الأربعاء، 25 يونيو 2025

07:14 ص

من الثورة والحرب إلى ركنية.. هل تعود الكرة الإيرانية للصفر بعد الصراع مع إسرائيل؟

منتخب إيران

منتخب إيران

محمود موسى

A .A

من ميادين الحرب إلى ملاعب كرة القدم، ظل الصراع الإيراني حاضرًا في وجدان الشرق الأوسط على مدار أكثر من أربعة عقود. 

منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، دخلت طهران مرحلة صدام إقليمي بهدف استعراض القوة، كانت أولى المواجهات الكبرى ضد العراق في حرب دموية استمرت 8 سنوات، حرب حُفرت في ذاكرة القرن الماضي كأطول نزاع مسلح بين بلدين، وكلفت الطرفين ملايين الأرواح ومئات المليارات من الدولارات.

وتتجه الأنظار اليوم نحو الصدام بين إيران من جهة وإسرائيل وأمريكا، في مواجهة تتجاوز الحدود الجغرافية التقليدية، لتمتد إلى القواعد الأمريكية في قطر، وتتقاطع فيها الجبهات من غزة إلى الجنوب اللبناني، ومن الجولان إلى الخليج العربي.

وألقت الحرب ضد إسرائيل وأمريكا بظلالها لتذكر الجميع بالحرب الإيرانية العراقية (1980–1988)، وخاضت إيران الحرب ضد العراق بدافع حماية الثورة الإسلامية ومقاومة حزب “البعث العلماني العراقي”، أمام صراعها مع إسرائيل يتركز حول خطاب "المقاومة ضد الكيان الصهيوني".

نار الحرب 

كانت الحرب العراقية الإيرانية (1980–1988) أطول حروب القرن العشرين وأكثرها دموية، إذ اندلعت في 22 سبتمبر 1980، حين غزت القوات العراقية غرب إيران، بينما قالت بغداد إن إيران بدأت القصف في 4 سبتمبر.

حرب الناقلات

تمثلت أسباب الحرب في رغبة الرئيس السابق صدام حسين في استعادة السيطرة على شط العرب بحسب اتفاقية الجزائر 1975، كما أراد منع منع "تصدير الثورة الإيرانية" إلى العراق في دولة أغلبها من الشيعة المتعاطفين مع إيران.

استغل العراق حالة الاضطراب التي أعقبت الثورة الإيرانية، ليشن هجومًا مباغتًا ويسيطر على مدن إيرانية مثل خرمشهر.

بحلول نهاية 1980، توقف التقدم العراقي بسبب المقاومة الإيرانية الشرسة، ثم شنت إيران هجمات مضادة ناجحة، استعادت خلالها مدينة خرمشهر بحلول 1982، لتبدأ بعدها في محاولات الهجوم والتوغل داخل الأراضي العراقية.

الحرب تطورت إلى استهداف المدن والمنشآت النفطية، إذ تعرضت ناقلات النفط لهجمات متبادلة، ما استدعى تدخلًا دوليًا واسعًا لضمان استمرار تصدير النفط.

وبحلول منتصف الثمانينيات، تدهور اقتصاد إيران، وقبلت وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في أغسطس 1988 لتقف الحرب العراقية الإيرانية.

قدرت الخسائر البشرية بين البلدين نحو مليون إلى مليوني قتيل وجريح، معظمهم من الإيرانيين، أما الخسائر الاقتصادية، فتجاوزت 400 مليار دولار، ورغم وقف إطلاق النار، لم يُوقع الطرفان اتفاقًا رسميًا إلا في 16 أغسطس 1990، عشية الغزو العراقي للكويت.

قادسية صدّام

من الحرب إلى كرة القدم

وألقت الصراعات السياسية بين إيران والعراق إلى ملعب كرة القدم قبل بدء الحرب عام 1980، إذ بدأ تاريخ المواجهات السياسية الرياضية عام 1977 في نهائي بطولة آسيا للشباب على ملعب أريامهر في العاصمة الإيرانية طهران. 

وبحضور 100 ألف متفرج وتواجد نجل شاه إيران آنذاك محمد رضا بهلوي، ليرفض الأخير تقليد العراق الميداليات بسبب استيائه من خسارة المنتخب الإيراني بهدف.

وبعد عامين فقط، أصبح صدام حسين رئيسًا للعراق ووصل آية الله روح الله الخميني إلى سدة الحكم بعد الإطاحة بالشاه معلنًا بذلك نهاية النظام الملكي الإيراني، وتصاعدت حدة التوتر بين البلدين واندلعت الحرب في عام 1980. 

أما أولى المواجهات الكبرى بين إيران والعراق في تصفيات كأس العالم 1994 بعد 4 سنوات من الاتفاق الرسمي بين البلدين، لكن ذكريات الحرب المؤلمة والدامية كانت لا تزال حاضرة في أذهان الجماهير.

