
الدنجوان مان
هو ليس ساحرًا بوسامته فقط، ولا يمرّ كالعابرين في الذاكرة. هو ذلك الرجل الذي يخلط بين الجاذبية والثقة، وبين الكلمات المصقولة واللمسات المحسوبة.
هو "الدنجوان مان"، الرجل الذي لا يُحب امرأة واحدة، بل يُحب فكرة أن يُحَبّ من كل النساء.
لا يحتاج هذا النوع من الرجال إلى بذل جهد كبير في التعبير عن اهتمامه؛ فطريقة حديثه، نظرته، حضوره، تملأ الفراغ قبل أن يتكلم. يعرف متى يصمت ليُثير الفضول، ومتى يتكلم ليُشعل المشاعر.
تراه حاضرًا في كل لحظة، لكنه لا ينتمي لأي لحظة. هو بارع في خلق حالة من القرب المربك، ومن الابتعاد المحسوب الذي يشعل التوق في الوقت ذاته.
هذا الرجل لا يعد، لكنه يوحي. لا يعترف، لكنه يُلمّح. لا يَعشق، لكنه يُتقن تقمُّص دور العاشق. يبدو وكأن لديه خبرة واسعة في التعامل مع مشاعر النساء، لكنه في الواقع، خبير في التلاعب بها. ليس لأنه شرير، بل لأنه عاجز عن الالتزام، خائف من العمق، مشغوف بالبدايات، مُغرَم بالانطباعات الأولى.
وهنا تبدأ تفاصيل العلاقة معه في التشكل كمساحة ضبابية: المرأة معه لا تعرف هل هي في علاقة فعلية أم تعيش في وهم العلاقة. لا تُمسك بيده في العلن، لكنها تشعر أنها تحتل قلبه سرًا. لا تسمع منه وعدًا، لكنها تُبني في خيالها حكاية تتسع.
علاقته بها لا تبدأ حقًا، لكنها أيضًا لا تنتهي بوضوح. هو بارع في إبقاء الباب مواربًا؛ في منحها ما يكفي لتظل منتظرة، وإخفاء ما يكفي لتظل مترددة. وهذا التردد يصنع بداخلها صراعًا مؤلمًا بين ما تشعر به، وما تراه بعين الواقع.
ولعلّ أكثر ما يُربك المرأة في حضوره، هو تلك القدرة الغريبة على جعلها تشعر بأنها "الأهم"، و"الأقرب"، و"الأجمل"، وكأنها مركز الكون في عينيه. ثم فجأة، وبلا مقدمات، يخفت كل ذلك الوهج، ويبتعد دون تفسير. فلا هو أوضح نواياه، ولا هو ترك بصماته بلا أثر. ينسحب بخفة، كما لو لم يكن يومًا موجودًا، لكنه يترك في القلب ظلالاً طويلة.
ما يفعله "الدنجوان مان" ليس مجرد غزل عابر، بل هو بناء وهمي لعلاقة لا تكتمل. يُعطي من الاهتمام ما يكفي لإثارة التعلّق، ويمنح من الغموض ما يكفي لتغذية الخيال. لا يفتح الأبواب، لكنه لا يُغلقها أيضًا. يترك المرأة متأرجحة بين الرجاء والشك، بين الأمل والخذلان.
وفي تلك المسافة التي يتركها بينه وبينها، تبدأ هي في ملء الفراغ بتوقعاتها، بقراءة النوايا خلف الكلمات، وبمحاولة فك شفرات نظراته.
وقد تحدثتُ كثيرًا في كتاب "في عمق التفاصيل بين الرجل والمرأة" عن هذه الفجوة التي تصنعها النساء بأنفسهن حين لا يجدن وضوحًا من الطرف الآخر، فيبدأن بتفسير التردد على أنه حذر، والتجاهل على أنه اختبار، والانسحاب على أنه خوف من الحب. فتغدو العلاقة لعبة تأويلات، لا حوارًا صريحًا بين اثنين.
