعًا يتردد في الشام وفلسطين والمغرب كما في مصر.
ويتابع، "كانت النساء تغني بها في وداع الأمهات والجدات، ويرددها الأطفال من الشرفات، كأنها صلاة شعبية تهدى للحاج في طريقه الطويل".
أستاذ الموسيقى الشعبية يقول إن لكل منطقة طابعها الخاص في غناء الحج، لكن المشاعر كانت واحدة: شوق، ورهبة، وانتظار.
أغاني الحج بين الدلتا والصعيد
في دلتا مصر، تبرز صورة الحاجة في الأغاني، غالبًا كأم طاهرة تذهب لزيارة النبي، بحسب وصف خلف، أما في صعيد مصر، فالتركيز يكون على الرجل الحاج، ويظهر ذلك في مقاطع مثل: "هنيالك يا حاج.. مكتوبالك يا حاج.. تزور التهامي.. مكتوبة ع الباب قدامي"، كما تتعدد الألحان وتتشابك اللهجات، لكنها تدور جميعًا حول محور ثابت: "الحج رحلة عمر، وربما لا عودة بعدها".
المرشد الروحي.. "خد أبيض وصافي"
لم يكن الغناء في الريف المصري مجرد وسيلة للبهجة، بل حمل تعليمات واضحة، إذ كانت الأغنية تعمل كدليل للمسافر، تسرد ما يجب أن يحمله الحاج في حقيبته: "خد أبيض وصافي.. خد محارم حرير لعرق العوافي"، بحسب وصف خلف.
عند حرم النبي
ويؤكد أن الأغاني الريفية هذه، لعبت دور "الإعلام الشعبي"، إذ لم يكن لدى الناس وسيلة أخرى لإيصال النصيحة والتعليم إلا عبر النشيد والغناء الجماعي.
وصايا الوداع
في لحظات الوداع، كانت الأغنية تتحول إلى وصية، بحسب خلف، فلم تكن مشاهد بكاء الأمهات والبنات مجرد انفعال عاطفي، بل تجسيد لحقيقة كانت سائدة وهي أن كثير من الحجاج لا يعودون، إذ كانت الأم توصي ابنتها، وتودعها بما يشبه الميراث الصوتي وهي تغني: "إن طال غيابي.. اقعدي مقعدي.. وحنني فوق العتابي.. إن طال سفرنا.. حنني على سطح دارنا".
الحج في الذاكرة الغنائية
ويشير أستاذ الموسيقى الشعبية، إلى أن هذا التراث الغنائي لا يزال محفوظًا في ذاكرة الشعوب، تردده الجدات في الريف، وتسجله الإذاعات الشعبية، وتحييه فرق التراث، حيث إنه غناء لا يتوقف عند كونه فنًا، بل هو سجل اجتماعي وثقافي وروحي، يوثق لحظة استثنائية في حياة كل حاج، وهي لحظة التوجه نحو الكعبة، مصحوبًا بالدعاء والأنين، والزغاريد والمواويل.
ذاكرة الطريق إلى الله
ويؤكد أن أغاني الحج لم تكن مجرد "خلفية صوتية" لقوافل الحجيج، بل كانت سجلًا شعبيًا عابرًا للحدود، يحمل في كلماته وصورته اللحظة الوجدانية الأكثر قداسة في حياة المسلمين، فمن المغرب إلى فلسطين، ومن القاهرة إلى مكة، ظل الغناء لغة الحنين والرجاء، تحفظها الأجيال كما تحفظ المناسك، وترددها الأرواح كلما نادت "لبيك اللهم لبيك".
الأكثر قراءة
-
المسن وفتاة المترو.. بين المبالغة في رد الفعل والوصاية!
-
"ايه اللي حشرها في عربية الرجالة؟"، المسن الصعيدي صاحب واقعة فتاة المترو يدافع عن موقفه
-
"سنقاضيها بتهمة التشهير"، نجل المسن الصعيدي يدخل على خط أزمة فتاة المترو
-
"المفتش كرومبو"، نجل المسن الصعيدي صاحب واقعة فتاة المترو مونولوجست شهير
-
موعد مباراة السعودية والإمارات في كأس العرب اليوم، والقنوات الناقلة
-
عفوية عمر كمال.. الشهادة وأشياء أخرى لا تشترى!
-
جدول امتحانات نصف العام 2026 لجميع المراحل التعليمية في مصر
-
جدول امتحانات نصف العام للمرحلة الإعدادية بالدقهلية 2026
أخبار ذات صلة
"ابني متحرش صغير"، ماذا لو اكتشف الأم أن صغيرها سلوكه منفلت بالمدرسة؟
18 ديسمبر 2025 01:21 م
"تصرف غير مبرر"، عزة هيكل: ما فعله مسن المترو يستوجب العقاب بالقانون
18 ديسمبر 2025 02:23 م
ذكرى ليلة تاريخية، الأهلي يهزم الهلال ويتوج بكأس أفريقيا
18 ديسمبر 2025 10:45 ص
أزمة صامتة بغرف الطوارئ.. كيف يهدد نقص الدم حياة المرضى ويعطل فرص نجاتهم؟
17 ديسمبر 2025 11:09 ص
ترامب يأمر بفرض حصار شامل على فنزويلا، ومادورو: لن نكون أفغانستان أخرى
17 ديسمبر 2025 04:34 ص
ياسمين والعوضي، نميمة الجمهور تُعيد الثنائي الأشهر للواجهة مجددًا
16 ديسمبر 2025 08:41 م
41 مليار جنيه في الظل، ألعاب المراهنات الإلكترونية تنهش جيوب 5 ملايين مصري
16 ديسمبر 2025 02:22 م
سجل أبطال كأس أمم إفريقيا، مصر في الصدارة بـ7 ألقاب
16 ديسمبر 2025 10:31 ص
أكثر الكلمات انتشاراً