مذكرات توفيق الدقن.. الحلقة الأولى

رشدي الدقن
بقلم: رشدي الدقن
ما هذه العبقرية التى تجعلك تنفجر ضحكًا فى كل مرة تشاهد توفيق الدقن على الشاشة.. نعم الجماهير تحفظ إفيهاته عن ظهر قلب.. شاهدت المشهد مئات المرات.. وفى كل مرة نفس الضحكة تنطلق من القلب.. وكأن الزمن يتوقف أو يعود للمربع صفر.. تشعر كأنك تشاهده لأول مرة!.
ما هذه العبقرية التى تأخذك فى مشهد واحد بعيدًا لتنسى كل نجوم الفيلم وتتذكره وحده؟.. ما هذه العبقرية التى تجعلك حتى تنسى قصة الفيلم وتخرج من السينما تردد جملته هو.
عبقرية "توفيق الدقن" لا يمكن أن نوجزها فى تلك اللزمات والإفيهات التى تلقى رواجًا كبيرًا بين جموع الجماهير والمنتشرة بكثافة حتى اليوم على “يوتيوب” وتزاحم عمالقة الكوميديا، وكأنها صالحة لكل زمان ومكان.

الأمر لم يكن يتطلب خفة ظل فقط بل قدرة على التواصل مع الجماهير وفهم جيد لرغباتهم ومدى استيعابهم لما سيلقى عليهم دون ان يخطئ الهدف مرة.. ففى كل مرة تصبح "اللزمة" هى الأبقى.. فأبدا لم تكن اللزمة مدعاة للملل أو الضجر مع كثرة المشاهدة.
ما هذه العبقرية التى جعلت من توفيق الدقن فيلسوفا حقيقيا خبير فى أحوال الناس والحياة.. يمتلك كاريزما وحضورا مكناه من الانقضاض على أدواره كافة.. وبلغ ذروة الإبداع فى تجسيدها، ابتلع كل من وقف أمامه مهما علا شأنه ونجمه، لم يحل بينه وبين الابداع شيء، امتلك مفاتيح التميز، صال وجال وفرض شخصيته الآسرة دون منازع، تصدى للعديد من الأدوار المتميزة حتى عندما حاولت السينما الاستهلاكية استهلاكه وبرع فى ترك بصمته.
حكاية شهادة ميلاد توفيق الدقن
من صرخة الميلاد.. بدأت حكاياته الأسطورية.. فبدلا من إثبات تاريخ ميلاده فى 3 مايو 1923 .. شهادة ميلاده خرجت تحمل 3 مايو 1920.
أما السبب فهو غريب ونادر وقد لا يتكرر.. الأب هو أمين محمد أحمد الشيخ الدقن من رجال الأزهر الشريف.. كان لديه ابن أكبر يحبه جدا اسمه توفيق.. رحل عن الدنيا وعمره 3 سنوات.. وقتها لم يستخرج شهادة وفاة.. فالست "زكية الدقن" حامل فى الأشهر الأخيرة وقد يأتى المولود ذكرا فيكون توفيق بدلا من توفيق.. أيام قليلة وجاء توفيق الثاني.. فلم يعد الأب فى حاجة لاستخراج شهادة ميلاد جديدة.. سيظل المولود بنفس الإسم ويعيش عمره دائما زائد 3 سنوات.
ويظل هو نفسه يسخر دائما من هذه الواقعة ويقول: “أنا عايش حياتى بدل فاقد، وفيه 3 سنين من عمرى ما عشتهمش”.
توفيق الدقن معشوق الفتيات فى المدرسة الإعدادي
وسامته وشعره الجميل وهدوئه ورزانة عقله جعلت منه معشوق الفتيات فى المدرسة الإعدادى التى كان يدرس فيها.. وقتها كان عمره 12 سنة أو أقل بعض الشئ.. أحب فتاة صغيرة وجميلة.. وأحبها كل التلاميذ فى سنه.. وهى بشقاوة بنت صغيرة جميلة مدللة، لم تبخل على أحد منهم بنظرة أو إبتسامة.. ثم كانت الكارثة .. كل العشاق الصغار فى المدرسة اعترفوا بحبهم لها.. وكل منهم قال إنها تبادله هو الحب .."عركة " ولا خناقات أفلام الأبيض والأسود اشتعلت على أبواب المدرسة . لا أحد يعرف من يضرب من، وفجأة يسقط عاشق صغير غارقا فى دمائه عاشق آخر طعنه بسكين.
توجيه تهمة القتل لـ"توفيق الدقن"
فاق الكل من الحلم المفزع وجاء البوليس وجاءت النيابة وبدأت التحقيقات وثأر عائلى يتشكل فى الأجواء.. وتم توجيه تهمة القتل لـ"توفيق الدقن" الوسيم الصغير بشعره المسبسب وعيونه الجريئة.. كاد أن ينتهى كل شئ سيقضى طفولته وشبابه خلف القضبان فى جريمة قتل مروعة.. وحتى لو خرج من النيابة والمحكمة لصغر سنه.. فلن تتركه عائلة الوسيم الصغير الذى نزف دما كثيرا وبين الحياة والموت فى المستشفى؛ فى الطريق أن يسجل اسمه كشهيد جديد للحب العذري.
لكن القدر كان رحيما بتوفيق الدقن.. بعد الاتهام والقبض عليه وشهادة الجميع بأن توفيق هو الذى كان يشتبك مع الضحية وجها لوجه.. وأنه هو من طعنه.. ضابط مباحث ذكي ولماح أعاد السؤال عدة مرات على الجميع وكانت الإجابة واحدة: "هو اللى قتله .. وهو اللى كان ماسك فيه وبيضربه بالبونيات فى وجهه".. لكن طعنة الغدر جاءت فى ظهر الصغير العاشق.. فكيف كان مواجها لتوفيق وطعنه فى ظهره بهذا الشكل الذى وصفه المحضر والشهود آنذاك.. أعاد استجواب الجميع وظهرت الحقيقة.. الدقن الصغير لم يقتل زميله، شقيق الفتاة الصغيرة هو الذى وجه له الطعنة الغادرة فى الظهر.. انتقاما لشرفه ولكرامته، بعدها بأيام شفى العاشق الصغير وانتهت أسطورة جديدة فى حياة توفيق الدقن المليئة بالأساطير.
حكاية الشيخ توفيق
رغم البراءة والخروج إلا أن الوضع الاجتماعى للصغير المتدين الذى يطلقون عليه "الشيخ توفيق" اهتز بقوة، ولم يعد أحد فى العائلة أو القرية يناديه ياشيخ توفيق، هذا اللقب الذى لازمه منذ كان فى السادسة من عمره بعد أن حفظ كتاب الله وامتك صوتا جميلا يقرأ به القرآن إضافة لموهبة ربانية أخرى فقد كان الجميع يتعامل معه على أنه مكشوف عنه الحجاب.

