الأحد، 02 نوفمبر 2025

03:28 ص

ميثاق الشرف الانتخابي.. محاولة لتغيير قواعد اللعبة

في كل موسم انتخابي، يتغيّر المشهد في مصر كما لو أننا نعيش فصلاً جديداً من رواية طويلة، اللافتات تملأ الشوارع، والوعود تتدفق كالنهر، والابتسامات تُوزع بسخاء يشبه الكرم الانتخابي لا الكرم الإنساني؛ لكن وسط الضجيج المعتاد، يطل سؤال لا يفقد بريقه أبداً: هل ما زالت الأخلاق جزءاً من اللعبة الانتخابية؟

 الانتخابات البرلمانية الجارية الآن لا تختلف كثيرا في شكلها عن سابقاتها، لكنّها مختلفة في مضمونها، فالناس تغيّرت، والوعي تغيّر، والمواطن الذي كان يُخدع بالشعارات أصبح يقرأ ما بين السطور، ويسأل عن المضمون قبل الصورة، وعن الفعل قبل الوعد. لقد سئم الجميع من الأصوات المرتفعة والبرامج المنسوخة والابتسامات التي تنطفئ فور إعلان النتيجة.

 وفي خضم هذا المشهد، برزت مبادرة غير مألوفة في الحياة الانتخابية المصرية: ميثاق الشرف الانتخابي، الذي أطلقه المرشح عن دائرة الدقي والعجوزة والجيزة، أحمد مرتضى منصور؛ فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في مغزاها: أن تكون المنافسة السياسية شريفة، وأن تعود الأخلاق إلى مقاعد السياسة قبل أن يصل الساسة إلى مقاعد البرلمان.

الميثاق يضم سبعة بنود، تدعو إلى احترام المنافسين، ونبذ المال السياسي، والالتزام بالصدق في الخطاب، وتجنّب التحريض والإساءة، واحترام مؤسسات الدولة والإعلام. بعبارة أخرى، هو دعوة لأن تكون السياسة ممارسة أخلاقية قبل أن تكون معركة انتخابية.

 قد يبدو الميثاق مثالياً للبعض، وربما سيتعامل معه البعض الآخر بابتسامة ساخرة من نوع "ومَن يلتزم بهذه الأمور أصلاً؟" لكن الحقيقة أن كل إصلاح كبير يبدأ دائماً بخطوة صغيرة، وأن الاعتراف بالحاجة إلى الشرف هو أول علامات الوعي. لقد تعب المواطن من الوعود المكرّرة، وهو لا ينتظر معجزات، بل ينتظر صدقاً.

 أن يخرج مرشح في لحظة الزحام ويقول: "لن أشتري صوتاً، ولن أهاجم منافساً، ولن أستخدم الدولة كوسيلة للدعاية" — فهذه وحدها رسالة أقوى من ألف لافتة. إنها محاولة لإعادة تعريف المنافسة الانتخابية بوصفها مسؤولية لا مغنمة، وبأن المقعد النيابي ليس جائزة لمن يملك أكثر، بل لمن يستحق أكثر. 

قد لا يوقّع الجميع على هذا الميثاق، وربما سيعتبره البعض مجرد خطوة رمزية، لكن التاريخ يعلمنا أن الأفكار الكبرى تبدأ غالباً برجل قرر أن يقول "كفى"، وأن السياسة حين تستعيد ضميرها، لا تحتاج إلى شعارات كثيرة. 

في النهاية، ما تحتاجه مصر ليس انتخابات جديدة فحسب، بل ثقافة جديدة في إدارة المنافسة، ثقافة تحترم الناخب والمنافس والدولة على حد سواء. 

وإذا كان ميثاق الشرف الانتخابي قد وضع أول حجر في هذا الطريق، فربما تكون انتخابات 2025 بداية مختلفة، لا في النتائج فقط، بل في القيم التي تُبنى عليها السياسة ذاتها. فالشرف، في النهاية، ليس شعاراً يرفع في الحملات… بل قيمة تُختبر بعد انتهائها.

search