الخميس، 18 سبتمبر 2025

10:30 م

خطة مدبرة.. كيف تدير إسرائيل تدمير الاقتصاد الفلسطيني بالضفة الغربية؟

الاقتصاد في الضفة الغربيىة

الاقتصاد في الضفة الغربيىة

تواصل إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 تضييق الخناق على الفلسطينيين في كل مكان، خاصة حصار الضفة الغربية اقتصاديا.

رؤوف، عامل بناء فلسطيني من الضفة الغربية، عاد إلى عمله في إسرائيل مرة واحدة فقط في يوليو 2024، وبعد تسلق الجدار الفاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل، ألقت الشرطة الإسرائيلية القبض عليه خلال مداهمة في موقع عمله، وسُجن لمدة 38 يومًا لدخوله دون تصريح، الآن بعد عودته إلى الضفة الغربية، مُنع من دخول إسرائيل حتى عام 2027، بحسب صحيفة “فورين بوليسي”.

تم إلغاء تصريح رؤوف، الذي لم يرغب في استخدام اسمه الأخير لحماية هويته، عندما هوجمت إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، كما حدث مع حوالي 115 ألف فلسطيني من الضفة الغربية كانوا يحملون تصاريح عمل، بعد نحو عامين على الحرب، لم يتم إعادة سوى حوالي 8000 تصريح.

 البطالة تتجاوز 30% في الضفة الغربية

مع مئات الآلاف من الفلسطينيين العاطلين عن العمل، ارتفعت البطالة بشكل كبير لتتجاوز 30% في الضفة الغربية، وفقًا لآخر بيانات جُمعت في سبتمبر 2024 - لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق. (قبل شهر من بدء الحرب كانت 12.9%).

مقارنة بالعمل المستمر الذي كان يحصل عليه في إسرائيل، لم يجد رؤوف وظيفة دائمة في الضفة الغربية. وبدلاً من ذلك، يدبر أموره بوظائف متفرقة، مثل تنظيف الشوارع مقابل 50 شيكل إسرائيلي يوميا (حوالي 15 دولارًا)، ففرص العمل بخلاف انها نادرة في الأراضي المحتلة، ولكن القيود الاقتصادية التي تفرضها إسرائيل منذ ما قبل الحرب - مثل حجب عائدات الضرائب الفلسطينية - خنقت سوق العمل في الضفة الغربية.

في السنة الأولى من الحرب، وجد مسح أجرته منظمة العمل الدولية أن أكثر من 50% من العاملين في الضفة الغربية انخفضت ساعات عملهم، وأكثر من 60% انخفضت دخولهم، و65% من الشركات خفضت قوتها العاملة.

نقص الوظائف المتاحة في الضفة الغربية إلى جانب قطع الخيارات القانونية للعمل في إسرائيل يعني أن المزيد من العمال يعرضون حياتهم للخطر لمجرد كسب لقمة العيش.

نتيجة للبطالة التي تقترب من مستويات قياسية هي تضاعف معدل الفقر في الضفة الغربية بعد عام واحد من الحرب، وفقًا للخبير الاقتصادي الفلسطيني ناصر عبد الكريم، الذي قال إن ثلث العائلات هناك تعيش الآن في فقر.

وقال عبد الكريم: "كان مصدر النقد للاقتصاد الفلسطيني، وخاصة الضفة الغربية، هو الأجور من العمال الفلسطينيين في إسرائيل".

على الرغم من أهمية فقدان الوظائف، إلا أنه ليس العامل الوحيد في معادلة تدهور اقتصاد الضفة الغربية.

 إسرائيل تحجب عائدات الضرائب 

حتى قبل الحرب حجبت إسرائيل عائدات الضرائب التي كانت مخصصة للضفة الغربية، ومنذ عام 2019، وكعقاب على المدفوعات التي تُقدم لعائلات الأسرى، والفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية، حجبت إسرائيل ما يقرب من 8 مليارات شيكل (حوالي 2.3 مليار دولار) من عائدات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، وهي الهيئة الحاكمة في الضفة الغربية. 