يشعر بأشياء قبل أن تحدث، ومن يفقد شئ يذهب إليه ليسأله أين يجدها، كان يصمت قليلا ثم يقول له أن يبحث فى مكان محدد وللغرابة كانوا يجدوا المفقودات فى الأماكن التى يحددها حتى لو لم يكن قد زارها من قبل.
وأهالى بعض القرى المجاورة كانا يحضرون إليه ليدلهم على الأشياء التى ضاعت، وكان يحدد المكان بالتقريب رغم أنه لم يزره من قبل، ومن هنا جاءت شهرته مبكرا كطفل مبروك من ربنا وهبه نعمة البصيرة كل ذلك ضاع بعد الإتهام بالقتل ..الجميع استكثر عليه أن يكون مبروكا طيبا وله قلب يحب!
إذا كان هذا هو حكم الناس فقد جاء حكم القدر سريعا ورحيما بتوفيق الدقن للمرة الثانية.. انتقل الأب إلى المنيا مفتشا إداريا على النيابات؛ هناك ترقية جاءت فى وقتها سيأخذ الأسرة كلها وينتقل من القرية لحياة جديدة أكثر هدوء وراحة للصغير الذى تطارده عيون اللوم من العائلة الكبيرة فى القرية ومن كل مدرسيه ومحبيه.

ربما اتهامات الشر والشروع فى القتل التى لاحقته صغيرا هذه كانت جزء مهم من تشكيل عبقريته فقد اختزل صور الشر كلها وأفرج عنها فيما بعد شيئا فشيئا فى أفلامه - أقول ربما -
أما ماذا كان القدر يحبأ له فى المنيا.. وكيف صار محبوبًا وشهيرًا مرة ثانية وكيف تغيرت حياته؟.. حكايات جديدة تستحق عناء الانتظار للحلقة القادمة.

الأكثر قراءة
-
التعليم العالي تعلن الحدود الدنيا للشعبة الأدبية (نظام حديث)
-
تنسيق كلية حقوق 2025 علمي وأدبي.. القائمة الكاملة للجامعات
-
متى تنكسر الموجة الحارة؟.. حالة الجو الأيام المقبلة
-
حشمت في الساحل الشرير!
-
120 دقيقة بالطوارئ.. جولة داخل قصر العيني للبحث عن سبب وفاة سلمى حبيش (خاص)
-
حارب الفقر وآمن بالعدالة.. علي المصيلحي الأب الروحي لـ"تكافل وكرامة"
-
بالمستندات.. زيزو يتقدم ببلاغ للنائب العام ضد الزمالك وجماهيره
-
تجديد حبس سيدة أنهت حياة زوجها بمساعدة 4 من أبنائها في سوهاج

أخبار ذات صلة
تعلم بمصر وعارض "كامب ديفيد".. سمير الحليلي مرشح تل أبيب لحكم غزة
12 أغسطس 2025 05:12 م
حارب الفقر وآمن بالعدالة.. علي المصيلحي الأب الروحي لـ"تكافل وكرامة"
12 أغسطس 2025 11:38 ص
الأهلي (1)│ معضلة الحراس وأزمة الركلات الثابتة.. اختفاء النجوم وتألق زيزو ومرعي
11 أغسطس 2025 09:49 م
افتتاحية الدوري│ تعثر البطل والوصيف ورائعة شحاتة.. سر رقم 4 ونجم رميات التماس
11 أغسطس 2025 05:14 م
أكثر الكلمات انتشاراً