إكسسوارات بيزنس التعليم.. ملازم "تقطم" الظهر وكتاب مدرسي خارج الزمن

طلاب يحملون الملازم في أحد مراكز الدروس الخصوصية بسوهاج
في زاوية مكتبة صغيرة بقرية هادئة في محافظة سوهاج، تقف فتاة في السابعة عشرة من عمرها تتصفح أوراق “ملزمة الفيزياء” بعين يملؤها القلق، قبل أن تسأل البائع عن سعرها ليجيبها سريعًا: "بـ550 جنيه"، فتردد في نفسها: "غالية أوي.. بس مضطرة أجيبها".
لم تكن حبيبة (اسم استعاري) تعلم أن الملزمة التي بين يديها ليست مجرد حزمة أوارق تختصر منهج الفيزياء، بل إن وراء هذه الملازم سوق ضخمة، تدر أرباحًا بالملايين تحت دعوى "الشرح والمراجعة".
بين طلاب يطاردون الأمل في التفوق، وأولياء أمور أنهكتهم المصروفات، ومعلمين وجدوا في "الملزمة" وسيلة لتعويض ضعف رواتبهم أو وسيلة للثراء، تحوّل التعليم في جزء منه إلى ساحة تجارية مليئة باللافتات والأسعار.
سعر الملزمة يتراوح بين 200 و1000 جنيه
"تليجراف مصر" سعت إلى كشف كواليس ما يمكن تسميته بـ"بيزنس الملازم" الذي تمددت جذوره في كل بيت ومدرسة وسنتر، من القاهرة إلى القرى النائية في ربوع مصر، ليرسم صورة خفية عن اقتصاد مواز للتعليم الرسمي، حيث يتراوح سعر الملزمة الواحدة بين 200 و1000 جنيه، حسب السنة الدراسية والمرحلة، لتتجاوز في إجماليها حاجز 136 مليار جنيه سنويًا، وفق بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2020.

هل تحولت الملازم من أداة مساعدة للطلاب على مراجعة دروسهم إلى وسيلة استنزاف؟ ومَنْ يتحكّم في أسعارها؟ ولماذا غابت الرقابة عن محتواها وأماكن طباعتها؟ ولماذا غابت الكتب المدرسية؟.. ملامح صناعة متكاملة واقتصاد موازٍ يقتات على طموح الأسر في مصر تصنع من التعليم سوقًا جديدة.
"كل مدرس له ملزمة خاصة به وأنا مجبرة أشتريها لأولادي"، هكذا بدأت نادية (42 عامًا) حديثها مع “تليجراف مصر”، كاشفة معانتها مع الدوروس الخصوصية والملازم، في وقت تغيب الكتب المدرسية والشرح داخل الفصول، على حد قولها.
وأضافت: "أنا أم لطالبين أحدهما في الصف الثاني الثانوي والآخر بالأول الإعدادي، الملزمة الواحدة يصل سعرها لـ500 جنيه، بخلاف سعر الحصة 100 جنيه".
بحسبة بسيطة، فإن نادية تتكلّف شهريًا ما يتراوح بين 1000 و1200 جنيه للمادة الواحدة لكل واحد من أبنائها، ووفقًا لبيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2024، فإن عدد الطلاب في مراحل التعليم قبل الجامعي يصل إلى 25.7 مليون طالب، ما يشير إلى أن حجم الأموال المنفقة على المادة الواحدة سنويًا يصل إلى 25 مليار جنيه.
الملازم استنزاف لجيوب أولياء الأمور
من جانبها، قالت مؤسِسة ائتلاف أولياء أمور مصر، داليا الحزاوي، أن هناك ضغوطًا متزايدة على الأسر المصرية، ضاعفتها كلفة الملازم التي ارتفعت أسعارها بصورة مبالغ فيها، في حين أن جودة محتواها لا يتوازي مع هذا السعر، مؤكدة أن الأسرة التي لديها أكثر من طالب تستنزف ميزانية ضخمة في الدورس الخصوصية والملازم في وقت تحول الكثير من المعلمين إلى تجار دون إحساس بمعاناة أولياء الأمور.

