الجمعة، 27 يونيو 2025

04:19 م

"صوت تخطى الملعب".. أشرف محمود مُعلق أسر أذن "مبارك" وسحر شاعر العربية

أشرف محمود

أشرف محمود

محمود موسى

A .A

من قلب صعيد مصر، وتحديدًا من محافظة قنا، خرج صوت عذب وقلم مثقف ليترك بصمته في الإعلام، صوتٌ اعتقده البعض في بداياته من الخليج العربي، حين بدأ مشواره كمعلق رياضي في منتصف التسعينيات، ولكن الحقيقة أنه مصري الأصل، صعيدي الجذور، اسمه أشرف محمود.

لم يكن مجرد صحفي أو معلق رياضي تقليدي، بل حمل مشروع ثقافي وإنساني، واستخدم الميكروفون كأداة للتنوير والانتماء والاعتزاز باللغة العربية، وسعى دومًا لتجسيد المعنى الحقيقي للرسالة الإعلامية سواء كان معلقا أو صحفيا أو كاتبا.

ومن صفحات مؤسسة الأهرام إلى مقاعد التعليق في التلفزيون المصري، ليقول عنه الشاعر والإذاعي الكبير فاروق شوشة: "أنت تُغرد بمفردات اللغة"، 

واعتلى المعلق الكبير صفحات وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا بسبب تعليقاته الشهيرة على مباريات الأهلي في كأس العالم للأندية ليتذكر الجميع قيمة كأحد المعلق الكبار في التعليق المصري.

وخلال هذه السطور، تستعرض "تليجراف مصر" مسيرة المعلق المميز أشرف محمود كالتالي:

الصحفي والمعلق والكاتب

أشرف محمود ابن من أبناء صعيد مصر، وتحديدا محافظة قنا، تخرج من كلية الآداب قسم الاجتماع وعلم النفس، وبدأ رحلته في الصحافة كناقد رياضي، ثم انتقل إلى الأهرام.

 عمل في مؤسسة الأهرام العربي منذ عام 1997 وتقلد العديد من المناصب هناك وكان يتولى منصب نائب رئيس تحرير الأهرام العربي في الفترة ما بين 2009 إلى 2012 وبعد ذلك أصبح أشرف محمود رئيسًا للأهرام العربي بداية من عام 2012 إذ شرف بتولي رئاسة تحرير مجلة الأهرام العربي.

على مدار مسيرته، عمل صحفيًا خلال مشواره في المملكة العربية السعودية ولبنان، وراسل قنوات مثل مونت كارلو الدولية، فرانس برس.

ألّف عدة كتب وثق فيها مسيرته وتعمقه الكبير بين الرياضة والثقافة، أبرزها حكايات من البساط الأخضر، فن التعليق الرياضي، ما الدنيا إلا ملعب كبير، الركض بالكلمات، الرياضة في ملعب الأدب، الثقافة الرياضية غذاء للبدن وتثقيف للعقل وتشكيل للوجدان. 

No photo description available.

 الميكروفون صديقه

بدأ التعليق في منتصف فترة التسعينيات في التلفزيون المصري وقنوات النيل، وأعتقد آنذاك الجمهور أنه معلق من الخليج العربي.

إلى جانب مسيرته الإعلامية اللامعة داخل مؤسسة الأهرام العريقة، شقّ أشرف محمود طريقه بثبات نحو عالم التعليق الرياضي، ليصبح واحدًا من أبرز الأصوات التي ارتبط بها جمهور كرة القدم العربي والمصري على وجه الخصوص.

كانت انطلاقته الأولى من شاشة التلفزيون المصري، وتحديدًا من خلال قناة "نايل سبورت"، إذ علق على مباريات الدوري المصري والبطولات الأفريقية في زمن ما قبل هيمنة الفضائيات.

 ترك المعلق الكبير بصمة خاصة في مباريات القمة بين الغريمين الأهلي والزمالك، بصوته الرصين ولغته المتزنة، التي جمعت بين الفصحى والعامية الراقية.