إيران والعراق

كان من بين لاعبي الفريقين من خدموا في الحرب كجنود أو متطوعين، ليقول حميد درخشان، قائد المنتخب الإيراني ، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: "عندما نلتقي باللاعبين العراقيين، نشعر بصداقة ونتبادل التحية، ومع ذلك، لا يمكننا نسيان ما حدث لنا".

من المؤكد أن جميع الإيرانيين لم يكونوا متفقين على الرأي نفسه، إذ قال مهدي فنوني زاده، لاعب خط الوسط الإيراني "الحرب الإيرانية العراقية جزء من التاريخ، هذا ملعب رياضي، وليس سياسيًا، جميعنا نسعى لطي صفحة الماضي".

في تلك المباراة على ستاد خليفة الدولي في قطر بحضور 30 ألف متفرج، تقدم أسود الرافدين عن طريق أحمد رازي قبل أن يتعادل الإيرانيون عن طريق علي دائي برأسية رائعة، قبل أن يخطف علاء كاظم هدف الفوز في الدقيقة 38.

وكانت البطاقة الحمراء التي تعرض لها المدافع الإيراني جواد زرينتشه في الشوط الأول حاسمةً، وأحد أهم أسباب هزيمة إيران.

جواد زرينتشه

هزيمة لم تُنسَ

كانت المشكلة آنذاك أن كرة القدم الإيرانية، رغم امتلاكها لاعبين أكفاء، كانت تعاني من مشاكل عقب الحرب، ورغم أن المباراة مع العراق متقاربة، لكن إيران كانت تخسر مباريات كهذه، ولم تكن هذه المباراة استثناءً.

ويتذكر مهرداد مسعودي، أحد الصحفيين الإيرانيين الذين قدموا من كندا إلى قطر لتغطية المباراة "لا أزال أتذكر تفاصيل تلك الرحلة جيدًا، بما في ذلك لقائي بعائلة عراقية في مطار روما في طريقهم إلى قطر". 

"عائلة تشبه عائلته في إيران، وكان ابنها في مثل عمري تقريبًا، عائلة فرت من الحرب إلى الخارج في تلك السنوات، لو لم تنتهِ الحرب لم يكن أن يعودوا إلى بلادهم أبدا".

علي بارفين ومهرداد مسعودي وعلي دائي

وما تزال ذكريات تلك المباراة حاضرة في ذهن كل إيراني بعد كل هذه السنوات، وكأنها حدثت بالأمس، لأنها كانت أول مواجهة كبيرة بين الجانبين، في وقت كانت كرة القدم تمثل ميدان الحرب، فكانت الهزيمة أمام العراق ذكرى سيئة لا تنسى للجمهور الإيراني.

لم يعتد الجمهور الإيراني على مشاهدة المباريات مباشرة على التلفزيون، لكن هذه المباراة تحديدا بثت بتأخير طفيف، بسبب حساسيتها وأهميتها للشعب الإيراني.

انتهاكات صارخة

وفي مباراة ثالثة حملت الكثير من الشحن الزائد بين البلدين، تحديدا عام 2000 في بطولة آسيا للشباب، ليطلق المدرب عدنان حمد تصريح قوي قبل المباراة مؤكدا أنها أكثر من مجرد مباراة كرة قدم، وانتهت المواجهة بفوز المنتخب الإيراني بنتيجة 1-0.

وعرف حمد بنقده لتدخل إيران في الشأن العراقي كما أنه ليس الوحيد الذي يعتبر مباريات بلاده ضد الفريق الإيراني أكثر من مجرد كرة قدم، إذ ينظر الكثير من الأشخاص إلى هذه المباريات من منظور سياسي وطائفي وحتى قومي وتاريخي. 

وفي مباراة مثيرة جرت بين المنتخبين في تصفيات كأس العالم 2002، تقدم المنتخب العراقي بهدف مبكر، إلا أن المنتخب الإيراني، بقيادة النجم علي دائي، قلب الطاولة وسجل هدفين، ليخرج فائزًا وسط أجواء من الغضب والاستياء بين الجماهير العراقية التي تجاوز عددها 40 ألف متفرج في المدرجات.

اللقاء لم يكن مجرد مواجهة كروية، بل حمل أبعادًا سياسية وشعبية، خاصة مع حضور عدي صدام حسين، نجل الرئيس العراقي آنذاك، والذي كان يشرف على الرياضة في البلاد. 

وكان يُعرف عنه تورطه في انتهاكات صارخة بحق الرياضيين، حيث اتُّهم مرارًا بتعذيب لاعبي المنتخب الوطني في حال الهزيمة، ما أضفى على المباراة طابعًا من التوتر والرهبة داخل صفوف الفريق العراقي.

