الجمعة، 15 أغسطس 2025

10:07 م

شيرين وحيد
A A

مطاردة في طريق الواحات.. حين تصبح القيادة للمرأة معركة بقاء

لم تكن “رحلة عادية” على طريق الواحات. فتاة تقود سيارتها، تظن أن الطريق المفتوح يعني الأمان، لكن فجأة تتحول المسافة إلى ساحة مطاردة. ثلاث سيارات، يقودها شباب، يطاردونها بلا سبب إلا التسلية أو التسلط. الضغط يزداد، الخوف يتصاعد، والزمن يتحول لثوانٍ طويلة تحبس الأنفاس، حتى تنتهي المطاردة بحادث مأساوي كاد أن يودي بحياتهن.

هذه ليست قصة فردية، بل مرآة لواقع مرير تواجهه النساء في الشوارع، على الطرق، وفي كل مساحة يُفترض أنها ملك للجميع. المرأة التي تمسك بمقود السيارة لا تقود فقط؛ بل تدافع عن حقها في التواجد، في الأمان، في الحياة. وكأن مجرد وجودها في فضاء عام هو استفزاز للبعض، فيختبرون صبرها، قوتها، وربما حياتها.

نحن هنا أمام قضية تتجاوز الحادث نفسه. فالأمر ليس مجرد شباب طائشين على طريق، بل ثقافة مريضة ترى أن جسد المرأة ووجودها مباح للتضييق والملاحقة. 

نلوم الضحية، نسأل: “لماذا كانت وحدها؟ "ملابس عاريه”، ولا نسأل: “لماذا هو يطاردها؟”.

هذه الحادثة تكشف عن جذور أعمق، تتصل بثقافة المجتمع الذكوري الذي يضع المرأة تحت الوصاية، ويتعامل مع تحركاتها كأنها “تجاوز للحدود”. نفس النظرة التي تُحاصر المرأة في بيتها هي التي تبرر التحرش بها في الشارع، ونفس العقلية التي تتغاضى عن العنف اللفظي هي التي تصمت أمام العنف الجسدي.

المجتمع هنا ليس مجرد متفرج ، بل شريك في الجريمة حين يبرر، أو يسكت، أو يلوم الضحية. وكل مرة نصمت فيها، نرسل رسالة ضمنية أن حياة النساء أقل قيمة، وأن الخطر عليهن “طبيعي”. وحتى حين تظهر كاميرات المراقبة أو شهادات المارة، تبقى المعركة الحقيقية في مواجهة الأفكار التي تمنح المجرم شعورًا بالقوة وتجعل المرأة هدفًا سهلًا.

العدالة هنا ليست فقط في معاقبة الجناة، بل في تفكيك الموروثات التي تحوّل العنف ضد المرأة إلى فعل عابر. فكل امرأة على الطريق تحمل على كتفيها عبء أن تثبت أنها تستحق الأمان ، تستحق الوجود . وآن الأوان أن ندرك أن هذا العبء ليس واجبها، بل واجب المجتمع كله، وأن نربي أبناءنا على أن الطريق للجميع، لا لذكور يستعرضون نفوذهم على حساب حياة الآخرين .

search