استغاثة أم.. ساعدت زوجها للسفر فأرسل لها ورقة طلاق ونسى ابنتيه

رنا ورنده
في إحدى الشقق المتواضعة بالقاهرة، تعيش أم ابنتيها التوأم، امرأة تحمل وجع الغياب على كتفيها، تتأمل وجه ابنتيها بعد مضي 11 سنة كاملة منذ أن تركها زوجها وسافر إلى إيطاليا دون رجعة.
سافر الأب ولم يترك خلفه سوى قسوة الغياب، وأمً تقاوم الفقر والوحدة وحدها، تحاول أن تملأ فراغ رجل اختار أن ينقطع عن أهله وبيته، وأن يترك طفلتين (رنا ورنده) لم تعرفا عنه سوى الاسم فقط، وكبرتا دون أن تسمعا صوته أو تعرفانه، بعد أن بدأ حياة جديدة بعيدًا عن أسرته، لتتحول الأيام إلى سلسلة طويلة من الانتظار والخذلان، وصار الحلم الوحيد للأم أن تجد لبناتها سندًا، أو أن يصل صوتها إلى أذن مسؤول يرد إليهن حقًّا ضائعًا.
بداية القصة
"صعب أوي تعيش لوحدك ومعاك بنات بتكبر ومافيش أب يسأل عليهم.. ولا أهل يمدوا إيدهم.. ولا فلوس تسندك"، بهذه الكلمات بدأت صباح فرج السيد، سيدة مصرية من المنصورة، تروي قصتها في حديث خاص لـ"تليجراف مصر" والدمعة تسابق الكلمة، علّ صوتها يصل إلى من يستطيع إنقاذ ابنتيها من مستقبل مجهول.
تستعيد "صباح" بدايات الحكاية فتقول إنها كانت صاحبة الفضل الأول في سفر زوجها، فلم يكن يمتلك المال ولا المكان، وكانت الحياة عسيرة عليه، فأشارت عليه بالسفر لعله يجد هناك ما لم يجده هنا من رزق.
باعت كل ما تملك لأجله
باعت الزوجة ما لديها واقترضت من إخوتها حتى تؤمّن له طريقه للسفر إلى إيطاليا، وبعد أن سافر زوجها ووصل إلى إيطاليا لم يجد مالًا ولا مكانًا، فتكفلت به أيضًا، اقترضت من أخيها، وجمعت ما استطاعت، وأبدّلت المال إلى اليورو لترسله إليه، ورتبت له أن يقيم عند أحد أقربائها هناك حتى يجد عملًا، ويقف على قدميه.
شهران ثم انقطع التواصل
وبالفعل جمع عملًا وبدأ يعمل حتى استقرت أحواله، وبدا أن كل شيء على ما يرام، ففي الشهر الأول أرسل لها 200 يورو، و150 يورو في الشهر التالي، ثم فجأة، انقطعت كل الخيوط، أُغلقت الهواتف، أغلق الواتساب، وحساباته على مواقع التواصل، وكأن الرجل ابتلعته الغربة ولم يعد.
محاولات بلا جدوى
لم تقف "صباح" صامتة أمام هذا الغياب، فبحثت عنه بكل الطرق الممكنة، تواصلت مع صحفيين في إيطاليا، بعثت برسائل عبر فيسبوك، استغاثت بأصدقاء ومعارف هناك، حتى جاءها الرد القاسي "موجود ويرفض التواصل مع أي شخص"، لكنها استمرت في محاولاتها، وأخذت تراسله على جميع وسائل التواصل، وكلمت وسطاء ليتدخلون ويحلوا الأمر، لكن باءت كل المحاولات بالفشل.

عائلته تبرت منهم
أما العائلة في مصر، فلم تكن أكثر رحمة منه، أشقاؤه وأخواته اكتفوا بجملة واحدة: "ملناش دعوة، ومنعرفش عنه حاجة"، لم يمدوا يدًا للمساعدة، ولم يقتربوا من البنات، بل إن الأمر وصل إلى أن يمروا عليهن في الشارع من دون كلمة، رافضين التعرف عليهن، وكأن الدم والقرابة لا تعني شيئًا، حاولت أن تستنجد بهم مرارًا وتكرارًا، لكنها لم تجد إلا برودًا وصمتًا.
أعباء الأمومة وحدها
البنتان دخلتا مرحلة المراهقة، وبدأت احتياجاتهما تكبر معهما، من المصاريف الدراسية إلى متطلبات الحياة اليومية، من الدروس إلى الملابس، من الطعام إلى التفكير في جهاز المستقبل.. كلها صارت على عاتق أم واحدة.
قالت "صباح" بنبرة مثقلة: "الحياة بقيت غالية، وأنا ست لوحدي، مش متعلمة، ومفيش دخل، عايشة دلوقتي في شقة صغيرة عند أختي المتجوزة في القاهرة، بس ابنها قرب يتجوز، وساعتها لازم أسيب الشقة، أهلي بيساعدوني على قد ما يقدروا، وأنا ساعات أطلع أشتغل باليومية.. بس برده مش مكفي".

