عقدة أطلس.. حين يتحول الصبر إلى عبءٍ وجودي
في علم النفس، كثيرًا ما نسمع عن أنماطٍ من الشخصيات التي تتحمل فوق طاقتها، ترفع أثقال الحياة على كتفيها كما رفع الإله الأسطوري “أطلس” قبة السماء.
ومن هنا جاء المصطلح النفسي “عقدة أطلس” (Atlas Complex)، الذي يصف أولئك الذين يعيشون حياتهم وكأنهم مسؤولون عن حمل العالم كله، لا لشيء سوى خوفهم من سقوطه إن تركوه للحظة.
من هو “أطلس”؟
في الميثولوجيا الإغريقية، حُكم على أطلس بأن يحمل السماء على كتفيه كعقابٍ أبدي. وهي صورة رمزية تُلهم وتوجِع في آن واحد، لأنها تشبه من يتحملون كل شيء — من مسؤوليات أسرية، وضغوط مهنية، ومشاعر الآخرين — دون أن يطلبوا المساعدة أو الراحة، ظنًا منهم أن انهيارهم يعني انهيار الجميع.
الملامح النفسية لعقدة أطلس
أصحاب هذه العقدة عادةً ما يتميزون بالصلابة الظاهرة، لكن بداخلهم هشاشة عميقة لا يراها أحد.
• يشعرون بأنهم “يجب” أن يكونوا الأقوياء دائمًا.
• يخجلون من الضعف، ويعتبرونه فشلاً شخصيًا.
• يصعب عليهم طلب الدعم، لأنهم يظنون أن الآخرين أقل قدرة على التحمل.
• يعيشون في حالة دائمة من التوتر، لأن أعباءهم تتجاوز حدودهم النفسية.
الجذور النفسية للعقدة
غالبًا ما تتكون هذه العقدة منذ الطفولة، عندما يُجبر الطفل على النضج مبكرًا — كأن يتحمل مسؤوليات أكبر من عمره، أو يعيش في بيئة تفتقر للأمان فيضطر ليكون “المنقذ” أو “العقل الكبير”.
يتحول هذا الدور إلى سلوكٍ دائم في الكبر: في العلاقات، والعمل، وحتى في الحب.
عقدة أطلس في العلاقات الإنسانية
في العلاقات العاطفية، يظهر هذا النمط في صورة الطرف الذي يتحمل كل شيء بصمت — يغفر، يبرر، ويُصلح دون أن يُطلب منه ذلك. يشعر بالذنب إن لم يُضحِّ، ويخاف من الانسحاب لأن “الآخر يحتاجه”، حتى لو كان هو من يتألم.
والمفارقة أن هذه القوة المفرطة غالبًا ما تُفسَّر من الطرف المقابل على أنها برود أو عدم حاجة، فيستمر في الاتكاء عليها دون وعيٍ بحجم ما تُنزف من الداخل.
الثمن النفسي لعقدة أطلس
الاستنزاف المستمر يؤدي إلى ما يُعرف بـ “الإنهاك العاطفي” (Emotional Burnout)، حيث يفقد الإنسان إحساسه بذاته تدريجيًا، ويصبح وجوده مرتبطًا بما يُقدمه للآخرين لا بما هو عليه فعلاً.
ثم تأتي لحظة الانفجار — حين يسقط أطلس، ولو للحظة، فينهار كل ما حاول إنقاذه لأنه لم ينقذ نفسه أولًا.
التحرر من العقدة
التحرر لا يعني التخلي عن القوة، بل إعادة تعريفها.
• أن أكون قويًا لا يعني أن أتحمل كل شيء، بل أن أعرف متى أقول “كفى”.
• المساعدة ليست ضعفًا، بل شجاعة.
• والرحمة بالنفس ليست أنانية، بل وعي.
حين يتعلم صاحب عقدة أطلس أن يشارك الحمل، لا أن يحمله وحده، يتحول العبء إلى توازن، والصلابة إلى حكمة، والقوة إلى طاقة إنسانية سوية.
الأكثر قراءة
-
نتائج انتخابات مجلس النواب في أسيوط: لم ينجح أحد
-
“أنا مش فاضيلكوا”، هيدي كرم تثير الجدل بعد زواج مي عز الدين وأحمد تيمور
-
خلص عليه خزنة رصاص، مجهول ينهي حياة مهندس شاب بالقرب من موقف الإسكندرية
-
شروط الفوز بالمقاعد الفردية والقوائم في انتخابات النواب، ماذا يقول القانون؟
-
سعد الصغير يكشف تفاصيل تسوية أزمة سيارة إسماعيل الليثي بعد وفاته
-
استعجل النزول بالوقت الخطأ، قطار يشطر مسنًا نصفين أمام أعين الركاب بأسيوط
-
ريهام سعيد عن حادث إسماعيل الليثي: "فيه 4 كمان راحوا و14 طفل اتيتموا"
-
بتهمة السب والقذف، دينا الشربيني تحرر محضرًا ضد مروة صبري
مقالات ذات صلة
الطلاق.. حين يصبح القرار الصعب هو أصدق أشكال الرحمة
12 نوفمبر 2025 10:55 ص
حب إيه؟ حين يحتفل المجتمع بما لا يعرفه
04 نوفمبر 2025 01:07 م
المتحف المصري الكبير.. حين تستيقظ الذاكرة ويبتسم التاريخ
03 نوفمبر 2025 10:56 ص
كيف تتعامل بوعي مع الشخصية النرجسية؟
28 أكتوبر 2025 02:26 م
أكثر الكلمات انتشاراً