دعاء دمر إيران

في واحدة من أكثر المباريات إثارة بين العراق وإيران، عندما التقيا في ربع نهائي كأس آسيا عام 2015، لتنتهي المباراة بالتعادل 3-3، قبل أن يحسمها أسود الرافدين بركلات الترجيح.

لكن التوتر الكروي بين الجانبين لم يتوقف هناك، ففي نوفمبر 2019، تواجه المنتخبان مجددًا في العاصمة الأردنية عمّان، ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2022. 

جاءت المباراة في ظل أجواء سياسية مشحونة، تزامنت مع احتجاجات شعبية عارمة اجتاحت العراق رفضًا للنفوذ الإيراني والتدهور السياسي في البلاد.

اختار العراق عمّان ملعبًا بديلًا بعد أن أعاد الاتحاد الدولي لكرة القدم فرض الحظر على الملاعب العراقية بسبب تصاعد الاضطرابات. 

وكان لهذا القرار بُعد خاص، إذ يعيش في العاصمة الأردنية ما يقرب من 250 ألف عراقي، كثير منهم ضباط سابقون وموالون للنظام العراقي السابق، ويكنّون عداءً شديدًا للواقع السياسي العراقي المرتبط حسب رؤيتهم بالنفوذ الإيراني.

تحول اللقاء من مجرد مباراة كرة قدم كروي إلى ملعب السياسة، ورأي البعض أن فوز أسود الرافدين بنتيجة 2-1 لم يكن مجرد انتصار رياضي، بل حمل في عيون كثيرين رمزية أكبر: "هزيمة لإيران" و"إشارة من السماء" للمحتجين الذين رأوا في النتيجة دعمًا لحراكهم ضد حكومة رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي، المتهم بالولاء لطهران.

ويتذكر العراقيون لقطة اللاعب أمجد عطوان، واقفًا على خط الركنية، رافعًا يديه إلى السماء بالدعاء قبل تنفيذ الكرة، وتحولت الصورة لاحقًا إلى سخرية ورمزية في نفس الوقت ليقول الشعب العراقي "هذا الدعاء دمّر إيران وسجلنا هدف الفوز".

مدونون يتناقلون صورة لـ

نقطة الصفر

بالنظر إلى تاريخ كرة القدم الإيرانية، نجد أن الثورة الإيرانية عام 1979 تسببت في توقف دام عقدًا من الزمان في الدوري الإيراني، وما زاد الطين بله اندلاع الحرب العراقية الإيرانية التي دمرت كرة القدم في إيران.

بعد فترة توقف، أقيمت العديد من الكؤوس، مثل كأس القدس وكأس حفدة شهريور، وبعد العديد من الصعوبات، أقيم أخيرًا في عام 1991 الدوري الوطني الإيراني الجديد، كأس آزاديجان.

وفي عام 1999، تم إطلاق الدوري الإيراني الممتاز بشكله الحالي استمر حتى يومنا هذا.

عادت كرة القدم الإيرانية إلى الواجهة بعد الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية، ليحقق المنتخب الإيراني نتائج جيدة في كأس العالم.

وتأهل المنتخب الإيراني لكأس العالم 7 مرات (من 1978 حتى 2026)، لكنه لم يتجاوز دور المجموعات، وحقق 3 انتصارات في تاريخه على كل من الولايات المتحدة (1998)، المغرب (2018)، وويلز (2022).

Iran's national team set for fateful match against US at World Cup | The  Times of Israel

كما فاز ببطولة غرب آسيا أربع مرات، وبكأس أمم آسيا الوسطى مرة واحدة، وحقق كأس آسيا 3 مرات (1968-1972-1978) في عهد ما قبل الثورة الإيرانية والحرب ضد العراق. 

كما حققت الأندية الإيرانية نجاحات على مستوى قارة آسيا، إذ توج تاج طهران (استقلال) باللقب عامي 1970 و1990–1991، ثم أحرز باس طهران اللقب في 1992–1993. 

ومنذ ذلك الحين، غابت الأندية الإيرانية عن التتويج القاري رغم مشاركتها المتكررة، رغم الوصول إلى النهائي في 5 مناسبات.

وهكذا، كما تسببت الثورة الإيرانية ثم الحرب مع العراق في تجميد مسيرة الكرة الإيرانية لعقدٍين كاملين، يبدو أن المواجهة الحالية مع إسرائيل والولايات المتحدة تُنذر بمرحلة جديدة من الجمود الرياضي.

فالتاريخ يعيد نفسه، وتواجه الكرة الإيرانية صعوبات جمة في ظل الحرب القائمة، في مشهد قد يعود بالكرة الإيرانية إلى نقطة الصفر.

search