الإثنين، 25 أغسطس 2025

08:41 م

مكنة غزل المحلة طلعت أساطير.. من صواريخ "ع ع" والفانتوم لـ مارشال أفريقيا

غزل المحلة

غزل المحلة

محمود موسى

A .A

في عام 1936، كانت مصر على موعد مع حدث جديد، وهو تنصيب ملك آخر على العرش، الملك فاروق الأول، كما بزغ نجم طلعت حرب رجل الاقتصاد الأول آنذاك، الذي حوّل حلم إنشاء أول بنك مصري إلى حقيقة، كما أسّس أول استوديو للسينما المصرية وهو استوديو مصر.

كان لـ طلعت حرب أيضًا دور بارز في مجال الصناعة بمدينة المحلة الكبرى، إذ أسس أول شركة للغزل والنسيج، ومنها انطلقت شرارة تكوين فريق كرة قدم سيصبح علامة فارقة في تاريخ الرياضة المصرية، هو نادي غزل المحلة.

تأسيس نادي غزل المحلة

وتأسس نادي غزل المحلة كامتداد لتاريخ صناعي ورياضي عريق بمدينة المحلة الكبرى، ليصبح رمزًا للمدينة ومصدر فخرها، مقدمًا عبر العقود مدرسة كروية متكاملة أنتجت جيلًا من النجوم الذين تركوا بصمة خالدة في تاريخ كرة القدم المصرية، وحقق النادي إنجازات محلية جعلته واحدًا من أهم الأندية في المشهد الكروي المصري.

طلعت حرب

وبدأت الحكاية حينما مارس بعض الخبراء الإنجليز العاملين في الشركة كرة القدم مع عمال المصانع، فتشكلت فكرة إقامة دوري داخلي، وهنا ظهر توفيق عبدالفتاح حمادة، ابن محافظة الدقهلية، الذي سعى جاهدًا لتأسيس أول فريق كروي لغزل المحلة.

وفي عام 1939 تكوّن أول فريق رسمي للنادي، وضم لاعبين بارزين مثل أنور سليم، الحارس اليوناني كوستا، وأبو ليلة، ممدوح مختار صقر وعبدالرحمن فوزي، قبل أن ينتقل الفريق من دوري الشركات إلى دوري منطقة بحري.

ظهور الأساطير

مع صعود النادي إلى الدوري الممتاز موسم 1956-1957، ظهرت أسماء لامعة، أبرزهم عصمت بهنسي أحد ثلاثة أشقاء لعبوا للنادي، كما ظهر الحارس الكبير فتحي خورشيد، الملقب بـ"السد العالي" و"الهرم الريفي"، الذي كان أحد أعظم حراس المرمى في حقبة الخمسينيات والستينيات.

شارك خورشيد مع منتخب مصر في دورتي الألعاب الأولمبية بروما 1960 وطوكيو 1964، كما مثّل الفراعنة في بطولة كأس الأمم الأفريقية 1963 بغانا، التي حصد فيها المنتخب المركز الثالث. 

كما تألق الأجانب في النادي، مثل اليوناني ياني كميانيديس الذي استمر مع الفريق حتى عام 1963 وسجّل 18 هدفًا في الدوري وهدفًا في الكأس، قبل انتقاله إلى باناثينايكوس، إذ توج بلقب الدوري اليوناني.

“الفلاحين غلبوا البندر”

تأثرت مصر كثيرًا بهزيمة 1967، توقفت بطولة الدوري لسنوات، ما قلل من فرص الاحتكاك الكروي، لكن غزل المحلة، بصفته نادي شركة، حافظ على نشاطه من خلال استمرار دوري الشركات، ما أبقاه في أجواء المنافسة.

ومع اقتراب عودة النشاط الكروي، عاد نجوم غزل المحلة لتمثيل منتخب مصر، وعلى رأسهم المهاجم الموهوب حنفي هليل، الذي تألق في مباراة مصر أمام ليبيا ببطولة أفريقيا على استاد القاهرة، حين سجل هدفين قادا المنتخب للفوز بنتيجة 2-1.

حقق غزل المحلة بطولة الدوري موسم 1972-1973 بقيادة النجوم الكبار محمد السياجي وعبدالرحيم خليل وعماشة وعبدالدايم وعبدالستار علي وعمر عبدالله وغيرهم من أفراد الجيل الذهبي لنادي غزل المحلة، كما حل وصيفًا في موسم 1975-1976.

وأطلق الأستاذ الكبير نجيب المستكاوي في البداية على الفريق لقب "الحيثيين"، ثم غيره إلى لقب "الفلاحين"، نظرًا لموقع النادي في محافظة الغربية.

وعندما استطاع الفريق اقتناص بطولة الدوري من القطبين، كتب الأستاذ حمدي النحاس، مستعيرًا لقب الفلاحين من شيخ النقاد، أحد أشهر مانشيتات الصحافة المصرية الرياضية “الفلاحين.. غلبوا البندر”.

مارشال أفريقيا

كما أطلق المستكاوي العديد من الألقاب على نجوم الفريق، ومن أبرزها مربع صواريخ "ع ع"، المكوّن من رباعي خط الهجوم عمر عبدالله وعبدالرحيم خليل وعماشة وعبدالدايم.

كما أطلق شومة على الظهير محسن الحريري بعد تسجيله هدفًا صاروخيًا في شباك دمياط خلال الأسبوع السادس، لتصبح بدايته مع الفريق حديث الجماهير والنقاد على حد سواء.

وأطلق أيضًا على نجم دفاع منتخب مصر وغزل المحلة، محمد السياجي، لقب "مارشال أفريقيا" بعد مستواه الرائع في مباراتي مصر وزامبيا ضمن تصفيات كأس العالم 1978.