وتنص اتفاقيات أوسلو - اتفاق السلام المؤقت الذي تم توقيعه في التسعينيات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية - تجمع وزارة المالية الإسرائيلية عائدات الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية وتحول الأموال شهريًا.

وبعد 7 أكتوبر 2023، قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي حجب عائدات ضرائب إضافية تُستخدم خصيصًا لدفع رواتب موظفي القطاع العام في السلطة الفلسطينية في غزة، بحجة أن الأموال قد تصل إلى أيدي حماس. 

تدير الحركة قطاع غزة، بينما تدير السلطة الفلسطينية إلى حد كبير كشوف رواتب موظفي الوزارات في الشؤون الاجتماعية والصحة والتعليم.

احتجاجًا على ذلك، رفضت السلطة الفلسطينية قبول أي من تحويلات عائدات الضرائب المتبقية من إسرائيل، ولذلك، في يناير 2024، قررت إسرائيل وضع أموال غزة في صندوق ائتماني مقره النرويج يتم الإفراج عنه بإذن من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش. 

استمر النظام حتى مايو 2024، عندما اعترفت النرويج بدولة فلسطينية، مما أغضب سموتريتش، الذي أنهى الاتفاق، على الرغم من عدة مدفوعات منذ انتهاء الاتفاق، إلا أن عائدات الضرائب لا تزال محتجزة للأشهر الأربعة الماضية.

حتى عندما كان يتم تحويل بعض الأموال، لم تستطع الحكومة سوى دفع ما بين 50% إلى 70% من الرواتب. وبدون الأموال المستحقة، تضطر السلطة الفلسطينية للاقتراض من البنوك لدفع الأجور.

قال عبد الكريم: "لهذا السبب ارتفع الدين العام إلى ما يقرب من 13 مليار دولار، وهو ما يزيد عن 130% من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين".

إلغاء إعفاء الحماية للبنوك الإسرائيلية

ما يزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية، أصدر سموتريتش أمرًا في يونيو بإلغاء إعفاء الحماية للبنوك الإسرائيلية التي تتعامل مع المؤسسات المالية التابعة للسلطة الفلسطينية، بعد ساعات من فرض المملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج عقوبات مشتركة على سموتريتش.

 هذا الإعفاء، الذي يُصدر سنويًا، يحمي البنوك الإسرائيلية من الإجراءات القانونية المحتملة إذا اتهمت السلطة الفلسطينية بتمويل الإرهاب، وبدونه، من المرجح أن تقطع هذه البنوك الإسرائيلية علاقاتها مع نظيراتها الفلسطينية، ما سيؤدي إلى ظهور اقتصاد نقدي وسوق سوداء.

بينما تعمل سلطة النقد الفلسطينية كبنك مركزي، إلا أنها غير قادرة على طباعة أموالها الخاصة وتعتمد بشكل كبير على علاقاتها مع البنوك الإسرائيلية، إن قطع الرابط المالي بين الضفة الغربية وإسرائيل سيعطل التجارة في الأراضي المحتلة ويعزل البنوك الفلسطينية عن النظام المالي العالمي. قرار سموتريتش لن يدخل حيز التنفيذ حتى نوفمبر، عندما يحين موعد تجديد الإعفاء.

كتب إيهاب محارمة، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى "فورين بوليسي": "إذا قطعت البنوك الإسرائيلية علاقات المراسلة مع البنوك الفلسطينية، فسيكون الاقتصاد غير قادر على استيراد الطاقة والغذاء، أو دفع ثمن الخدمات، أو حتى تغطية رواتب القطاع العام".

فائض من الشيكلات الإسرائيلية في السوق الفلسطينية

ما يزيد من مشاكل فلسطين النقدية هو وجود فائض من الشيكلات الإسرائيلية في السوق الفلسطينية - كجزء من اتفاقيات أوسلو - وضع بروتوكول باريس للعلاقات الاقتصادية، الذي تم توقيعه في عام 1994، علاقات الجمارك والتجارة والضرائب بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وفرض استخدام الشيكل الإسرائيلي كعملة في الأراضي المحتلة.