No photo description available.

وفي العقدين الأخيرين، ومع ظهور القنوات الفضائية بشكل أكبر، استمر حضور أشرف محمود بقوة، فظهر عبر قناة النهار رياضة وقناة النادي الأهلي، كما قدّم برنامج الوسط الرياضي على شاشة قناة LTC، مؤكدًا على قدرته في التنقل بسلاسة بين مقعد المعلق والمذيع.

ترجم أشرف محمود شغفه الكبير بالتعليق الرياضي إلى مشروع معرفي مميز، حين أصدر في عام 2010 كتابه "فن التعليق الرياضي"، الذي يُعد من أبرز المراجع العربية في مجاله. 

ليتناول فيه تطور مهنة التعليق، وشرح الأساليب المختلفة في الأداء، وكيفية الحفاظ على التوازن بين الصوت الحسن والمعلومة التي تجذب المشاهدين.

كما قدّم خلاصة تجربته للمعلقين الجدد، مؤمنًا بأن التعليق ليس مجرد وصف للمباراة، بل حالة فنية وثقافية تعكس ذوق المعلق وثقافته وقدرته على أسر المشاهدين والمستمعين.

اللغة هوية

قال له الشاعر والإذاعي الكبير الراحل فاروق شوشة "شاعر العربية الأول" ذات مرة، حين كان يراه خلال اجتماعات مع الأستاذ فهمي عمر: "تمسك بالعربية، لكن لا تكن كلغة سيبويه، وازن بين الفصحى والعامية، ارتقِ بالعامية لتكون اللغة الصحيحة لا الفصيحة". 

كان يرى شوشة أن المتلقي لا يريد أن يسمع العبارات المعقدة، بل يريد لغة تدخل إلى أذنه بسهولة، وتصل إلى قلبه بسلاسة.

"إذا نظرنا إلى إذاعة القرآن الكريم، نجد أنها من أكثر الإذاعات انتشارًا في مصر، ليس فقط لأنها تذيع القرآن الكريم، ولكن لأنها تتحدث بلغة راقية، لغة يحب الناس سماعها حتى وإن لم يكونوا من أهل التعليم، اللغة سحر، اللغة هوية، وإن لم نحافظ عليها، ضاعت" أشرف محمود.

No photo description available.

بدأ المعلق الكبير مشواره في التعليق منتصف التسعينيات، وأعتقد كثيرون أنه معلق من الخليج، لأن صوته لم يحمل لهجة مصرية واضحة، ثم مع الوقت، بدأوا يلاحظون بعض اللمحات الصعيدية البسيطة، فعرفوه أكثر، ومنذ ذلك الحين حرص أن تبقى اللغة العربية السليمة هي عنوانه الوحيد في كل ما يقدمه.

أثناء عمله في السعودية، سافر لتغطية بطولة في قطر، وهناك التقى بالأسطورة الجزائرية رابح ماجر، ليسأله بدهشة: "تترك المجد في أوروبا وتأتي إلى هنا؟"

 فأجابه بكلمات لا تنسى: "أتيت كي يتعلم أولادي اللغة العربية قبل أن يفوت الأوان"، ليضحّى بمكانته هناك من أجل اللغة والهوية العربية.

إشادة مبارك

أخبره رئيس هيئة ستاد القاهرة الأسبق، عبد العزيز أمين، بأن الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، كان يحب الاستماع إلى معلقين اثنين، كان هو أحدهما والآخر هو الراحل ميمي الشربيني.

في البداية، ظن أنها مجرد مجاملة، قبل أن يتم اختاره من قبل وزير الشباب والرياضة السابق، لتقديم حفل افتتاح الصالة المغطاة بالأقصر في حضور الرئيس مبارك.

