الأهلي والزمالك.. كلاسيكو "العرب" صراع الألوان والهوية والسياسة

الأهلي والزمالك
في كتابه الرائع "Mad for It"، يؤكد الكاتب الرياضي آندي ميتن أن "القاهرة تحتضن ديربيًا كرويًا يتفوق حقًا على المنافسات الشهيرة مثل ريال مدريد ضد برشلونة وبوكا جونيورز ضد ريفر بليت، مباراة الأهلي والزمالك تتجاوز مجرد التشجيع الحماسي، فهي تجمع بين مباراة كرة قدم، وتجمع سياسي، ودروس في التاريخ".
وتعتبر مباراة الأهلي والزمالك هي المكان الذي تلتقي فيه كرة القدم بالتاريخ والسياسة، وتُعرف مباراة القمة بـ"الكلاسيكو المصري" أو "كلاسيكو العرب"، فالفريقان يُعتبران أعظم ناديين في تاريخ كرة القدم المصرية والأفريقية، وتربط بينهما منافسة شرسة تتجاوز حدود الملعب.
ويستضيف الأهلي غريمه التقليدي الزمالك، مساء اليوم الإثنين، ضمن الجولة التاسعة من الدوري المصري الممتاز موسم 2025-2026.
"ناصر وفاروق"
بدأت المنافسة بين الأهلي والزمالك في 9 فبراير 1917، إذ فاز الأهلي في أول مباراة بهدف وحيد ومنذ ذلك الحين شهدت مواجهاتهما تنافسًا مثيرًا.
وتقول مجلة "فور فور تو" البريطانية، عن الكلاسيكو المصري: “بدأت المنافسة بين الأهلي والزمالك في 9 فبراير 1917، وتطور التنافس مع بدء الدوري المصري الممتاز عام 1948”.
وتابعت: "أما خارج الملعب، على مستوى السياسة، كان الملك فاروق يميل إلى دعم نادي المختلط، لكنه أُطيح به في عام 1952، وسرعان ما أصبح الرئيس جمال عبدالناصر، رئيسًا شرفيًا للنادي الأهلي".
وزادت: "ويتجاوز التنافس بين الأهلي والزمالك مجرد الانتماء الرياضي، ويعود أصل هذا الصراع إلى فترة الاحتلال البريطاني لمصر، حين كانت كرة القدم من أبرز مظاهر الثقافة البريطانية".
واستطردت: "تأسس النادي الأهلي عام 1907، الذي يعني اسمه (الوطني)، وارتدى الفريق اللون الأحمر، رمز علم ما قبل الاستعمار، وأصبح يُنظر إليه كرمز للمقاومة الشعبية ومساحة للتعبير عن الهوية الوطنية".
وأضافت المجلة: "في المقابل، كان الزمالك يمثل النقيض الكامل، فقد ارتدى الزي الأبيض، وكان معروفًا بأنه نادي الأجانب والطبقة العليا، ارتبط اسمه بالملك فاروق، وسُمي على اسمه قبل أن يُغير إلى "الزمالك" بعد سقوط الملكية".
وأكملت مجلة “فور فور تو”: "وكان الزمالك يجتذب البريطانيين وحلفاءهم، بالإضافة إلى المثقفين والنخب الذين لم يشاركوا التيار الوطني الصاعد آنذاك".
واختتمت: "وهكذا، ترسخت الصورة في الأذهان في الجانب الأحمر نجد الفقراء والعمال، وفي الجانب الأبيض توجد الطبقة الوسطى الليبرالية والبرجوازية، وحتى اليوم لا تزال هذه الانقسامات حاضرة في وعي المصريين الجماعي".
سائقو التاكسي وإثارة الديربي
ويقول صحفي الجارديان البريطانية، جيمس مونتاجو: "في القاهرة، وكما هو معتاد في أغلب محادثات سائقي التاكسي في الشرق الأوسط، تحوّل الحديث سريعًا إلى كرة القدم".
وتابع: "قال لي السائق مبتسمًا، أنا أشجع الأهلي طبعًا، مُعلنًا ولاءه لأكثر الأندية نجاحًا في مصر. كنتُ حينها في طريق سفري لحضور مباراة الأهلي والزمالك، ديربي القاهرة، الذي يُعد من أكبر وأشرس المباريات في القارة الإفريقية، بل ومن أكثرها توترًا في تاريخ اللعبة، أمام جمهور يُقدّر بنحو 100 ألف متفرج".
وأوضح: "لكن ما إن سمع السائق وجهتي، حتى تغيّرت ملامحه وتبدّلت نبرته، وتحدث بشغف عن المباراة".
وأبرزت الصحيفة حديث لـ أيمن يونس، نجم الزمالك السابق، بقوله: “إذا قررت الذهاب إلى الملعب، فلا يمكنني استخدام سيارتي، لأن جماهير الأهلي قد يحطمونها”.