مع هذا البروتوكول، تقبل إسرائيل تحويل الشيكلات من البنوك الفلسطينية إلى البنوك الإسرائيلية المرسلة بحد أقصى 18 مليار شيكل سنويًا، ومع ذلك، في العقد الماضي، اكتسبت السوق الفلسطينية فائضًا من هذه الأموال.

قال رجا خالدي، المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني: "جاء الفائض من حقيقة أن الاقتصاد الفلسطيني نما 10 أضعاف منذ عام 1995. ولكن أيضًا لأن هناك تدفقات مختلفة تأتي إلى الاقتصاد اليوم عما كانت عليه في عام 1995، مثل الأموال التي تتدفق من عرب إسرائيل والعمال الفلسطينيين".

وقال عبد الكريم: "الشيكلات ليست متداولة في الاقتصاد، لذلك ينتهي بها المطاف في البنوك، التي لا تقبل الودائع الضخمة حاليا، ولهذا السبب يجد الفلسطينيون صعوبة في تغطية شيكاتهم والقيام بالتحويلات، بسبب القيود على الودائع. كما أن البنوك تجد صعوبة في تمويل صادرات التجارة من إسرائيل لأنها ببساطة لا تملك رصيدًا كافيًا في حساباتها".

مداهمات مراكز الصرافة في الضفة الغربية

مع الحرب، كثف الجيش الإسرائيلي مداهماته على مراكز الصرافة في الضفة الغربية، وبحجة أن هذه المداهمات ضرورية لمنع تمويل الإرهاب، استولى الجيش الإسرائيلي على ملايين الدولارات منذ أكتوبر 2023 من هؤلاء الصرافين، رغم تصريح إدارة بايدن في عام 2023 إنها تعتقد أن البنوك الفلسطينية تلتزم بالمعايير العالمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وأوضح محارمة أن العمال الفلسطينيين والشركات في الضفة الغربية يعتمدون بشكل كبير على هذه المراكز لمعالجة الشيكات المؤجلة، وإرسال المدفوعات، واستلام الأموال من الخارج، وهو ما أصبح حيويًا بشكل خاص نظرًا للقيود المالية العديدة التي فرضتها إسرائيل على البنوك الفلسطينية.

وقال محارمة: "هذه المحلات ضرورية لأنها تتداول الدولار الأمريكي والدينار الأردني، وهما عملتا الادخار المفضلتان على الشيكل الإسرائيلي، وتعطيلها يخلق نقصًا حادًا في النقد مما يجعل المعاملات اليومية أكثر صعوبة. تقييد هذه المحلات يرقى إلى استهداف الحياة اليومية نفسها، وتحويل ضرورة أساسية للبقاء إلى أداة أخرى للضغط على الفلسطينيين نحو الهجرة".

مع تدهور المسار الاقتصادي للضفة الغربية، من المرجح ألا يكون هناك الكثير مما يمكن فعله لمنع انهيار تام.

 الاقتصاد الفلسطيني مشلول بسبب إسرائيل

قال عبد الكريم: "على المستوى التقني، لا يمكن للسياسة الفلسطينية أن تفعل أي شيء، باستثناء تخفيضات الميزانية وزيادة الإيرادات"، مؤكداً أن هذه الأساليب إما تم تطبيقها بالفعل من خلال خفض الرواتب، أو لا يمكن فرضها، كما هو الحال مع زيادة الضرائب على سكان يزدادون فقرًا.

لذلك، يرى الخبراء الذين تمت مقابلتهم أن الحل الوحيد للأزمة المالية الفلسطينية المستمرة هو حل سياسي: بإقامة السيادة الفلسطينية، بدلاً من وجود قيادة متشابكة مع الاقتصاد الإسرائيلي.

search