لم يكن الرئيس الراحل يعرف المعلق أشرف محمود، ومع أولى كلماته في الافتتاح، سأل من حوله هل هو نفس صوت المعلق الرياضي الذي يحبه، ليجيبه من حوله نعم، ليبتسم الرئيس في وجه أشرف محمود.

خالف أشرف محمود كل البروتكولات الأمنية، من أجل أن "يسلم" على الرئيس مبارك، لكنه لم يسمع ما قاله جيدا ليتأكد فيما بعد أنه أشاد بطريقة تعليقه وتقديمه من حسن صقر.

"قتلتني يا حسين"

إحدى المواقف التي لا تنسى في مسيرة المعلق أشرف محمود، حين علق على مباراة مثيرة في الدوري المصري بين الإسماعيلي والترسانة عام 2000.

شعر المعلق الكبير بـ"مغص" مفاجىء كاد أن يفسد عليه تعليقه على المباراة، وبين الشوطين أراد الذهاب إلى "بيت الخلاء" لكنه لم يستطع بسبب زحام الجماهير وصعوبة المرور من بينهم، ليقرر استكمال المباراة لينسى آلامه بسبب إثارة المباراة التي انتهت بالتعادل الإيجابي 3-3، في مباراة تألق فيها مهند البوشي بتسجيله هاتريك.

وفي الخسارة الشهيرة للأهلي بثلاثية على ستاد القاهرة أمام النجم الساحلي في إياب نهائي دوري أبطال أفريقيا عام 2007، بارك للفريق التونسي على أداء ونسي الانتماء ليقول في حوار صحفي "بلدي علمتني أن أحترم المبدع أيا ما كان، وإذا ماكان هذا المبدع هو الشقيق، فمبروك له ولشعب تونس الشقيق".

عماد النحاس: العرجون أبلغ الغندور سبب تحامله على الأهلي في نهائي دوري أبطال  أفريقيا 2007 | مصر Goal.com

أما في كأس العالم للأندية، وتحديدا مباراة الأهلي وإنتر ميامي، أبدى المعلق الشهير حماسة وتشجيع في الفرصة المهدرة في الثواني الأخيرة، عن طريق اللاعب حسين الشحات.

وتعجب من رد فعل جناح الأهلي وتأخر تمرير الكرة، وانتقد تصرف اللاعب غير المبرر بعد احتفاظه بالكرة ليقطعها مدافع إنتر ميامي.

وقال: “كمل يا حسين امشي يا حسين، يالا يا حسين تعبنتي يا حسين قتلتني يا حسين، والحكم صفر وأنهى المباراة، في إيه هتخش بالكرة الجون؟ حتى الشناوي زعلان على الفرصة”.

كأس العالم للأندية 2025.. حسين الشحات يوجه رسالة إلى جماهير الأهلى | مبتدا

وأثناء تعليقه على مباراة الأهلي وبورتو، لم يتمالك المعلق الرياضي أشرف محمود نفسه من الانفعال، عقب إهدار محمد مجدي "أفشة" لفرصة ثمينة في الشوط الثاني، بعدما انطلق الأهلي بهجمة مرتدة سريعة كان فيها أربعة من لاعبيه في مواجهة لاعبين فقط من الفريق البرتغالي.

وبنبرة غاضبة ممزوجة بالدهشة، قال أشرف محمود: «تصدق وتؤمن بالله! إيه يا عم ده؟! إيه اللي بيحصل ده؟! لازم الأهلي يعيد حساباته في كل خطوطه».

 صداقة الرياضة والفن

ويحكي الإعلامي أشرف محمود، عن بداية صداقته بالفنان سامح الصريطي، قائلاً إن أول رابط جمعهما لم يكن لقاءً عاديًا، بل كان موقفًا إنسانيًا نادرًا يعكس معدن الرجال.