وواصل يونس: "في عام 1990، بعد أن خسرنا أمام الأهلي 2-0، وجدت سيارتي من نوع BMW مقلوبة على جانبها، وعليها عبارة (مشجعو الأهلي)، كانوا يتذكرون أنني سجلت هدفًا في المباراة الأولى ذلك الموسم. لكنها لم تكن أسوأ لحظة".
ويتابع: "في إحدى المرات، هاجم عدد من جماهير الأهلي منزلي، جاء نحو 5000 منهم إلى الشارع الذي أقطنه، وهتفوا ضدي أنا وزوجتي وأطفالي، ورشقونا بالأشياء، اضطررت إلى الاتصال بالشرطة."
واختتم لاعب القلعة البيضاء السابق: "حبي للزمالك يفوق كل شيء، وإذ سألت أحد المشجعين هل تُغيّر انتماءك للزمالك؟ سيقول فورًا: مستحيل".
حارس شخصي واختفاء
وعاش الحكم الاسكتلندي كيني كلارك، تجربة مختلفة تمامًا عندما تولى إدارة ديربي القاهرة بين الأهلي والزمالك عام 2001.
وصرح كلارك لـ"بي بي سي سبورت": "في العام السابق، أوقف الحكم الفرنسي المباراة بعد حوالي 10 دقائق بسبب شغب الجماهير، لذا كنا نعرف ما الذي ينتظرنا".
وأضاف: "عادةً ما نسافر إلى الخارج، نرتدي سترات الاتحاد الاسكتلندي لكرة القدم، ولكن طُلب منا السفر متخفيين، وإلا كنا سنتعرض للمضايقات من لحظة وصولنا إلى المطار".
وواصل: “لكن رغم سفرنا بملابس غير رسمية، كان هناك من تعرّف على أعضاء الاتحاد المصري لكرة القدم الذين التقوا بنا - ظنّوا أننا مسؤولون، ومنذ لحظة خروجنا من الجمارك، بدأ الناس يصرخون في وجوهنا قائلين إننا نساعد الزمالك أو الأهلي”.

عُيّن لكلارك وزملائه من المسؤولين حارس شخصي شعر، وقد رافقهم طوال فترة إقامتهم في القاهرة.
واستكمل: "على الرغم من غرابة التجربة عند وصولهم إلى المطار، إلا أنها ازدادت غرابة عند وصولهم إلى استاد القاهرة الوطني الذي يتسع لـ 70 ألف متفرج لحضور المباراة".
كلاك يضيف: "ذهبنا لإجراء فحص الملعب المعتاد قبل المباراة. كنا عند مرمى واحد ثم توجهنا إلى الآخر، وقرر أحد حكام الخطوط التقاط بعض الصور مع المشجعين في الخلفية".
وزاد: "أخبرنا حارسنا الشخصي حينها أنه سيتعين علينا التقاط صور عند المرمى الآخر، لأن المشجعين الآخرين كانوا سيلاحظون أننا لم نلتقط صورة معهم".
الحكم قال أيضًا: "وللحفاظ على التوازن، اضطررنا للعودة إلى المرمى الآخر والتقاط الصور هناك، ولكن بعد ذلك طُلب منا العودة إلى المرمى الآخر، لأننا كنا هناك مرة واحدة فقط، ومرة أخرى، سيلاحظ المشجعون ذلك".
ونبه بقوله: "مرت المباراة نفسها دون أي حوادث تذكر حتى الدقائق العشر الأخيرة، عندما أُلقيت زجاجات وحجارة على أرض الملعب، مما دفع كلارك إلى إخبار مساعديه بعدم الاقتراب من الرايات الركنية".
واستطرد: "قلتُ لهم اذهبوا إلى منطقة الـ18 ياردة في حالة التسلل، ولكن لا تذهبوا أبعد من ذلك، إذا أخطأتم في التسلل، فأنتم مخطئون، لا يستحق الأمر أن تُضرب رؤوسنا بحجر".
واختتم: “تمكنا من إقناع شرطة مكافحة الشغب بإبعاد الجماهير إلى أعلى المدرجات، وتمكنا من إنهاء المباراة، وفي النهاية، فاز الزمالك بالديربي بفوزه على الأهلي بنتيجة 2-1”.
انتقالات تاريخية
وذكر تقرير أجنبي آخر "على مرّ تاريخ كرة القدم المصرية، حظي عدد من اللاعبين بامتياز نادر: ارتداء قميص قطبي الكرة في مصر، الأهلي والزمالك. لم يكتفِ هؤلاء اللاعبون بإشعال نار المنافسة بين الفريقين، بل أثبتوا أيضًا قدراتهم في كلا المعسكرين.
"يُعتبر حسين حجازي من أوائل من خاضوا هذه التجربة، حيث بدأ مشواره مع الأهلي، ثم انتقل إلى الزمالك، قبل أن يعود إليه لاحقًا، فاتحًا الباب أمام انتقالات مماثلة في المستقبل".

