السبت، 06 سبتمبر 2025

05:12 ص

هويدا طه
A A

قنوات التشهير والتدمير

اللعب بمشاعر الناس والعزف على أوتار أوجاعهم، ونزيف جرحهم وهو في أوجه... هل يا ترى هذا في صالح أهالي الضحايا أم ضدهم؟ وخاصةً عندما تتصارع قنوات "التشهير" وراءهم وعليهم، من أجل انتزاع كشفٍ مأساويّ، عبر الضغط عليهم؛ إمعانًا في زيادة اكتئاب الناس وحزنهم، والفوز بـ"سبق صحفي فضائحي".

أتساءل: لماذا تستخدم كل هذه القنوات، الشرعية وغير الشرعية، أدواتٍ تفتقر في كثير منها إلى آداب وأسس التحضير للقاء أهالي الضحايا، وهم في حالة يُرثى لها؟!

ويحدث الأمر ذاته في لقاء أهالي المتهمين، حيث يُظهرونهم أمام المشاهدين بشكل غير لائق إنسانيًّا، واجتماعيًّا، ومهنيًّا على الإطلاق، على أيدي من يدّعون أنهم أصبحوا مذيعين ومذيعات فجأة على هذه القنوات، التي باتت تابعة لصحف لها اسمها في الوسط الإعلامي والثقافي.

لقد باتوا ينقلون إلينا شعورًا بالضجر من تكرار تفاصيل القضايا في الفيديو الواحد، بشكلٍ ممل، وبأسلوب هجومي، يصحبه صراخ في وجه أهل الضحايا، وسير أقدامٍ "مُصطنع" يأخذنا إلى مكان الحادث بطريقة كاذبة ومُفتعلة، بالإضافة إلى الإسفاف الواضح في نطق الكلمات من قِبل المحاورين، وعدم احترام هيبة الحدث من قِبل مَن بتن مذيعات على قنوات الصحف والمواقع الإلكترونية، التي تطلّ علينا يوميًّا بأعداد مهولة.

هؤلاء يبالغن في صبغ وجوههن بألوان الزينة الصارخة، ويرتدين ملابس ملوّنة مزركشة لا تليق بحرمة الموت، ولا تراعي مشاعر أهالي الضحايا الذين تنزف قلوبهم على فراق أحبائهم، المغدور بأرواحهم... رغمًا عنهم.

وأتساءل: كيف أصبحت مصائب الناس وآلامهم مسرحًا لعرض القنوات المتخصصة وغير المتخصصة، وميدانًا لتنافسها في إظهار الحدث بشكل "مختلف ومنفرد"، ولو على حساب كرامة الناس وفضحهم؟ بل واتهام الأبرياء بأشياء لا ناقة لهم فيها ولا جمل!
المهم فقط: صناعة الإثارة المجانية لحصد أكبر عدد من المشاهدات، وبالتالي، جني المال الوفير.

أعتقد أن مصر، كما هي أم العروبة وأم الدنيا، باتت رائدة في نشر جرائمها وفضائحها أمام المجتمع العربي والدولي، من خلال أشخاص غير مؤهلين لطرح هذه القضايا الشائكة، سواء عبر القنوات "المنزلية" التي يصنعها كل من هبّ ودبّ، أو عبر الصحف والمواقع التي أصبح همّها الأكبر نشر القيل والقال، والتكرار الممل لعرض هذه الجرائم المُعيبة والمُهينة للمجتمع المصري.

وأتساءل للمرة الثالثة: هل ما يحدث على الساحة الإعلامية، وغير الإعلامية، في صالح المواطن العادي وغير العادي؟ أم بات أمرًا متعمدًا لهدمه، وهدم جيلٍ قائم وقادم، محاصرٍ بـ"اللّت والعجن" في جرائم كثيرة منها ما هو مُخِلّ بالشرف، وبالتقاليد والعادات الشرقية المصرية الأصيلة، ويتم تمثيلها أمام أعين الأطفال والمراهقين، الذين يسهل تأثرهم بها وتقليدها؟!

لا أستطيع، من هذه المنصة الصحفية، إلا أن أقول: كفاكم، يا من تصنعون شهرتكم من فضائح الناس في عقر جراحهم... فقد يكونون يومًا ما من أهلكم، أو أقاربكم، أو أصدقائكم.

رحماك يا الله من بعض وسائل الإعلام "بلا قدمين"... تصعد بسرعة البرق نحو الهاوية! على مسؤولي الإعلام والثقافة أن يوقفوا هذه المهزلة بيدٍ من حديد.

title

مقالات ذات صلة

لحظة فارقة

31 أغسطس 2025 06:19 م

عودة قابيل

28 يوليو 2025 10:34 ص

search