ففي أحد الأعوام، ضربت السيول محافظة قنا، فتواصلت مديرية الشباب والرياضة من أجل تنظيم مباراة خيرية تجمع نجوم الكرة المصرية بنجوم قنا، بحضور عدد من الفنانين، وذلك في إطار مبادرة لتقديم مساعدات مادية وإنسانية للمتضررين من الكارثة.

يقول أشرف محمود: "حينها تواصلت معي المديرية، فأبلغت صديقي الصحفي أسامة إسماعيل، وقلت له: لا بد أن تتحدث مع الفنان سامح الصريطي، لأنه بوابة الفنانين إلى العمل المجتمعي والرياضي."

No photo description available.

وبالفعل، لم يتردد سامح الصريطي لحظة، وأبدى استعداده للمشاركة على الفور. بعدها استعان أشرف محمود بمدرب نادي القناة آنذاك الكابتن محسن صالح، وثلاثة من لاعبي الفريق، كما أصر المدرب طارق العشري على الحضور من الإسكندرية خصيصًا للمشاركة في هذا الحدث الإنساني.

وكان من أبرز الحضور محافظ قنا، الذي أبدى سعادته الكبيرة بالمبادرة التي نجحت في رسم البسمة على وجوه أهالي قنا المتضررين، لتكون تلك اللحظة بداية علاقة إنسانية ومهنية وثيقة بين أشرف محمود والفنان سامح الصريطي.

ويقول الفنان سامح الصريطي عن صداقته الكبيرة بالمعلق والصحفي أشرف محمود: "منذ أول لقاء جمعنا، ورغم أننا لم نكن نعرف بعضنا البعض من قبل، شعرت بأن ثمة تشابهًا وتكاملًا واضحين بيننا".

وأضاف: "وجدته شخصًا مخلصًا، متفانيًا في عمله، محبًّا لأصدقائه، سريع البديهة في اتخاذ القرار، يحمل في قلبه حبًا صادقًا للعمل التطوعي، وهو ما يوافق ميولي وتوجهي تمامًا.

وتابع: "صرنا نعمل سويًا في محافظات مصر المختلفة، وفي عدد من الدول العربية، دون انتظار مقابل مادي، تجمعنا الروح ذاتها، والطموح ذاته، حتى وإن لم نلتقِ وجهًا لوجه كثيرًا، هي علاقة أعتز بها وأفتخر، وسعيد بها كل السعادة". 

وزير الشباب يشيد بنشاط الثقافة الرياضية فى دورة ألعاب الأفريقية - اليوم  السابع

على المحبة نلتقي

في مايو من هذا العام، زار المعلق الشهير مدينة بنغازي كرئيس للاتحاد العربي للثقافة الرياضية، ليقول متأثرا "أعود إلى هذه المدينة بعد أكثر من 25 عامًا، حين كسرنا الحصار عن ليبيا بمبادرة رياضية شعبية، واليوم أجد بنغازي عروس الشرق الليبي تنعم بالأمن والاستقرار والتطور"

"ما رأيناه من كرم وضيافة وتنظيم يعكس أصالة الشعب الليبي وحضارته، نحن كاتحاد عربي للثقافة الرياضية، أصبحنا مطالبين بأن نكون سفراء لهذا الواقع المشرق، ونقله بكل أمانة إلى عالمنا العربي".

وتأسس الاتحاد العربي للثقافة الرياضية عام 2015 من مدينة الأقصر، أرض الحضارة، وضم في عضويته دولًا عربية عدة، من بينها فلسطين، السعودية، الإمارات، المغرب، الجزائر، تونس، الأردن، واليوم ليبيا.

No photo description available.

ويختتم محمود، حديثه برسالة تغمرها محبة: "ما يجمعنا كعرب أكثر بكثير مما يفرقنا، الرياضة وسيلة للبناء لا للهدم، للتقارب لا للفرقة".

"شكري الكبير لكل من رحب بنا في بنغازي، لكل من أعاد لهذه المدينة تألقها وكرامتها. على المحبة التقينا، وعلى المحبة نلتقي بإذن الله".

search