هذا النوع من الرجال لا يبحث عن علاقة حقيقية بقدر ما يبحث عن شعور الانتصار. يحب أن يرى انعكاس سحره في عيون النساء. وكلما سقط قلبٌ في شباكه، شعر بأنه ما زال جذابًا، مرغوبًا، حيًّا. هو لا يحب النساء، بل يحب الصورة التي يرى نفسه من خلالها في أعينهن.
لكن لنتوقّف قليلًا...
من أين يأتي هذا الرجل؟ ما الذي يُكوّنه؟ في الغالب، خلف هذه الكاريزما سطح هشّ، وروح خائفة من الارتباط، ربما من جرح قديم أو من تصور مشوّه عن الحب. هو يهرب من الثبات، لأنه يراه قيدًا، ويخشى الفقد، لأنه لا يحتمله، فيؤثر أن لا يمنح أحدًا قلبه، ليضمن ألّا ينكسر.
أما تأثيره على المرأة، فمعقّد. المرأة بطبيعتها تميل لمن يُشعرها بالتميز، تُفتن بالغموض، وتنجذب لمن يبدو صعب المنال. وعندما تشعر أنها "ربما" تكون مختلفة عن الأخريات في عينيه، تبدأ المعركة: معركة إثبات الذات، والاحتفاظ به، ومحاولة الوصول إلى قلبه المغلق. وهنا تحديدًا، تقع في الفخ. فتتحول هي إلى مَن تسعى خلف السراب، وتستنزف مشاعرها، وتُرهق قلبها في محاولة للإبقاء على وهم كان جميلًا لكنه لم يكن حقيقيًا.
الخطورة أن المرأة بعد تجربة مع هذا النوع من الرجال، قد تُشكّك في قيمتها، في جاذبيتها، في قدرتها على الاحتفاظ بمن تُحب. وربما تصبح أكثر حذرًا في علاقاتها التالية، أو أكثر تعطّشًا لتعويض ما فاتها، فتتكرر الأخطاء.
لكن الوعي هو طوق النجاة. حين تدرك المرأة أن الحب ليس ذلك السحر العابر، ولا تلك اللهفة المشتتة، بل هو الأمان، والصدق، والوضوح... ستتعلّم التمييز. حين تتعلم أن الرجل الذي يحبك حقًا، لا يتركك تتساءلين ليلًا عن موقعك في قلبه. لا يجعل حضورك مشروطًا بغيابه. ولا يختفي خلف الضباب ليزيدك شوقًا، بل يبقى ليزيدك يقينًا.
في النهاية، "الدنجوان مان" ليس سيئًا بالمطلق، لكنه ليس صالحًا للعلاقات العميقة. هو درس، لا قدر.. لا إقامة مستقرة. وربما يجب على كل امرأة أن تلتقي به مرة، لتعرف الفرق بين الحب والافتتان، بين الاهتمام والاحتواء، بين من يُشعلها لحظة... ومن يضيئها عمرًا.

الأكثر قراءة
-
كمين آخر الليل.. حكاية “يوسف” ضحية “غدر الصحاب” في المطرية
-
تفاصيل وفاة الأب بعد 3 أيام من رحيل أطفاله الستة بالمنيا
-
كادت تطرده.. السفير الإسرائيلي يثير غضب الإمارات بـ"تصرف مشين" في أبو ظبي
-
فوضى في سوق المحمول.. رسوم الهواتف المستوردة تشعل أزمة بين التجار والعملاء
-
بعد تصريحات مدبولي.. ما الفرق بين منصة الإيجار القديم و"مصر العقارية"؟
-
لماذا دبي؟
-
ماتوا ببطء.. مفاجأة صادمة في واقعة "أطفال المنيا"
-
قبل ما تسجل في تنسيق 2025.. قائمة الجامعات الحكومية والخاصة بالمحافظات

مقالات ذات صلة
من الثانوية للكلية.. خطوة نحو الحلم
23 يوليو 2025 11:46 ص
فوبيا المرأة الجميلة
17 يوليو 2025 11:55 ص
جيل يتهرب من الزواج.. هل تغيّرت المرأة أم الرجل؟
10 يوليو 2025 09:30 ص
غادروا بصمت وبقي الدرس حاضرًا
09 يوليو 2025 06:28 م
أكثر الكلمات انتشاراً