حلم فيفا الكبير| مونديال الأندية.. الكرنفال الذي لا يرغب أحد بالرقص فيه

وسط أجواء مثقلة بالتساؤلات ومشهد جماهيري باهت، انطلقت النسخة الموسعة من كأس العالم للأندية التي ينظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" على الأراضي الأميركية، وسط حالة من الجدل غير المسبوق. 

بطولة كان يُفترض أن تكون احتفالًا عالميًا، تحوّلت إلى ساحة مفتوحة للانتقادات، من أزمة التذاكر والمقاعد الفارغة، إلى مخاوف أمنية تهدد المشجعين، مرورًا باتهامات بتجاهل إرهاق اللاعبين، ووصولًا إلى جدل حول أحقية بعض الفرق بالتواجد في هذا الحدث العالمي.

وبينما يسوّق "فيفا" البطولة على أنها "حقبة جديدة لكرة القدم"، يرى كثيرون أنها مجرد مشروع تسويقي ضخم لا يحظى بالشغف الجماهيري المطلوب، في بلد لا تُعد فيه كرة القدم الشعبية في الصدارة.

ويبدو أن “فيفا” يخوض معركة حقيقية لإثبات نجاح هذه النسخة، فهل تنجح البطولة في فرض نفسها رغم كل هذا الصخب؟ أم أن ما نشهده اليوم هو مجرد عرض عالمي فاخر، يفتقر إلى روح اللعبة وشغف الجماهير؟

وانطلقت بطولة كأس العالم للأندية بمواجهة إنتر ميامي الأميركي ضد الأهلي لتنتهي المباراة سلبيا، لتشهد جدلا كبيرا قبل بداية المباراة بسبب ضعف الحضور الجماهيري، رغم أن المباراة شهدت حضور ما يقرب من 66 ألف متفرج لكن يظل الجدل مستمرا.

عرض لا يرفض

رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) التعليق على مبيعات مباراته ضد الأهلي في ملعب هارد روك الذي يتسع لـ 65 ألف متفرج.

وقال تقرير إعلامي أن "فيفا" قدم عرضا لطلاب كلية "ميامي ديد"، وهو حصولهم على أربع تذاكر مجانية مقابل شراء تذكرة واحدة مقابل 20 دولارًا.

وأظهر بحثٌ على موقع تيكيت ماستر لإعادة بيع التذاكر، أن التذاكر كانت متاحة مقابل 48 جنيهًا إسترلينيًا رغم أن سعرها كان 257 جنيهًا إسترلينيًا في ديسمبر 2024.

وقال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو: "أتوقع أن يكون الملعب ممتلئا بالجماهير، سيكون لدينا أجواء رائعة، إنه أمر تاريخي".

"لدينا فريقان في تلك المباراة لهما قصص مختلفة تمامًا، فريق شاب مثل إنتر ميامي المعروف بالفعل في العالم ضد الفريق الذي فاز بأكبر عدد من الألقاب من أي فريق في أفريقيا، ولديه ملايين المشجعين حول العالم".

ولا تزال التذاكر متاحة لكل مباراة بالبطولة، إذ تبلغ أسعار غالبية المباريات 45 جنيهًا إسترلينيًا فقط، وبعضها يصل إلى 25 جنيهًا إسترلينيًا فقط.

يبدو أن بعض المباريات استقطبت اهتمامًا أكبر من غيرها، وهو أمر طبيعي، وتتاح تذاكر مباراة ريال مدريد الأولى ضد الهلال بسعر يزيد عن 166 جنيه إسترليني فقط.

ويبدو أن مبيعات التذاكر للمباراة الافتتاحية لباريس سان جيرمان ضد أتلتيكو مدريد جيدة أيضا، إذ وصل سعر أرخص التذاكر الآن إلى 60 جنيه إسترليني.

قال إنفانتينو: "إنها بداية حقبة جديدة لكرة القدم، حقبة جديدة لكرة القدم على مستوى الأندية. يشبه الأمر إلى حد ما ما حدث في عام 1930، عندما بدأت أول بطولة لكأس العالم.

"يتحدث الجميع اليوم عن أول بطولة كأس عالم، ولهذا السبب تُعتبر هذه البطولة تاريخية".

