الأربعاء، 20 أغسطس 2025

08:55 م

عمره 1400 عام.. صليب أثري يُعيد كتابة تاريخ المسيحية في الخليج

الصليب الذي تم العثور عليه

الصليب الذي تم العثور عليه

مصطفى عبدالفضيل

A .A

في اكتشاف أثري استثنائي، عثر علماء الآثار على صليب جصي عمره 1400 عام في جزيرة صير بني ياس بأبوظبي، يكشف عن وجود مجتمع مسيحي مزدهر في منطقة لم تكن مرتبطة تقليديًا بانتشار المسيحية، وهو ما يجعل الاكتشاف ذا قيمة تاريخية ودينية بالغة الأهمية.

تفاصيل اللوحة المكتشفة

القطعة الأثرية تظهر صليبًا يعلوه هرم متدرج يمثل الجلجثة، المكان الذي يُعتقد أن المسيح صُلِب فيه، وتتفرع من قاعدته أوراق شجر، وقد عثر عليها بين أنقاض كنيسة ودير، مما يشير إلى وجود مجتمع مسيحي مزدهر في الجزيرة خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين، وفقًا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية.

القطعة الأثرية المكتشفة

المسيحية في الخليج العربي

ووفقًا لـ"ديلي ميل" كان الاعتقاد السائد أن المسيحية خلال تلك الفترة ارتبطت ببلاد الشام وبلاد ما بين النهرين وأجزاء من أوروبا، إلا أن ظهور مجتمع نشط في جنوب شرق الخليج العربي يعد أمرًا غير متوقع ويعيد النظر في تصورات سابقة، فقد شهدت المنطقة حينها انتشار الإسلام وتراجع المعتقدات الوثنية، وكان يُعتقد أن المسيحية آخذة في التلاشي، لكن هذا الاكتشاف يبرهن على أن المسيحية لم تنقرض، بل ازدهرت وتكيفت مع بيئتها المحلية.

شهادات من علماء الآثار

تقول عالمة الآثار ماريا جاجيوسكا: "كل عنصر من عناصر الصليب يحمل زخارف إقليمية تؤكد أن المسيحية لم تكن موجودة فقط، بل ازدهرت وتكيفت مع بيئتها المحلية".

فيما وصف رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي محمد خليفة المبارك، الاكتشاف بأنه "شهادة على قيم الإمارات العريقة في التعايش والانفتاح الثقافي"، مؤكدًا أن هذا الاكتشاف يعكس تاريخًا من التنوع الديني السلمي في المنطقة.

قطع أثرية مصاحبة

كشفت الحفريات أيضًا عن فخار وزجاجيات من ضمنها زجاجة صغيرة خضراء بحرية، يُرجح أنها كانت تحتوي على زيت أو ماء ورد، ويبلغ طول الصليب نحو 27 سنتيمترًا وعرضه 17 سنتيمترًا وسمكه قرابة 2 سنتيمتر، ويعتقد أنه كان موضوعًا للتبجيل على جدار الكنيسة حيث اعتاد المصلون الركوع أمامه.

أنقاض كنيسة ودير

بصمة صانع مجهول

توضح الباحثة الإماراتية هاجر المنهالي أنها لاحظت أثناء التنقيب أن اللوحة وُجدت ووجهها إلى الأسفل، مضيفة: "لفت انتباهي وجود بصمة مميزة على ظهر الجص، ربما تركها الشخص الذي صنعه".

أبحاث ودراسات مستقبلية

من المنتظر أن تشمل الدراسات المقبلة استخدام تقنية الكربون المشع لمزيد من الدقة في التأريخ، بجانب استكشاف منازل الفناء التي يحتمل دمجها لاحقًا في مسار سياحي أوسع.

حياة رهبانية مزدهرة

تشير الأدلة الأثرية إلى أن الرهبان عاشوا في مبانٍ مشيدة بالحجر الجيري والشعاب المرجانية، مجهزة بصهاريج مياه، مما يدل على ظروف مريحة نسبيًا، وينتمي هذا المجتمع المسيحي إلى كنيسة الشرق، وهي طائفة امتد انتشارها من الشرق الأوسط حتى الصين.

بقايا المباني الموجودة في المنطقة

ارتباط بالمشهد الأوسع

يقدم اكتشاف صير بني ياس دليلاً نادرًا على أن المسيحية لم تنتشر فقط في المنطقة، بل توسعت شرقًا لتربط الخليج العربي بمسار انتشارها نحو الهند وآسيا، ويعود أول اكتشاف لكنيسة ودير في الجزيرة إلى أوائل التسعينيات، كما تم العثور على أديرة مشابهة في أم القيوين عام 2022، إضافة إلى مواقع في الكويت وإيران والسعودية.

لغز التخلي عن الموقع

رغم ازدهاره، تراجع مجتمع صير بني ياس المسيحي لأسباب لا تزال غامضة، ويرجح أن الانقسامات الداخلية في الكنيسة سبقت صعود الإسلام وأسهمت في تفككها، ومع ذلك، تكشف الأدلة أن المجتمعات المسيحية والإسلامية في المنطقة تفاعلت وتاجرت بسلام، دون وجود مؤشرات على نزاع أو كارثة أجبرت السكان على الرحيل، والمدهش أن المباني بقيت نظيفة وخالية تقريبًا من الأنقاض، ما يوحي بأن السكان غادروا طوعًا وربما خططوا للعودة يومًا ما.

search