
في صحة المواطن.. والحكومة!
أنا مهموم إلى حد كبير بقطاع الصحة، ومدى جودة الخدمات التي يحصل عليها المواطن، خاصة في المحافظات الأكثر فقرًا، فقد رأيت بعيني مشاهد توجع القلب، مثل مرضى لا يجدون أي رعاية سواء فائقة أو غيرها في العناية المركزة، وأذكر في زيارة لشخص عزيز (رحمه الله) أن هناك من كان يدخّن في الغرفة، فضلًا عن عدم توافر مضادات حيوية ما استلزم شراءها من الخارج!
أدرك جيدًا أن المسؤولية صعبة، والأعباء ثقيلة في ظل عدد السكان الكبير، والظروف الاقتصادية المعقدة، كما أقدِّر كثيرًا حجم الإنجازات التي تحققت في التصدي لأوبئة وأمراض كانت مستوطنة في بلادنا مثل فيروسات الكبد الوبائي، لكن أجزم كذلك أن الحكومة تبالغ كثيرًا حين تتحدث عن الطفرة المذهلة في الخدمات الصحية التي تقدمها للمواطن.
في أحدث بيانات الحكومة التي نشرت بصفحة رئاسة مجلس الوزراء على “فيسبوك”، ذكرت تحت شعار "صحة المواطن أولًا" أن قيمة الإنفاق على القطاع الصحي بلغت نحو 618 مليار جنيه في موازنة 2025-2026، وارتفعت تكلفة العلاج على نفقة الدولة إلى ستة أضعاف خلال السنوات العشر الأخيرة، كما ارتفع عدد المنتفعين من التأمين الصحي إلى 54.2 مليون مواطن وفق إحصائيات العام الجاري!
وتضمن البيان رسومًا بيانية، تُصوّر واقعًا بديعًا لمدى التطور الذي حل بالقطاع الصحي، لكن لا أعتقد أن ناشري البيان نزلوا بأعينهم قليلًا إلى تعليقات المواطنين على المنشور، فلا أحد كتب تعليقًا إيجابيًا واحدًا يعكس تقديرًا أو حتى تصديقًا لما ذكر!
سيدة شكت من قوائم الانتظار الطويلة لعمليات القلب، وآخر تحدث عن مشاكل التأمين الصحي غير المفعّل عمليًا، ولا يجد حاملوه الدواء، وكيف يتم إجبارهم على إجراء التحاليل والأشعات خارج المستشفيات لتعطل الأجهزة أو لأسباب أخرى.
ومواطن كتب بشكل مختصر، يا ريت تشوفوا طوارئ قصر العيني بالليل وبعدين تتكلموا، ورابع قال “إن قسم العناية المركزة بمستشفى الجامعي التخصصي بالإسماعيلية لا يوجد به دواء، أغيثوا المرضى!”.
الناس في وادٍ والحكومة في وادٍ آخر، وأنا بكل تجرد لا أوجه لومًا أو عتابًا، لكنه التماس وربما رجاء بالتوقف عن تجميل واقع صعب، فالناس يعانون بما فيه الكفاية في توفير لقمة العيش والتحايل على الغلاء، لذا لا يجب أن نحرمهم فرص الحصول على العلاج بطريقة إنسانية ورمزية، فمن المؤلم أن تفقد عزيزًا لديك لأنك لا تجد سبيلًا إلى مستشفى، أو ثمن دواء أو قدرة على إجراء جراحة!
نعرف جميعًا أن صندوق النقد الدولي وضع شروطًا في اتفاقه مع الحكومة المصرية منها إتاحة مجال أوسع للقطاع الخاص، وترجمت هذه الشروط في حزمة من الإجراءات والقوانين، تضمنت قانون تأجير المستشفيات الحكومية، الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام مزيد من الاستغلال التجاري، وتحويل الصحة من حق أساسي للمواطن إلى سلعة تُباع وتُشترى!
أكتب هذا المقال تحديدًا بناءً على توصية ومطالبات من أعزاء عانوا كثيرًا في الحصول على خدمات الصحة، ومروا بظروف مؤلمة مع ذويهم خلال رحلة التداوي، بداية من عدم وجود أسِرة لهم في المستشفيات، مرورًا بعدم توافر الخدمات المجانية، وانتهاء بإجبارهم على التوجه لمستشفيات خاصة، وبيع ممتلكاتهم البسيطة لسداد قيمة عملية جراحية أو علاج!
وألتمس إنسانيًا من صاحب القرار ألا يقلل من حجم هذا الخلل الكبير في أحد أهم القطاعات التي تمس المواطن المصري في أغلى ما يملك، وهو صحته.
أخاطبكم إنسانيًا، فكم أكدتكم أن الشعب المصري أثبت صلابة وقدرة على التحمل في صمت وألم صعوبات السنوات الأخيرة، سواء موجات الغلاء أو القرارات الصعبة التي أثرت على كل مناحي حياته، لذا أتمنى أن تكافئوه بوضع صحته على رأس قائمة أولوياتكم.
وأنا هنا لا أتحدث عن الأغنياء القادرين على العلاج في أفضل المستشفيات، بل على البسطاء من غالبية الشعب المصري، الذين لا يستطيعون تدبير ثمن العلاج في أصغر مستوصف.
الشعب المصري تكافلي ومتراحم، وكثير من المرافق الصحية تعتمد على التبرعات، كما أن الناس فيما بينهم لا يتوانون أو يبخلون بأبسط ما يملكونه لمساعدة بعضهم بعضًا، لكن من الضروري أن تزيد الحكومة من اهتماماتها بقطاع الصحة، وتوجه ميزانيتها إلى الفئات الأكثر احتياجًا، حتى يبارك الله في هذا الوطن وفي صحة أبنائه.

الأكثر قراءة
-
عمدة صعيدي ينقذ فتاة من التشرد في شوارع الإسكندرية.. وهذا موقف والدها
-
ملك إسبانيا يقع في حب الملوخية.. ويشيد بالضيافة في الأقصر
-
"انقذوا نور عيون ولادي".. أم تستغيث من مرض نادر أصاب صغارها الثلاثة
-
شقيق مروة ضحية زوجها ببورسعيد: خدعنا بمظهره المحترم.. واستغلها ماديا
-
شهادات ادخار بنك مصر 2025.. عوائد تصل لـ21.75%
-
محافظ كفر الشيخ يعتمد 13 حيزًا عمرانيًا جديدًا
-
فتاة تتهم شابًا بـ"لمسة ممنوعة" في السويس.. والمفاجأة في تصرف المارة
-
الأرض تشعل مشاجرة بين أبناء عمومة في الفيوم.. ومزارع في حالة حرجة

مقالات ذات صلة
حين نتحدث عن محمود الخطيب
13 سبتمبر 2025 04:56 م
فلاح من المنوفية!
08 سبتمبر 2025 06:13 م
هايدي.. عندما يتحول النبل إلى سخافة!
29 أغسطس 2025 03:05 م
رسالة من "عربي" إلى المصريين.. وإنسانية طفلة
26 أغسطس 2025 06:08 م
أكثر الكلمات انتشاراً