الأربعاء، 29 أكتوبر 2025

04:28 م

حين يَسُمّك بكلمة ويتلذذ بإيذائك

هناك أناس لا يعيشون إلا على أنقاض الآخرين، ولا يزدهرون إلا حين يخمدون بريق من حولهم. يَسُمّونك بكلمة، ويبتسمون وكأن شيئًا لم يكن. يَطعَنونك بعبارة لاذعة ويغلفونها برداء المزاح أو “النية الطيبة”، بينما السمّ يسري في روحك بهدوء قاتل.

الشخص الذي يتعمد الإيذاء لا يهاجمك لأنك أخطأت، بل لأنك تُذكّره بنقصه الذي يحاول دفنه في أعماقه. كلما رآك متوازنًا، مشرقًا، ناجحًا أو محبوبًا، اشتعل داخله جرحٌ قديم… جرح المقارنة، جرح العجز، وجرح الخوف من أن يكون لا شيء.
لذا، يختار طريق الهجوم بدل المواجهة، والتهكم بدل الصراحة، فيُمارس الأذى وكأنه فنّ في إثبات الوجود.

إنه لا يراك كما أنت، بل يرى نفسه فيك. يرى ضعفه في قوتك، وانكساره في نجاحك، فيتربص بأي لحظة يظن أنه قادر فيها على تقليص قامتك لتتناسب مع مقاييسه الصغيرة.
لكن الحقيقة المؤلمة أنه لا يستطيع أن يعيش دون أن يؤذي، لأن الإيذاء عنده صار إدمانًا عاطفيًا، يمنحه لحظة نشوة زائفة وسط خوائه الداخلي.

إنه إنسان جائع للسيطرة، لا يشبعها إلا حين يراك تتألم أو تشك في ذاتك.

فهو لا يبحث عن الحق، بل عن التفوق، ولا يريد الإصلاح، بل الخضوع.

كل جرحٍ يتركه فيك هو انعكاس لجرحٍ أعمق في داخله، جرح لم يُشفَ منه منذ زمنٍ بعيد.

أما أنت، فمهمتك ألا تنزلق إلى معركته. لا تردّ عليه بصراخ، ولا تمنحه شرف التأثير فيك.

تعامل معه كما تتعامل مع شوكةٍ في طريقك: تراها، تتفاداها، وتمضي..

لأن الرد الحقيقي على الإيذاء ليس بالانتقام، بل بالتماسك.

ليس بالصوت العالي، بل بالصمت الواثق.

وتذكّر دائمًا: من يقلل منك، يعترف ضمنًا بأنك تثير فيه ما يعجز عن بلوغه.
ومن يتعمد إيذاءك، إنما يعلن — دون وعي — أنه لا يستطيع العيش دون ظلك.

“ولأننا لا نُشفى إلا حين نواجه جرحنا،
تذكّر أن المؤذي لا يحتاج إلى كراهيتك… بل إلى وعيك.
فكلما فهمت وجعه، صِرتَ أنت من يملك زمام السلام”..

search