السبت، 01 نوفمبر 2025

03:20 م

رقابة بلا استثناء.. لماذا عاقب المركزي بنك أبوظبي الأول وغرم بنوك أخرى؟

بنك أبو ظبي الأول

بنك أبو ظبي الأول

 فاجأ البنك المركزي المصري القطاع المصرفي بقرار فرض غرامات مالية ضخمة على عدد من البنوك العاملة في السوق، على رأسها بنك أبوظبي الأول مصر بقيمة تقارب مليار جنيه، في إجراء غير مسبوق من حيث الحجم والتوقيت، بعد ثبوت مخالفات في منح التسهيلات الائتمانية لكبار العملاء.


القرار الذي هز أروقة البنوك وأثار تساؤلات حول أسبابه وتداعياته، فتح باب النقاش واسعًا حول مدى تأثير هذه العقوبات على استقرار النظام المصرفي وأموال المودعين، خاصة وأنها طالت أيضًا بنوكًا أخرى مثل بنك الكويت الوطني مصر وبنك الشركة المصرفية العربية الدولية (سايب).


ورغم أن الغرامات المالية بدت للبعض مؤشرًا على أزمة خفية، فإن خبراء مصرفيين أكدوا لـ"تليجراف مصر" أن ما حدث يدخل ضمن الإجراءات الرقابية الدورية الصارمة التي يتبعها البنك المركزي، لضمان الانضباط المالي والحوكمة الرشيدة داخل الجهاز المصرفي، وليس مؤشرًا على اضطراب أو خلل داخلي.


قال الخبير المصرفي عز الدين حسانين، إن العقوبات التي أصدرها البنك المركزي المصري مؤخرًا ضد بعض البنوك، من بينها بنك أبوظبي الأول، مصر وبنك الكويت الوطني، لا تمثل حالة استثنائية أو أزمة داخل الجهاز المصرفي، بل تأتي ضمن الإجراءات الرقابية المعتادة التي ينفذها البنك المركزي لضمان الانضباط المالي وسلامة الأداء الائتماني داخل البنوك العاملة بالسوق المصرية.

تفاصيل غرامات المركزي على البنوك

وبحسب ما نقله “الشرق بلومبرج”، فإن البنك المركزي، فرض غرامة مالية قياسية تقدر مليار جنيه “ما يعادل 21 مليون دولار"، على بنك أبوظبي الأول مصر، بعد ثبوت مخالفته للضوابط المنظمة لعمليات منح التسهيلات الائتمانية، كما تم توقيع غرامات مالية متفاوتة عليها، من بينها بنك الكويت الوطني مصر الذي بلغت الغرامة المفروضة عليه نحو 170 مليون جنيه، وبنك الشركة المصرفية العربية الدولية “سايب” بقيمة أقل، وجاءت هذه الغرامات ضمن التفتيش الدوري التي يجريه المركزي في البنوك.

البنك المركزي

وأضاف حسانين، لـ"تيجراف مصر"، إن إدارة التفتيش والرقابة بالبنك المركزي تقوم بعمليات مراجعة دورية وشاملة لكافة البنوك، خصوصًا لقطاعات الائتمان وإدارة المخاطر، بهدف التأكد من التزامها الكامل بالتعليمات التنظيمية والسياسات الائتمانية المعتمدة من البنك المركزي.

وتابع الخبير المصرفي، أنه من الطبيعي جدًا أن تظهر مخالفات أو ملاحظات خلال عمليات الفحص، فهذه المؤسسات تدير آلاف العمليات اليومية، وقد تكون بعض الأخطاء نتيجة نقص في البيانات أو صرف مبالغ بآلية تختلف عن الموافقات الائتمانية الأصلية، وهنا يتدخل البنك المركزي لتصحيح المسار، مشيرًا إلى أن المركزي يركز خلال مراجعاته على عدد من العناصر الجوهرية، من بينها دقة الاستعلامات الائتمانية التي أجراها البنك للعميل، ومدى تطابقها مع البيانات المجَمعة عن موقفه المالي، إضافة إلى تقييم مدى التزام البنك بالحدود المقررة لكل عميل من حيث حجم التمويل والقدرة على السداد.

ولفت إلى أن المخالفات الجسيمة أو التي تتضمن سوء استخدام للصلاحيات أو تجاوزات في حدود الائتمان تُعد من القضايا التي يتعامل معها البنك المركزي بحسم، حيث يتم توقيع غرامات مالية مباشرة تُعرف في الأوساط المصرفية بالعقوبات الرقابية.

أسباب غرامات البنك المركزي على البنوك 

وفيما يخص العقوبات الأخيرة التي طالت بنك أبوظبي الأول مصر، وبنك الكويت الوطني مصر،  أوضح حسانين أنها تأتي في إطار هذا النهج الرقابي الصارم الذي يتبعه البنك المركزي المصري منذ سنوات، كاشفًا  أن العقوبات المالية التي يفرضها  المركزي لا تُسحب لصالحه كإيراد دائم، وإنما تكون أشبه بإجراء تصحيحي مؤقت، فغالبًا ما يتم احتجاز مبالغ مالية من البنك لفترة محددة تتراوح بين 6 أشهر وحتى عام، لا يحصل فيها البنك على أي فوائد مالية من الأموال،  إلى أن يثبت البنك التزامه الكامل بتصحيح المخالفات وإعادة الأمور إلى نصابها. 