المدرس النجم.. جمع مليون جنيه في حصة واحدة
قبل شهور وتحديدًا في يونيو الماضي مع بداية امتحانات الثانوية العامة عام 2024، انتشر فيديو قصير لا تتجاوز مدته 120 ثانية هز مواقع التواصل الاجتماعي وتحول إلى قضية تم تداولها داخل أروقة النيابة العامة.
المقطع جرى تصويره داخل صالة ألعاب رياضية كبيرة يجلس فيها ما يزيد على 4 آلاف طالب وطالبة، وفجأة تضاء كشافات ساطعة على معلم لمادة الجيولوجيا فيدخل من بوابة صغيرة وسط هتافات الطلاب الذين أخرجوا هواتفهم لالتقاط صور وفيدوهات للحظة دخول المعلم النجم، قبل بداية حصة المراجعة النهائية.
الجهات المعنية اتخذت إجراءات قانونية حيال المعلم، حيث جرى استدعاؤه أمام جهات التحقيق، وهناك أكد أنه لم يكن يعلم أن جمع الطلاب للمراجعات مخالف للقانون، لافتًا إلى أنه يتقاضى مبالغ رمزية مقابل المراجعة تقدر بحوالي 85 جنيهًا عن كل طالب، بقيمة إجمالية تصل إلى 340 ألف جنيه في الحصة.
وخلال التحقيق معه، تبيّن أن هذا المعلم يحصل على 300 جنيه من كل طالب نظير حضوره حصة المراجعة، أي ما يصل إجماليه إلى نحو 1.2 مليون جنيه في الحصة الوحدة.
سيارة أحدث موديل من المعلم للطالب المتفوق
ظاهرة “المدرس النجم” تتكرر كثيرًا فيما يُعرف بـ"سناتر" الدروس الخصوصية، التي يقبل عليها الطلاب والطالبات بكثافة، ليس فقط للحصول على الملازم التي يضعها المعلم بشكل مختصر للمنهج، بل أيضًا لتقديم المعلم هدايا فاخرة لطلابه المتميزين، ومن بين هؤلاء معلم منح طالبًا متفوقًا سيارة موديل 2023 كنوع من تحفيز ودعم الطلاب، حسبما قال في تصريحات لوسائل إعلام وقتذاك، غير أن الأمر يكشف جانبًا آخر من التسويق وصناعة بيزنس من التعليم.

من يتحكم في أسعار ملازم الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة؟
في المقابل، يدافع المعلمون عن “ملازمهم”، حيث يقول مدرس فيزياء - فضل عدم ذكر اسمه - غالبية الملازم تباع بأسعار رمزية، والملازم ليست تجارة، والكثير من المعلمين يطبعون كميات كبيرة لخفض التكلفة على الطلاب، غير أنه أشار إلى المبالغة في الأسعار قائلًا: من حق المعلم تقدير جهده في إعداد الملزمة من خلال سعرها.
مدرس الفيزياء نفى ارتفاع أسعار الملازم، لافتًا إلى أنها لا تتجاوز الـ200 جنيه في أغلب المواد، لكن الحقيقة على غير ذلك، ويمكن لأي طالب أو ولي أمر التحقق من ذلك بالسؤال عن سعر ملزمة لأي من المواد في المكتبات وسيتضح أنها في حدود 200 إلى 500 جنيه.
المبالغة في تقدير قيمة تلك الملازم، أكدها أستاذ جامعي سبق له العمل في مهنة التدريس، يدعى خالد الزهري الذي كان معلمًا لمادة الأحياء: “إذا كلفت الملزمة 100 جنيه يبيعها المعلم بـ200”، مؤكدًا وجود بيزنس قائم على طمع المعلمين لتحقيق أكبر قدر من الأرباح خلال شهور السنة الدراسية التي يعتبرونها موسمًا.
تكلفة طباعة الملزمة لا تتجاوز 230 جنيهًا
وهناك جانب خفي في “بيزنس الملازم”، كشفه لنا صاحب مكتبة متخصصة في طباعة الملازم بمحافظة سوهاج، يُدعى "توماس.م"، حيث قال: “المدرس بياخد الملزمة من المكتبة ويوزعها بنفسه ضمانًا لحصول جميع الطلاب عليها وتحصيل قيمتها”.
وأكد أن هناك ضغطًا كبيرًا في طباعة الملازم طوال موسم الدراسة، حيث يصل عدد النسخ للحصة الواحدة لحوالي 100 نسخة، لافتًا إلى أن تكلفة إعداد الملزمة وطباعتها لا تتجاوز 230 جنيهًا، لكن يبيعها المدرسون بأسعار تفوق ذلك بكثير.
ويكاد يتفق كافة متابعي ملف التعليم في مصر على وجود بيزنس خفي للمدرسين من وراء “سبوبة الملازم” والكتب المطبوعة بأسمائهم على خلفية انتشار الدورس الخصوصية، هكذا يؤكد الخبير التربوي الدكتور مجدي حمزة، مشيرًا إلى أن تكلفة الملزمة لا تتجاوز 100 جنيه لكن أسعارها تصل إلى 1200 جنيه في مواد اللغات والمواد الهامة في مراحل الشهادات.

