الأحد، 05 أكتوبر 2025

12:02 ص

مفهوم الحرية

معنى الحرية هو معنى جدلي في المقام الأول، أرض خصبة لفلاسفة العالم فانقسموا إلى معسكرين أساسيين، المعسكر الأول ويتبنى نوع من الحرية يسمى حرية التنفيذ، والنوع الثاني يسمى بُحرية التصميم.

والمقصود بحرية التنفيذ تلك المقدرة على العمل أو على الامتناع دون الخضوع لأى ضغط أو تأثير  خارجى، ونحن هنا بإزاء حرية طبيعية أو فيزيائية تعبر عن تلقائية الكائن الناطق واستقلاله الذاتى.

أما حرية التصميم فهي عبارة عن مَلكة الاختيار، القدرة على تحقيق الفعل دون الخضوع لتأثيرات قوى باطنة، سواء كانت تلك القوى ذات طابع وجدانى كالدوافع والأهواء أو كان مبعثه العواطف أو التصورات أو الإدراكات، فنحن بإزاء حرية سيكولوجية، وهى المقدرة على الاختيار..

وهذا ما آلت إليه البشرية الآن بكل بساطة، مفهوم الحرية الآن هو المفهوم التنفيذى،  بسطحية تعريفاته وتصوره الذهني مثل، أن عكس تعريف الحرية هو التمرد أو العند، أو بمفهوم سيجموند فرويد  فالعند والتمرد هو آليات الدفاع عن الحرية (ميكانزمات الدفاع) فى حالة عدم مقدرة الشخص على ممارسة حريته أو  تقييدها.

ماذا يحدث لو تغير مفهوم الحرية من حرية تنفيذية إلى حرية اختيار؟

لن يكون هناك إحساس بالتمرد أو التقييد أو السلب لأن قرارك سيكون نابعا من داخلك دون الخضوع لأية مؤثرات، سيكون قرارا حرا لا يرتبط برأى الأخرين ولا مسايرتهم خشية النبذ والتنمر إن لم يشابه عاداتهم، لا يرتبط بعاطفة أو انفعال ولن يحاكى رأى الأغلبية أو الأقلية، فقط سيحاكى عقلك وأهدافك، سيحاكى الواقع والهوية.

الحرية فى مفهومها لم تكن للتمرد على المجتمع كما روج لها البعض والغرب، الحرية لم تكن للشذوذ والعصيان، الحرية لم تكن للانتحار والقتل، فالحرية الحقيقية لا يتبعها الندم، الحرية ضرورة لاتخاذ القرار بتنفيذه أو عدم تنفيذه، حتى فى عدم التنفيذ حرية.

كبح جماح رغباتك وشهواتك حرية، كبح جماح البذاءة والتدنى حرية، التأييد حرية دون تمادى  والمعارضة حرية دون بذاءة، الحرية هى التحرر من ضغوط النزوات والتمرد، وليس ممارسةالتمرد، الاختيار الحر بين الانحراف والاستقامة دون ضغوط من صحبة فاسدة أو الانفلات الأخلاقى. 

أنت لا تتخذ أبسط قراراتك بحرية، فترتدى ما يرتديه الآخرون، وتمارس ما يمارسة الآخرون، خوفاً من أن تكون منبوذا، أو غير مواكبا للتطور الذى يرونه هُم وليس أنت، أنت تتمرد لمجرد إثبات أنك حى وصاحب قرار وكأن الطاعة ليست قرار، والموافقة تبعية، والتأييد جهل وتطبيل وعبودية.

إذا فسدت البيئة فلا بد للإنسان أن يحتمي بعقله لينجو من الفساد، فكيف أحتمى بعقل يحاكى الأخرين دون فرز، كيف أنجو بنفسى وأنا أتمرد على نفسى وعلى حياتى وعلى هويتى حتى أصبح التمرد هو المرادف الأبرز للحرية، حتى أصبح التمرد هو أساس الإختيار، فأصبحت أتمرد إذن أنا حر، وأتباهى بتمردى، وأتفاخر بالإختلاف والمخالفة والتخلف، حتى أصبحت الحالة الأصلية لى هى التمرد، أصبحت عبد التمرد ولست حرا، الحرية هى حرية الإختيار والقدرة على الفرز .

د. نور الشيخ 

title

مقالات ذات صلة

اختر من بين الأقواس

27 سبتمبر 2025 09:00 ص

عالم ثقيل الظل

20 سبتمبر 2025 09:30 ص

عيش السرايا

13 سبتمبر 2025 09:30 ص

ما قبل الميلاد

06 سبتمبر 2025 09:36 ص

search