السبت، 04 أكتوبر 2025

11:09 م

مديرة الشركة الألمانية مصممة العرض البصري للمتحف المصري الكبير: حولنا الآثار لحكاية (حوار)

المديرة التنفيذية لشركة "أتيليه بروكنر" الألمانية، شيرين فرانجول - تصوير: سفن سيتشوفيتش

المديرة التنفيذية لشركة "أتيليه بروكنر" الألمانية، شيرين فرانجول - تصوير: سفن سيتشوفيتش

على بعد خطوات من أهرامات الجيزة العتيقة، ينهض المتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه رسميًا في مطلع نوفمبر المقبل ليكون أشهر متاحف العالم. وبين جدران هذا الصرح الضخم، تتناغم أنفاس التاريخ مع تقنيات العصر، في حوار بصري يربط الزائر بأعظم الحضارات الإنسانية.

شيرين فرانجول-بروكنر، المديرة التنفيذية لشركة "أتيليه بروكنر" الألمانية، التي أُوكِلت إليها مهمة تصميم سيناريو العرض المتحفي، تقف خلف الرؤية البصرية التي تحوّل مساحات العرض الشاسعة إلى رحلة شائقة عبر الزمن. وتشمل مهمتها تصميم تجربة الزائر الكاملة، بدءًا من مسارات الحركة التي تنساب بين القاعات، وصولًا إلى عرض كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون البالغ عددها 5600 قطعة أثرية في قاعة خاصة هي الأكبر من نوعها في العالم.

في هذا الحوار تفتح شيرين فرانحول لقراء "تليجراف مصر" الأبواب الخلفية لأعظم مشروع متحفي في القرن الحادي والعشرين، لنكشف لكم من خلالها أسرار تصميم التجربة البصرية للمتحف المصري الكبير.

شيرين فرانجول تتابع عملها بالمتحف المصري الكبير (صورة خاصة لـ"تليجراف مصر" من شركة أتيليه بروكنر)

حكاية متكاملة في المتحف المصري الكبير

شيرين فرانجول كشفت لنا الخطة التي جرى الاعتماد عليها لتنفيذ مشروع العرض المتحفي، حيث تقول: “لا يقتصر هدف المتحف المصري الكبير على عرض القطع الأثرية منفردة بمعزل عن سياقها التاريخي، بل تجسّدت رؤيتنا في سرد حكاية متكاملة من خلال خلق سردية مكانية تأخذ الزائر في رحلة إلى الموضوعات الجوهرية للحضارة المصرية القديمة وهي مراحل الحياة، والموت، ثم البعث”.

عرض كل كنوز توت عنخ آمون بالمتحف المصري الكبير

وتضيف متحدثة عن قاعة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون: “أما فيما يخص قاعة توت عنخ آمون، فقد تطلب ذلك تطوير رحلة غامرة تُعيد لعالم الملك الصغير الحياة. ولأول مرة، يتم عرض جميع الـ5600 قطعة من مقبرته معًا في سياق قصصي واحد متماسك. هذا أمر فريد من نوعه تمامًا، إنها فرصة العمر لكشف هذه الكنوز في سياقها الكامل”.

6 أشهر فقط.. التحدي الأكبر!

وفيما يتعلّق بأبرز التحديات التي واجهت فريق الشركة أثناء العمل، قالت شيرين: “كان التحدي الأكبر هو أيضًا الشرف الأكبر، وهو التعامل مع مجموعة بهذا الجمال والهشاشة، فكل قطعة فريدة واستثنائية، ومعظمها مصنوع من الذهب، وجميعها لا يمكن تعويضه".

أثناء العمل على مخطط العرض المتحفي للمتحف المصري الكبير (صورة خاصة لـ"تليجراف مصر" من شركة أتيليه بروكنر)

وأوضحت: “كان يجب أن تكون أعمال الحفظ والأمن على أعلى مستوى، وفي الوقت ذاته، كان المشروع تحت ضغط زمني”، لافتة إلى أن “مهمة كهذه في أوروبا قد تمتد ببساطة لأكثر من ثماني سنوات، لكن هنا (في المتحف المصري الكبير)، كان أمامنا ستة أشهر لتسليم التصوُّر والتخطيط”.