ويوضح حمزة لـ"تليجراف مصر" أسباب ارتفاع أسعار الملازم الدراسية: “المعلمون يستخدمون عائدات وإيرادات الملازم في تغطية رواتب مساعديهم سواء داخل السنتر أو خارجه”.
لماذا غابت الكتب المدرسية؟
وفيما يتعلق بأسباب انتشار “بيزنس الملازم الدراسية”، قال الخبير التربوي إن المعلمين حولوا الأمر إلى بيزنس مع غياب الكتاب المدرسي.
وأوضح: رغم أن المعلومات الواردة في الكتاب المدرسي أفضل من الواردة في الملازم، فإن أساليب العرض لدى المعلمين في الملازم تكون أفضل باعتبارها تعتمد على مهارات المدرس في إيصال المعلومات، بخلاف استخدامه تنسيقًا بصريًا بشكل إخراجي مميز مع زيادة عنصر الإبهار ما يزيد من إقبال الطلاب على الملازم.

وأكد حمزة غياب الرقابة على محتوى الملازم وطباعتها وكذلك مراكز الدروس الخصوصية التي تتولى إعدادها وتوزيعها، وهو ما أيّدته مؤسِسة ائتلاف أولياء أمور مصر، داليا الحزاوي، حيث أكدت أن غياب الكتاب المدرسي في المرحلة الثانوية مع تحول وزارة التربية والتعليم إلى التجربة الرقمية والتابلت، أسهم في زيادة بيزنس طباعة الملازم.
وفي عام 2020، أصدر الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم آنذاك، قرارًا بوقف طباعة الكتب الورقية لطلاب صفوف المرحلة الثانوية والاكتفاء بتوزيع التابلت مع إتاحة منصة لإدارة التعليم تتيح نسخًا رقمية إلكترونية من المناهج المقررة، ما زاد من بيزنس الملازم وأثقل الأسر المصرية بمزيد من التكاليف، بحسب الحزاوي.
اقرأ أيضًا:
واخد شهادتك منين؟.. "كيان تعليمي وهمي" في باكستان يخدع 200 ألف خليجي
خريجة أكاديمية مزيفة.. "منى" تروي مأساة 4 سنوات وهمية
البكالوريا "تحمّر عينها" لطلاب الثانوية.. هل تفرضها المدارس إجباريًا؟

الأكثر قراءة
-
نادية فكري لـ"تليجراف مصر": الصدفة قادتني لرفع الأثقال، وهذه رسالتي للشباب
-
تراجع مفاجئ في سعر الذهب اليوم، ما السبب؟
-
رابط وخطوات استخراج نتيجة الشهادة الثانوية السودانية من الإنترنت
-
إكسسوارات بيزنس التعليم.. ملازم "تقطم" الظهر وكتاب مدرسي خارج الزمن
-
زيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل، ترحيب شعبي واسع و5 ملفات هامة
-
المقاعد تُمنح لا تُنتخب.. كيف أعادت "القائمة الوطنية" تشكيل الخريطة البرلمانية؟
-
أسرة المتهم في "جريمة الإسماعيلية" تكلف المحامي أحمد حمد للدفاع عنه
-
بث مباشر مباراة آرسنال وأتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا

أخبار ذات صلة
تطبيق إلكتروني يساعد المحامين، كيف فاز طلاب كلية الحقوق بجائزة هاكاثون؟
21 أكتوبر 2025 10:17 م
كيف استلهم مرتكب جريمة الإسماعيلية فكرته من مسلسل Dexter؟
21 أكتوبر 2025 09:30 م
أزمة تنس الطاولة, عرض جديد لأمراض الرياضة المصرية المزمنة
21 أكتوبر 2025 08:09 م
المقاعد تُمنح لا تُنتخب.. كيف أعادت "القائمة الوطنية" تشكيل الخريطة البرلمانية؟
21 أكتوبر 2025 03:20 م
أكثر الكلمات انتشاراً