"أنا شخص إيجابي بشكل عام، لكنهم ينتقدون الفيفا إذا كانت الأسعار مرتفعة جدًا، ثم ينتقدونها إذا كانت منخفضة جدًا، ثم ينتقدونها إذا قمنا بحملات ترويجية لحجز التذاكر مع الطلاب".

"عندما كنت طالبًا ولم يكن لديّ مال، كنت أتمنى لو أن الفيفا تأتي إليّ وتقول هل تريد الحضور لمشاهدة مباراة في كأس العالم؟".

خطة لإخفاء أزمة التذاكر

كشفت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن لجوء الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى خطة تهدف لتحسين الصورة البصرية لمباريات كأس العالم للأندية، في ظل مؤشرات على ضعف الحضور الجماهيري في البطولة.

ووفقًا للتقرير، فوجئ عدد من المشجعين الذين قاموا بشراء تذاكر المباريات بتعديل أماكن جلوسهم داخل المدرجات، رغم حجزهم المبكر. وتهدف هذه الخطوة إلى تجميع الجماهير في مناطق معينة، لتبدو المدرجات ممتلئة عند بث المباريات على شاشات التلفزيون، وهو ما يُعد محاولة واضحة لمعالجة "الفجوات البصرية" في الملاعب.

ورغم ذلك، أكد مسؤولو الفيفا أن هذه التعديلات لا تؤثر سلبًا على قيمة التذاكر، بل إن بعض المشجعين نُقلوا إلى مقاعد ذات رؤية أفضل، موضحين أن هذه الممارسة ليست جديدة وتُستخدم بشكل دوري في البطولات والفعاليات الكبرى لتعزيز أجواء الملاعب وتحسين الانطباع الجماهيري لدى المشاهدين.

المشجعين في خطر

وشاركت هيئتا الجمارك وحماية الحدود الأمريكية (CBP) وتنفيذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) في تأمين فعاليات رياضية كبرى.

لكن مع التشديد بسبب الهجرة غير الشرعية، وتصاعد الاحتجاجات ضد هذه السياسات في مدن كبرى مثل لوس أنجلوس، تزايدت المخاوف من تجاوز تلك الهيئات لدورها الأمني التقليدي خلال بطولة كأس العالم للأندية.

وفي الرابع من يونيو، نشر مكتب الهجرة تغريدة عبر منصة "إكس" قال فيها: "سيكون عناصر الأمن موجودين في افتتاح المونديال، ونحن مستعدين لتأمين الجولة الأولى من المباريات"، قبل أن يتم حذف المنشور لاحقًا. 

من جهتها، أكدت إدارة الهجرة والجمارك أن أفرادها سيشاركون في تأمين المباراة الافتتاحية في ملعب "هارد روك"، مضيفةً تذكيرًا للمشجعين غير الأمريكيين بضرورة حمل ما يثبت وضعهم القانوني في البلاد.

وخلال مؤتمر صحفي عقد في 10 يونيو، طُلب من رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جياني إنفانتينو، التعليق على المخاوف المتعلقة باحتمالية احتجاز مشجعين من قِبل مكتب الهجرة.

ورد إنفانتينو قائلًا: "لا، ليست لدي أي مخاوف بهذا الخصوص، نحن نتابع كل ما يتعلق بالمسائل الأمنية عن كثب، وأولويتنا القصوى هي ضمان سلامة جميع المشجعين الحاضرين، هذا هو هدفنا، وهو كذلك هدف جميع الشركاء المعنيين بتنظيم الحدث".

مونديال بلا شغف

وقال مدافع ليفربول السابق، جيمي كاراجر، إنه لا يوجد أي رغبة في البطولة من جانب اللاعبين والأندية وحتى المشجعين، ولكن هل هذا صحيح؟

ورد مهاجم بايرن ميونيخ هاري كين، ضمنيا لـ"فيفا"، وقال إن اللعب في البطولة سيكون تجربة رائعة، بينما قال مدافع مونتيري سيرجيو راموس إن فريقه يدخل البطولة بجوع كبير، وقال لاعب وسط تشيلسي إنزو فرنانديز إن البطولة ستحظى بمتابعة العالم أجمع.

وعندما سُئل عن كيفية رد فعل الأميركيين على هذا الحدث، قال يورجن كلينسمان المدير الفني السابق للمنتخب الأميركي "هناك أسماء كبيرة قادمة من أميركا الجنوبية والفرق الأوروبية، بالإضافة إلى الفرق المكسيكية والأمريكية، وسوف تشعرون ببعض الإثارة هنا".