بنك أبوظبي الأول

وبحسب بلومبرج، فإن قرار المركزي ضد بنك أبوظبي الأول مصر، شمل نقل رئيس مخاطر الائتمان بالبنك على خلفية مخالفات تتعلق بتسهيلات ائتمانية مُنحت لشركة بلتون القابضة التابعة لمجموعة شيميرا الإماراتية، والتي تم استخدامها في غير الأغراض المخصصة لها.

ما علاقة أموال المودعين بالغرامات التي فرضها المركزي المصري؟

وأضاف حسانين أن هذه الإجراءات تضمن في الوقت نفسه حماية أموال المودعين والحفاظ على الثقة في الجهاز المصرفي المصري، إذ لا يسمح البنك المركزي بوجود أي خلل في إدارة المخاطر أو منح الائتمان دون ضوابط واضحة، مشيرًا إلى أن البنك المركزي يمنح فترة سماح للبنك المخالف تمتد لسنة أو أكثر، لإتاحة الفرصة أمامه لتصحيح أوضاعه أو إعادة هيكلة محفظة تمويلية معينة، وفي حال التزام البنك بخطة التصحيح وجدولة الالتزامات، يتم إنهاء الإجراء بشكل طبيعي، أما إذا لم يتم الالتزام بالتصحيح، فيتم اتخاذ إجراءات أشد لحماية النظام المصرفي ككل.

من جانبه أوضح الخبير المصرفي، أحمد شوقي، أن هذه الخطوة ستدفع البنوك إلى مزيد من الحذر في منح التسهيلات الائتمانية، والتأكد من التزام العملاء بالاستخدام المحدد للأموال، مشيرًا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تشديدًا أكبر في تطبيق قواعد الحوكمة والامتثال الرقابي.

وأضاف شوقي، لـ"تليجراف مصر" أن القرار يعكس توجه الدولة نحو ترسيخ مبدأ المحاسبة دون استثناء، مؤكدًا أن الانضباط والالتزام بإدارة المخاطر يمثلان أساس الحفاظ على استقرار وثقة القطاع المصرفي المصري، مشددًا على أن الغرامة التي فرضها البنك المركزي لا تعد مجرد إجراءً عقابيًا، بل رسالة رقابية واضحة تهدف إلى تعزيز الانضباط والشفافية داخل المؤسسات المالية، وضمان الالتزام التام بالقواعد المنصوص عليها في قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020.

أزمة شركة بلتون القابضة وبنك أبوظبي الأول مصر

وأثرت هذه التطورات على أداء سهم بلتون القابضة في البورصة المصرية، حيث أوقفت إدارة البورصة التداول على السهم في بداية تعاملات الأربعاء 29 أكتوبر 2025، لحين تلقي رد رسمي من الشركة بشأن ما تم تداوله، وفي ردها على استفسارات البورصة، أكدت بلتون القابضة في إفصاح رسمي قوة مركزها المالي والتزامها التام بالقوانين والقواعد الرقابية، مشددة على تطبيقها أعلى معايير الحوكمة والشفافية، مع إتاحة حق الرد الكامل للبنوك المذكورة في التقارير الصحفية.

وتعود الأزمة إلى يوليو 2023، حيث نفذت شركة بلتون القابضة ، أكبر زيادة رأس مال في تاريخ البورصة المصرية، عبر اكتتاب تلّقه بنك أبوظبي الأول مصر، وشهد حينها بعض المشكلات التقنية التي عالجها البنك بشراء أسهم بديلة لضمان حقوق المكتتبين، بالتنسيق مع الجهات الرقابية.

شركة بلتون القابضة 

وبعد نشر الإفصاح، أعادت البورصة التداول على السهم الذي تراجع بنسبة 4.15% ليغلق عند 3 جنيهات، متصدرًا قيم التداولات في السوق.

وحتى الآن، لم يصدر البنك المركزي المصري أي بيان رسمي بشأن الغرامة أو تفاصيل التحقيقات، بينما أكد بنك أبوظبي الأول مصر في بيان سابق التزامه الكامل بالقوانين والتعليمات الصادرة عن المركزي المصري، وتعاونه التام مع الجهات الرقابية لضمان أعلى معايير الحوكمة، مع رفضه التعليق على أي معاملات تخص عملائه حفاظًا على السرية المصرفية، كما لم يصدر أي تعليق رسمي من بنك الكويت الوطني مصر بشأن الغرامة المفروضة عليه.

ويشار إلى أن يعد بنك أبوظبي الأول مصر، التابع لمجموعة بنك أبوظبي الأول، ثالث أكبر بنك أجنبي في السوق المصرية بعد استحواذه على بنك عوده مصر، ويملك شبكة فروع تصل إلى 72 فرعًا، أما بلتون القابضة، فتُعد واحدة من أكبر الكيانات المالية في مصر، تضم 18 شركة تعمل في مجالات الاستثمار وإدارة الأصول والسمسرة وتغطية الاكتتابات، وتبلغ محفظة قروضها نحو 22.4 مليار جنيه حتى نهاية يونيو الماضي.

اقرأ أيضا:

المركزي المصري يغرّم بنك أبوظبي الأول مليار جنيه، ما السبب؟

قبل اجتماع الفائدة، "المركزي" يطرح أذون خزانة بـ70 مليار جنيه

المركزي يسحب 146 مليار جنيه من البنوك، ما الهدف؟

موعد اجتماع البنك المركزي المقبل، ماذا تحمل سيناريوهات أسعار الفائدة؟

search