الجمعة، 03 أكتوبر 2025

11:32 م

غدر إثيوبيا.. ورد مصر!

قناعتي التامة أن في مصر رجال لديهم يقينا مطلق بأن نهر النيل يمثل معركة وجودية، ولا يمكن أن يتهاونوا أو يتنازلوا عن قطرة واحدة.

ما تتعرض له مصر والسودان حالياً، هو غدر بكل ما تحتمله الكلمة من معانٍ، وبغض النظر عن أن المنازل والأراضي التي تغرق حالياً في محافظتي المنوفية والبحيرة تقع في نطاق “طرح النيل”، أو ما نسميه في بلادنا “طرح البحر”، إلا أن احتكار الإثيوبيين لإدارة النهر يعد خطرا لا يمكن أن يستمر، ولا يصح السكوت عنه أكثر من ذلك.

لقد حرصت الحكومة المصرية طوال السنوات الأخيرة على تبني لغة دبلوماسية في التعامل مع أديس أبابا بشأن أزمة سد النهضة، بل إنها احتوت مشاعر الغضب والإحباط والمخاوف الداخلية، وطلبت مرارًا عدم المبالغة في القلق، لكن من الواضح الآن أن المخاوف كانت واقعية من اليوم الأول، والتهديدات التي يمثلها هذا السد تتحقق منذ قرابة خمس سنوات.

وبحسب تصريحات حكومية - سواء على لسان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أو وزير الخارجية بدر عبد العاطي، وغيرهما من المسؤولين - فإن إثيوبيا حجزت كميات كبيرة من المياه التي كان يفترض أن تصل إلى مصر خلال فترة التخزين ببحيرة سد النهضة، ما يعني أننا كنا نعاني في صمت، وصبر لعلهم يثوبون إلى رشدهم!.

وجاءت هذه الفيضانات لتثبت أن الحكومة الإثيوبية قادرة على إحداث أضرار كبيرة، وليس لديها أي رغبة في التنسيق مع نظيرتيها في السودان ومصر حول إدارة السد، ما يمثل تهديداً خطيراً للأمن المائي الإقليمي!.

كما بدأت مقالي، قناعتي مطلقة بإدراك حكومتنا لخطورة القضية، لكن الشفافية أصبحت مطلوبة في الوقت الراهن، ويجب أن يكون الشعب على نفس الدرجة من وعي القيادة المصرية والإلمام بما يحدث، وأن يكون الحديث بلغة مفهومة وبسيطة، تشرح فيها الحكومة للناس، حجم التهديدات، والخيارات المتاحة أمامنا في التعامل مع غدر الإثيوبيين، لأن الاعتداء لا يمكن أن يكون غادرًا إذا تكرر أكثر من مرة!.

حسب خبراء يظهرون يوميًا في وسائل إعلامنا، فإن التصميم الهندسي لسد النهضة غير مناسب للكميات الكبيرة من المياه التي تعمدت إثيوبيا تخزينها على مدار خمس سنوات، دون اتفاق أو تشاور مع حكومتي مصر والسودان، وتم تحذيرها مرارًا من ضرورة خفض المخزون المائي خلف السد بسبب توقف توربيناته عن العمل، لكنها لم تستجب!
وأدت الأمطار الأخيرة إلى فيضان المياه فوق مستوى ذاك السد اللعين، ما دفع إدارته إلى فتح أربع بوابات بشكل مفاجئ، الأمر الذي أدى إلى غرق مناطق واسعة في السودان، والآن في مصر!.

كل ما سبق كلام لا يفهمه البسطاء أمثالنا، لكن ما نستوعبه أننا في خطر، ولا يمكن أن نقبل أن نُحارَب تارة بالفيضانات والغرق، من خلال فتح البوابات فجأة دون مقدمات، وتارة بالجفاف من خلال المنع!!.

لا يمكن أن نكتفي برد الفعل، خاصة وأن هناك عشرات الأسئلة تحاصر أذهان المصريين، وأنا أقول ذلك كمحب وناصح لحكومة بلادنا، فالناس لديها تساؤلات كبيرة ومعقدة ومقلقة، وثمة شعور طاغٍ بالغضب يسيطر علينا، حين نرى المنازل تغرق، والناس تشرد، حتى لو كانوا يعيشون في مناطق غير مسموح بالسكن فيها، لأن هناك من تركهم يستوطنونها على مدار سنوات!!.

أؤمن بأن زمن الدبلوماسية ولىّ وانتهى، ليس من الآن، ولكن منذ سنوات مضت، والاستمرار في الحديث عن تعنت الإثيوبيين لم يعد مجديًا، بل إن تأثيره يعد سلبيا على معنوياتنا، وأؤمن بضرورة اتخاذ موقف أكثر حدة.

وبالله عليكم كفى البعض مزايدة على مشاعر المصريين، وعلى الحكومة أن تعي أن الشعب ليس القلة التي تبارك القرارات وعكسها دون تفكير أو مراجعة، لأننا جميعًا في مركب واحد ضد عدو حقيقي يهدد بتعطيشنا وتجفيف أراضينا، أو بإغراقها كما يحدث الآن، وليس المنطقي أن نتحدث إلى الخارج بلغة، وإلى الداخل بلغة أخرى.

المعركة الدائرة الآن يديرها رجال وطنيون يحبون بلادهم ويخافون عليها، ولديهم عزيمة وبأس كافيين لصد أي عدوان، وأعتقد أن صبرهم قد نفد من الإثيوبيين، وأنهم متفهمون غضبنا ومخاوفنا، وكفيلون بوضع حد لصلف وغرور المعتدي.

title

مقالات ذات صلة

search