أما عبدالرحيم خليل الذي لعب كجناح أيمن وأيسر، أطلقت عليه الصحافة لقب "الفانتوم" نسبة إلى الطائرة الشهيرة، كما عرف أيضًا بلقب "جارينشيا الفلاحين" نسبة إلى نجم منتخب البرازيل.

وبعيدًا عن الجيل الذهبي في السبعينيات، ظهرت أسماء لامعة في تاريخ غزل المحلة على سبيل المثال لا الحصر شوقي غريب، أحمد المحمدي، وائل جمعة، خالد عيد، محمد عبدالشافي، محمود فتح الله، أيمن مشالي، صابر عيد، إكرامي عبدالعزيز، محمود صبحي، عبداللطيف الدوماني، إمام عاشور وغيرهم من نجوم غزل المحلة.

الحظ يقف أمام زعيم “الفلاحين”

وحقق غزل المحلة خلال تلك الحقبة إنجازات كبيرة على الصعيد القاري، إذ وصل إلى نهائي بطولة الأندية الأفريقية أبطال الدوري عام 1974، قبل أن يسر أمام نادي كارا الكونغولي، وكرر الإنجاز بالوصول إلى نصف النهائي عام 1975، ليُهزم أمام نادي رينجرز النيجيري.

كانت المشاركة الوحيدة الأخرى للنادي في مسابقة أفريقية في كأس الكؤوس الأفريقية عام 2002، إذ خرج من ربع النهائي، وتمكن من الوصول إلى نهائي كأس مصر 6 مرات، لكن الحظ لم يحالفه في أي منها ولم يتمكن النادي أبدًا من الفوز بالكأس.

كما حل نادي غزل المحلة وصيفًا في كأس السوبر المصري الأول عام 2001، إذ شارك وصيفًا لكأس مصر بعد انسحاب بطل كأس مصر، الإسماعيلي من المسابقة. 

وشارك في كأس الكؤوس العربية عام 1995، التي أقيمت في تونس، إذ حقق المركز الثالث، كما شارك في دوري أبطال العرب 2004-2005، لكنه خرج من دور المجموعات بعد أن احتل المركز الرابع في المجموعة الثانية.

بداية السقوط

 طوال تاريخه، هبط غزل المحلة إلى دوري الدرجة الثانية المصري أكثر من مرة، كانت المرة الأولى في موسم 1960-1961 عندما هبط بدلاً من اتحاد السويس، بسبب عدم اللعب النظيف في مباراته ضد الترسانة، لكنه تمكن من الصعود إلى الدرجة الأولى مرة أخرى في الموسم التالي. 

سقط غزل المحلة مجددًا في موسم 1994-1995، عندما احتل المركز الثاني عشر في الدوري المصري الممتاز، وهو أسوأ مركز وصل إليه النادي في 23 عامًا. 

على الرغم من أنه يمكن القول إن سقوط غزل المحلة بدأ في الموسم السابق، لذا عندما احتل المركز التاسع، وهو أسوأ مركز وصل إليه في 15 عامًا، إلا أنه في الموسم التالي، 1995-1996، هبط للمرة الثانية في تاريخه.

غزل المحلة تمكّن مرة أخرى من الصعود إلى الدرجة الأولى في الموسم التالي، ثم هبط للمرة الثالثة في الموسم الذي تلاه 1998-1999، ثم نجح مرة أخرى في الصعود.

بعد الصعود الثالث إلى الدوري الممتاز، بدأ أداء غزل المحلة في التذبذب على مدار المواسم التسعة التالية بدءًا من موسم 2000-2001 واحتلال مراكز بين الرابع والثاني عشر.

أدى هذا في النهاية إلى هبوط المحلة للمرة الرابعة إلى دوري الدرجة الثانية المصري في موسم 2009-2010، واستغرقه الأمر 3 مواسم للصعود مرة أخرى إلى الدوري الممتاز في موسم 2012-2013.

هبط المحلة إلى دوري الدرجة الثانية في موسم 2015-2016، للمرة السادسة في تاريخه، وقضي أطول فترة بعيدًا عن الدوري بعد أن أمضى 4 مواسم في دوري الدرجة الثانية المصري قبل أن يعود في 13 أكتوبر 2020.

في تلك الليلة امتلأت شوارع المحلة الكبرى بآلاف من جماهير غزل المحلة احتفالاً بصعود النادي وتجمعوا عند مدخل المدينة في انتظار وصول الفريق من الإسكندرية بعد الفوز على الأولمبي.

 وعند وصول حافلة الفريق وقف اللاعبون فوق الحافلة واحتفلوا مع الجماهير، إذ انطلق موكب ضخم زينته أصوات الطبول وهتافات الجماهير التي عبرت عن سعادتهم الغامرة بعودة الفريق.

هبط غزل المحلة مرة أخرى، قبل أن يعود في عام 2024، ويستمر حتى الآن في الدوري المصري.

زعيم الفلاحين طالما أمتعنا بمواجهاته المثيرة أمام الأهلي والزمالك، ومن ينسى أيضًا ديربي الغضب المصري بين الغزل وبلدية المحلة أحد أهم الدربيات على الإطلاق.

لم يكن غزل المحلة مجرد نادٍ جماهيري فحسب، بل كان مدرسة كروية متكاملة قدّمت مواهب لا تُنسى، ومنذ نشأته وحتى اليوم ظل النادي رمزًا لمدينة المحلة الكبرى وواحدًا من القلاع التاريخية لكرة القدم المصرية.

search