القطع الأثرية تتحدث مع بعضها

وفي سياق حديثها عن كيفية تحقيق التوازن بين المتطلبات الفنية والحفاظ على الآثار، شرحت شيرين: “بالنسبة لنا، الحفظ ليس قيدًا، بل أصبح جزءًا من التصميم، حيث إن فاترينات العرض عالية التقنية، لكن ترتيبها وإضاءتها مُصممان بطريقة لا تجعل الزائر يلاحظ القيود".

وتابعت: “تُمنح القطع الأثرية مساحة لتتحدث مع بعضها البعض، لتُظهر قصتها، وبهذه الطريقة، يتم الحفاظ عليها للأجيال القادمة، وفي الوقت ذاته تصبح جزءًا من تجربة فنية وجدانية في الوقت الحاضر”.

التكنولوجيا وسيلة لفهم التاريخ

وعن دمج التقنيات الحديثة في العرض المتحفي، أوضحت شيرين: “استخدمنا التكنولوجيا بشكل انتقائي. القطع الأثرية نفسها تحمل القصة، إذ لا تحتاج إلى الكثير من الإضافات. وحيثما قمنا بدمج الوسائط، كان ذلك دائمًا بهدف تعميق الفهم”.

المديرة التنفيذية لشركة "أتيليه بروكنر" الألمانية، شيرين فرانجول - تصوير: سفن سيتشوفيتش

واستفاضت في توضيح هذه النقطة: “على سبيل المثال، قمنا بإعادة بناء بالحجم الطبيعي لمقبرة توت عنخ آمون، بما يسمح للزائر بإدراك كيف كانت كل هذه الكنوز مُتراصة في غرفة لا تزيد في مساحتها عن شقة استوديو، كما طورنا فاترينة طبقية تُظهر الصناديق الضخمة المتداخلة والتوابيت، وشجرة عائلة يمكن الدخول إليها لتحديد موقع توت عنخ آمون داخل أسرته، مع إطلالة على الأهرامات. وإلى جانب ذلك، اعتمدنا بشكل كبير على الإضاءة، والجرافيك والعناصر البصرية، والمواد المستخدمة في الأعمال، والديكور المسرحي لخلق حالة تخاطب كل الحواس”.

تعاون وثيق مع الجانب المصري

واستطردت شيرين في حديثها عن تجربة العمل مع الفرق المصرية داخل المتحف المصري الكبير: “لقد كان تعاونًا وثيقًا وبناءً للغاية، كنا نتواجد في القاهرة كل شهر، كما كان يأتي زملاؤنا المصريون أيضًا إلى شتوتجارت، لذا كان هناك تعاون متبادل بشكل قوي في الاتجاهين”.

فريق العمل الألماني داخل المتحف المصري الكبير (صورة خاصة لـ"تليجراف مصر" من شركة أتيليه بروكنر)

وتابعت: “تلقينا إحاطة شاملة ومدروسة للغاية من القائمين على المعرض، ما منحنا أساسًا متينًا لعملنا، وأكثر ما أثار إعجابي هو أن كل من شارك في هذا المشروع بذل قصارى جهده لنجاح هذه المهمة العظيمة. إن إنشاء كيان بهذا الحجم لم يكن ليتحقق لولا عمل جميع الأطراف معًا بصدق”.

نسخة طبق الأصل من قناع الملك توت

وعن المواقف والذكريات التي لا تنساها خلال رحلة العمل، روت شيرين: “هناك الكثير من المواقف. أتذكر اليوم الذي نشرنا فيه خريطة تضم جميع الـ5600 قطعة على الأرض، وحين وقفنا حولها، شعر الفريق فجأة بالحجم الهائل للمسؤولية”. 

وهناك لحظة أخرى لا تُنسى “عندما اختبرنا الإضاءة على نسخة طبق الأصل من القناع الذهبي للملك توت عنخ آمون في ألمانيا، وعند العودة بها إلى مصر، رأى مسؤولو الجمارك في القاهرة الشكل المميز للقناع في شاشة جهاز الماسح الضوئي، وتم إغلاق المنطقة بأكملها”.

المتحف المصري الكبير إرث للإنسانية جمعاء

وأضافت: “لعل أكثر اللحظات المؤثرة على الإطلاق كان خلال زياراتنا إلى مركز الترميم، حيث رأينا عن قُرب كل هذه الكنوز التي اكتشفها عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر. هذه اللحظة جعلتنا ندرك أن هذا المشروع، يتجاوز كونه مجرد عمل معماري أو تصميمي، إنما هو في جوهره حماية لإرث ثقافي يُمثّل تراثًا مشتركًا للإنسانية جمعاء”.

search