"ومن بين أبرز الأسماء التي سارت على هذا النهج جمال عبدالحميد، رضا عبد العال، أيمن شوقي، محمد عبدالجليل، ومجدي طلبة، وكلهم تركوا بصمة واضحة في سجل الكرة المصرية".
لكن واحدة من أكثر الانتقالات إثارة للجدل كانت حين انتقل حسام حسن الهدّاف التاريخي لمنتخب مصر وشقيقه التوأم إبراهيم من الأهلي، النادي الذي ترعرعا فيه، إلى الزمالك".
"كما انضم إلى القائمة عدد من النجوم البارزين مثل المهاجمين أحمد فيليكس وحراس المرمى الكبار نادر السيد وعصام الحضري، الذين مثلوا كلا الناديين خلال مسيرتهم".
"كما انتقل لاعبون مثل إبراهيم سعيد، إسلام الشاطر، طارق السعيد، محمد صديق، معتز إينو، حسن مصطفى، ومحمد عبدالله بين الفريقين".
"واستمرت هذه الظاهرة في التوسع لتشمل أسماء مثل حسين ياسر المحمدي، هاني العجيزي، أحمد حسن، دومينيك دا سيلفا، صبري رحيل، مؤمن زكريا، وأحمد حمودي".
"وفي السنوات الأخيرة، حافظ نجوم مثل محمود عبدالمنعم "كهربا"، إمام عاشور، أحمد حمدي، ناصر ماهر، عبدالله السعيد وزيزو على هذا التقليد، إلى جانب لاعبين أجانب كالمغربي أشرف بنشرقي".

"رغم أن الانتقال بين الأهلي والزمالك لا يُعد قرارًا سهلًا أبدًا، وغالبًا ما يكون تحت أعين الجماهير المتعصبة، فإن من خاضوا هذه المغامرة لم يقتصروا على لعب كرة القدم فقط، بل أصبحوا جزءًا من التاريخ المشترك للقطبين".
ويبقى ديربي الأهلي والزمالك أكثر من مجرد مباراة كرة قدم؛ إنه مرآة تعكس تاريخ مصر، تصادم الهوية الوطنية والسياسة، وصراع الطبقات الاجتماعية. في كل مرة تلتقي فيها القطبين، تتجدد الذكريات، وتُكتب صفحات جديدة من الإثارة والشغف، التي لا تقتصر على أرض الملعب فقط، بل تتغلغل في وجدان الجماهير.
في النهاية، يظل الأهلي والزمالك رمزًا للانتماء والتنافس الشريف، وحكاية مصرية حية تستمر في رسم ملامح كرة القدم والثقافة الاجتماعية، مع كل صافرة تبدأ بها المباراة.

الأكثر قراءة
-
قصة عن تطوير الذات الصف السادس الابتدائي
-
كم عدد حلقات مسلسل أيام الجزء الثالث؟ (مواعيد العرض)
-
تصعيد إثيوبي وتحذير مصري.. تطورات جديدة في ملف سد النهضة
-
الإتاوة مقابل الأمان.. ماذا فعل "صدام سوق أبو دياب" قبل انتهاء أسطورته؟
-
بينهم زيزو وجراديشار.. استبعاد 6 لاعبين من قائمة الأهلي أمام الزمالك
-
تتجدد في وجود رجال الدين.. أسرة بالقليوبية تعاني اشتعال النيران بالمنزل
-
برواز مسروق وآخر مفقود.. لوحات مقتنيات فنون المنصورة "مرمية" بالطرقات (خاص)
-
ماذا قال محامي الطالبة لوجين عن اتهامها بتغيير الرغبات؟ (خاص)

أخبار ذات صلة
"زيزو الأهلاوي × شحاتة الزملكاوي".. الزعيم والأستاذ في ميدان الكرة والسينما
29 سبتمبر 2025 05:18 م
طرائف قمة الأهلي والزمالك.. غيبوبة بيبو ومبخرة إبراهيم سعيد وكفن رضا
29 سبتمبر 2025 04:12 م
علي حسين مهدي يعتذر للسيسي في حوار حصري لـ"تليجراف مصر".. والسر في "صفقة القرن" (انفراد)
29 سبتمبر 2025 12:01 م
جامعو الكرات.. مهام تكتيكية تقلب سير المباريات خلف الـ3 خشبات
29 سبتمبر 2025 12:24 م
أكثر الكلمات انتشاراً