الجمعة، 05 سبتمبر 2025

09:43 ص

رشدي الدقن
A A

رشدي الدقن يكتب: حلاوة زمان

كل سنة وأنتم طيبين.. هذه الأيام نعيش الاحتفال بالمولد النبوى الشريف. وطبعا الاحتفال في مصر له طقوس مش هتلاقيها غير عندنا.. يعني هتلاقي عروسة وحصان.. فولية وسمسمية.. لوزية وبندقية.. وغيرها وغيرها.. بس عمرك سألت إيه حكاية العروسة والحصان.

اسمع مني، النهارده حكاية أول عروسة حلاوة.. اتعملت إمتى وليه؟.. مش بس كده أنا كمان هحكي لكم عن شارع في القاهرة بقى له 1000 سنة شغلته يعمل لنا حلويات المولد... الشارع ده اسمه باب البحر.

"عروسة المولد" ظهرت في مصر في عهد الحاكم بأمر الله.. وقتها كان العرف أن الخليفة وزوجته يلبسوا أبيض في أبيض ويخرجوا يلفوا في الشوارع  والناس تحييهم.

صناع الحلاوة فكروا إزاي يكسبوا ود الحاكم بـأمر الله فعملوا عروسة حلاوة صغيرة لابسة أبيض.. ولما لقوا الخليفة فرح بيها عملوا كمان حصان وعليه فارس شايل سيف. ومن وقتها لحد النهارده فضلت عروسة المولد والحصان الحلاوة أساسي في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
طيب بيصنعوا العروسة إزاي؟

في شارع اسمه باب البحر.. بس الأول أقول لك: مراحل صناعة العروسة من زمان لحد النهارده.. بتبدا بتسخين السكر لحد ما يوصل لدرجة الغليان ويتحول من مادة صلبة لسائلة، وبعدها يتصب في قوالب خشبية واخدة شكل العروسة أو الحصان، وبيسيبوها في القوالب دي لحد ما تبرد وتجف.. ويفكوا القالب من عليها... وتدخل المرحلة الأخيرة، تتزين بالأوراق الملونة، وبعدها تبقى العروسة جاهزة للبيع.

نرجع بقى لحكاية شارع البحر.. الشارع اللي مليان ورش ومحلات بتبيع حلاوة المولد من ألف سنة وأكتر إيه حكايته؟

ده الشارع الرئيسي لكل اللي كانوا بيجوا يزوروا سيدنا الحسين ويحضروا المولد بتاعه.. وسكانه زي ما المؤرخين قالوا كلهم وصلوا مصر مع جوهر الصقلي. وكان بدايته باب مهم من أبواب القاهرة.. وبيربط بين منطقة باب الحديد اللي اسمها دلوقتي رمسيس ومنطقة الحسين مرورا بباب الشعرية وبيتقاطع مع شارع الفجالة.

اتسمى باب البحر على اسم شيخ كبير كان عايش في الشارع وله مسجد ومقام موجود لحد النهارده اسمه "سيدي محمد البحر". وده واحد من علماء الدين الناس كانت بتلجأ له... تسمع رأيه وتسأله في الأمور الفقهية.. وكان محبوب من الجميع.. ولما مات عملوا له مسجد ومقام في نفس المكان اللي كان عايش فيه.

شهرة الشارع في صناعة حلاوة المولد.. بدأت مع مرور الزائرين لسيدنا الحسين.. كانوا وهما رايحين أو راجعين بيشتروا منه حلاوة وحمص، وواحدة واحدة اتطورت صناعة حلاوة المولد وبقى لها مصانع  ومعارض كبيرة في الشارع.. وفي نفس الوقت فضلت الورش الصغيرة تعمل الحلاوة صناعة يدوية وتبيعها بأسعار أقل بكتير من المحلات.

ومن هنا جت شهرته.. وبقى السوق الرئيسي والأكبر لبيع حلويات المولد بكل أنواعها وأصنافها... وفضلت العروسة الحلاوة والحصان بشكلهم التقليدي موجودين هناك لحد النهارده.

قبل المولد النبوي بأسبوعين تلاتة، ولحد يوم الاحتفال بيعتبر الموسم الرئيسي للشغل في الشارع. هتلاقي سرادقات كبيرة اتنصبت والحلاوة اترصت بأشكال وأحجام تفتح النفس، والتجار بيتفننوا في تزيين المحلات..

وطول ما أنت ماشي مش هتسمع غير “صلى على النبي”.. ببساطة هتحس إنك في كرنفال حقيقي وإنك رجعت للقاهرة من ألف سنة.

التجار والصنايعية في باب البحر ما وقفوش عند العروسة والحصان والسمسمية والحمصية.. كل يوم بيطوروا نفسهم أكتر وأكتر. يعني هتلاقي كل أنواع المكسرات، زي الفستق والكاجو، و ابتكارات حديثة من الحلوى مضاف عليها قمر الدين والمشمش المجفف والكريز والقراصيا.. وغيرها وغيرها.

الخلاصة في كلمتين.. كل الاحتفالات في مصر ليها طعم تاني.. طعم ما حدش يعرفه ولا هيعرفه غير المصريين.. 

search