"من الواضح أن الأمر لن يكون كذلك في كل مباراة، الجمهور سيختار المباريات المثيرة فقط بعناية، الشعب الأمريكي دائما مدفوع بالأحداث، إذ يختار حفلاته الموسيقية، ورياضاته المفضلة".

بطولة سخيفة

وتعرض الاتحاد الدولي لكرة القدم لانتقادات من زوايا متعددة بسبب البطولة التي زاد عدد الفرق المشاركة فيها إلى 32 فريقا، ومن المقرر أن تقام كل 4 سنوات.

ووصف رئيس رابطة الدوري الإسباني خافيير تيباس، كأس العالم للأندية بأنها "سخيفة" وقال إن "فيفا لم يتشاور معنا في أي شيء.

وفي يناير الماضي،  اجتمع اتحاد اللاعبين المحترفين "فيفبرو" والفيفا لمناقشة جدول المباريات المزدحم، وقدم "فيفبرو" شكوى قانونية ضد "فيفا"، متهماً إياها بـ"إساءة استغلال الهيمنة".

ورد فيفا "حماية رفاهية اللاعبين كانت في صميم عملية صنع القرارات، مبادرات مثل إنشاء صندوق للاعبين، وبدائل إضافية في المسابقات، وتعويض دائم في حالة الارتجاج".

"البطولة لم تساهم في زيادة الازدحام في جدول المباريات، إذ سيتم لعب 7 مباريات كحد أقصى في كأس العالم للأندية بين فريقين كل 4 سنوات".

وفي المتوسط، لعبت الأندية الأوروبية التي شاركت في دوري أبطال أوروبا، مثل ريال مدريد ومانشستر سيتي، 50 مباراة خلال العام في الدوري والكأس المحلية والمسابقات الأوروبية، هذا بالإضافة إلى 10-12 مباراة إضافية لعبها العديد من النجوم مع منتخباتهم الوطنية.

وقال مهاجم البرازيل الأسطوري، رونالدو نازاريو مازحًا خلال قرعة البطولة في ديسمبر 2024: "كنت أتمنى المشاركة في بطولة كهذه، مع أنني متأكد من أنها كانت ستأخذ بضعة أيام من إجازتي".

"أعتقد أننا جميعًا بحاجة إلى التحدث وإيجاد حل لجدول المباريات، العديد من اللاعبين يشتكون، وهناك العديد من الإصابات، والمتطلبات كبيرة جدًا، علينا احترام اللاعبين والاستماع إليهم".

بطولتين في نفس الوقت

ولأول مرة، ستقام بطولتان كبيرتان لكرة القدم في الولايات المتحدة في نفس الوقت، إذ يلعب  كأس العالم للأندية بجانب بطولة الكأس الذهبية لاتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي (كونكاكاف).
وتشارك الولايات المتحدة في هذه البطولة، بينما تُشارك المملكة العربية السعودية كضيف شرف.
واعتبر البعض أن إقامة بطولتين في وقت واحد، يؤثر على الجانب التسويقي وحضور الجماهير في كأس العالم للأندية.

بطل قديم وتشكيلة جديدة

ويستبعد نظام التأهل لبطولة كأس العالم للأندية، بعضًا من أفضل فرق العالم الحالية، على سبيل المثال، تأهل تشيلسي بصفته بطل دوري أبطال أوروبا 2021، بينما لم يتأهل آخر بطلين محليين لاثنين لأفضل الدوريات العالمية، وهما ليفربول بطل الدوري الإنجليزي الممتاز وبرشلونة في الدوري الإسباني.

أنهى تشيلسي الدوري الإنجليزي الممتاز في المركز الثاني عشر موسم 2022/2023، والسادس موسم 2023/2024، والرابع في الموسم الماضي، وتختلف تشكيلة الفريق الحالية اختلافًا كبيرًا عن التشكيلة التي تُوجت بطلةً لأوروبا قبل 4 سنوات.

ربما كان الهدف من البطولة، توسيع رقعة اللعبة عالميًا، وربما أرادت "فيفا" خلق عرض كروي لا يقل أهمية عن كأس العالم للمنتخبات، السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل ستنجح البطولة في فرض نفسها عبر الوقت، أم أنها ستظل حدثًا ضخمًا على الورق، خافت الصدى في المدرجات؟