سند مؤقت وحياة هشّة
ما تبقى لها من سند هو عائلتها القريبة، إخوتها وأمها يساعدونها على قدر طاقتهم، أحيانًا تخرج للعمل باليومية، يومًا يتوفر وآخر لا، تعيش على ما تيسّر، وبالكاد تدبر طعامًا وشرابًا ودفترًا للمدرسة، لكن السؤال الذي يطاردها لا يفارقها: "لحد امتى هافضل كدا؟ البنات كبرت ومحتاجين حاجات كتير، وأنا مش قادرة أوفرها كلها لوحدي".
طلاق وغياب كامل
منذ ثلاث سنوات، وصلها من إيطاليا توكيل بالطلاق، رسالة جافة من هناك وضعت نهاية رسمية لعلاقة الزوجية، وأنهى الرجل كل صلة رسمية بها، لكن هذه الخطوة لم تضع نهاية للألم، فالجرح ظل مفتوحًا، لأن الغياب لم يكن غيابه عن زوجة فحسب، بل عن ابنتين أيضًا.
وقالت الأم بحزن مكتوم: "سمعت إنه اتجوز واحدة مغربية هناك، وشغال في محل عند واحد اسمه هشام مغربي، خلاص نسي كل حاجة هنا، لا بيكلم البنات ولا بيسأل عليهم ولا بيصرف عليهم".

حلم بسيط
ورغم كل ما مرت به، تبقى مطالب "صباح" بسيطة حد الوجع، لا تبحث عن حق شخصي ولا عن مال لنفسها، ما تريده فقط هو أن تكبر ابنتيها بكرامة، وتجدان تعليمًا يليق بهما، وأن يجهزا مثل باقي البنات، ولا تشعران بأنهما بدون سند.
بالنسبة لها، لم يعد الأمر يخصها كامرأة مطلقة، لكنها تصف مرارة ما تشعر به كأم: "أنا مش عايزة حاجة ليا، كل اللي عايزاه إنه يصرف على البنات، ويعرفوا يعيشوا، زي باقي البنات.. يتعلموا، يتجوزوا، يبقى ليهم سند، وميحتاجوش لحد".
صرخة إلى المسؤولين
لم تعد "صباح" تملك سوى صوتها، تناشد السفارة، والمحاكم، والسلطات، أي جهة يمكن أن تعيد حق ابنتيها، وبصوت مبحوح: "نفسي السفارة المصرية في إيطاليا تشوفلي حل، أو حتي المحكمة المصرية أو الإيطالية، المهم حد يتحرك، حد يخلي الأب يبعت مصاريف لبناته، مش معقول أب يسيب عياله 11 سنة من غير ما يسأل عنهم ولا يصرف عليهم".
نداء إلى وزارتي التعليم والتضامن
وسط كل هذا العبء، توجه "صباح" صوتها مرة أخرى ولكن إلى الداخل، إلى الوزارات المعنية برعاية الأطفال والأسر المعيلة، تقول برجاء: "أناشد وزارة التربية والتعليم ووزارة التضامن الاجتماعي، مساعدة البنات، يوفّروا لهما التعليم المحترم، ومسكن آمن، وحياة كريمة، زي أي بنات في سنهم، أنا لوحدي مش قادرة، والدنيا غالية، وهما كبروا وبقوا محتاجين رعاية واهتمام".
هكذا اختتمت الأم حديثها، فهي لا تطلب رفاهية ولا امتيازات، بل مجرد أبسط حقوق: سقف ثابت فوق رؤوسهن، تعليم يضمن لهن مستقبلًا، وأمان يحفظ كرامتهن وسط ظروف قاسية لا ذنب لهن فيها.

الأكثر قراءة
-
سكتة قلبية.. عملية تكبير ثدي تودي بحياة فتاة
-
تقييمات وزارة التربية والتعليم الصف الأول الثانوي.. الرابط والخطوات
-
أب ونجله.. مصرع 3 أشخاص في مشاجرة ثأرية بأسيوط
-
سببت التهابا ينتج عن مخلفات الحرب.. طبيب يستخرج نملة من عين سيدة بالأقصر
-
تأجيل محاكمة المتهم بهتك عرض الطفل ياسين لـ 15 نوفمبر
-
وفاة "التيك توكر" أمير أسمع متأثرا بطعنات في مشاجرة
-
فيستون مايلي.. من ضحية إلى سارق ثم معتنق للإسلام
-
موعد إجازة 6 أكتوبر 2025.. آخر العطلات الرسمية لهذا العام

أخبار ذات صلة
أول تعليق من أسرة الطبيبة هند عاطف بعد وفاتها أثناء العمل (خاص)
24 سبتمبر 2025 10:16 م
بعد سخرية فاطمة ووالدتها من العريس.. الأم: زواج ابنتي مهدد بالإلغاء
24 سبتمبر 2025 06:14 م
بلا دخان.. رئيس بولندا يضبط مزاجه بتعاطي "السنوس" في الأمم المتحدة
24 سبتمبر 2025 07:13 م
من الرقص الشرقي لـ المزمار.. احتفالات تثير الجدل في الوسط التعليمي
24 سبتمبر 2025 06:17 م
تخرج أول أمس وغرق في اليوم التالي.. بحر جمصة يختطف شباب زياد
24 سبتمبر 2025 03:22 م
"الطبيب السمكري".. حسن يطرق بـ"الشاكوش" فوق رأس التنمر
24 سبتمبر 2025 02:58 م
على خطى مصر.. شركة كهرباء بريطانيا: قدموا قراءة العداد وإلا الغرامة
24 سبتمبر 2025 12:17 م
على عجلات طائرة.. مراهق كاد يغامر بحياته للسفر إلى الهند
24 سبتمبر 2025 03:15 ص
أكثر الكلمات انتشاراً