الأربعاء، 19 نوفمبر 2025

12:57 ص

كتاب جامعي مجانا.. أسئلة واقعة النجدي وصمت جامعة أسيوط؟!

في كلية التربية بجامعة أسيوط، كتب الدكتور عادل النجدي صفحة تعتبر ذات قيمة في الالتزام الأخلاقي والإنساني في التعليم، حين قرر توزيع مقرراته الدراسية، كتابين إلكترونيين، على الطلاب مجانا.

لم يكن هذا تصرفا عابرا أو وسيلة للتسويق الشخصي أعتقد ذلك، بل عادة ثابتة يمتثل لها منذ ثلاث سنوات، ابتداء من أول محاضرة في كل عام، لتخفيف الأعباء المادية عن الطلاب الذين يتحملون بالفعل ضغوطا مالية كبيرة نتيجة تكاليف الدراسة الجامعية، هذا التصرف ليس مجرد مساعدة مالية، بل تجسيد حقيقي لمفهوم التعليم كحق أساسي، وليس سلعة تباع، وهو ما يفتقده الكثيرون داخل الجامعات المصرية.

لكن المفاجأة الصادمة أن هذه المبادرة الإنسانية لم تجد أي تقدير، بل صدمت بصمت رسمي من الكلية والجامعة، قبل أن يصدر قرار مجلس الكلية بسحب المقررين اللذين كان يدرسهما النجدي، وتكليف أساتذة آخرين بتدريسهما، بذريعة بسيطة لا معنى لها، وهي أن الكتب لم تسلم للإدارة لبيعها للطلاب، هذه الحجة البيروقراطية السطحية تكشف عن حجم الجمود الإداري، وعن كيفية تعامل بعض المسؤولين الجامعيين في استخدام السلطة ضد زملائهم الأكاديميين، دون أي اعتبار لمصلحة الطلاب أو القيم التعليمية الحقيقية.

الأمر الأكثر إيلاما هو أن ما حدث يظهر بشكل واضح أحد أسوأ وجوه العملية التعليمية في مصر: ضرر بعض الدكاترة بشكل عام وليس بالتحديد في هذه القضية لبعضهم البعض، حيث الصراعات الضيقة على السلطة والمكانة، على حساب الطلاب والمعايير الأكاديمية، فالقرار في وجه نظر أي شخص لم يكن مجرد خطأ إداري، بل خطوة تكشف كيف يمكن لبعض الزملاء استخدام مواقعهم لتقييد المبادرات الإيجابية، وإلحاق الضرر بزميل يعمل لصالح الطلاب، مستغلين اللوائح والقوانين بشكل انتقائي، أو لتصفية حسابات شخصية وفق ما تم طرحه على وسائل التواصل الاجتماعي في تلك القضية، وهو ما يعد مرضا خطيرا في العملية التعليمية، حيث تتحول الجامعات من بيئة علمية إلى حلبة صراعات داخلية وخلافات شخصية.

الدكتور النجدي أوضح أن القرار مخالف لروح قرار المجلس الأعلى للجامعات الصادر في 27 يونيو 2024 بشأن الكتاب الجامعي الإلكتروني، الذي تمنح المادة 12 فيه الأستاذ الجامعي حرية التعاقد على الكتب الإلكترونية بشرط ألا يتجاوز السعر المحدد من الكلية>

توزيع الكتب مجانا، وفق هذا النص، هو التزام أخلاقي وإنساني، وليس خرقا للقانون، ومع ذلك تم تجاهل هذه الحقيقة، وكأن الإدارة والكلية اختارت العقاب والجمود على الحق والإنصاف.

الطلاب كانوا الضحية الأكبر في هذه المعركة الإدارية الباردة، وجدوا أنفسهم فجأة أمام واقع جديد: محاضرات مختلفة، أساتذة جدد، وكتب كانت مجانية أصبحت بعيدة عن متناولهم، هذه الفوضى لا تضر فقط بالجانب التعليمي، بل تهز ثقة الطلاب في العملية التعليمية برمتها، وتجعلهم يشككون في جدوى المبادرات الإنسانية، وفي قيمة الأساتذة المخلصين الذين يضعون مصلحة الطالب قبل أي اعتبار شخصي أو مالي، كل ذلك يحدث بينما رئيس الجامعة، الدكتور أحمد المنشاوي، اكتفى بفتح تحقيق موسع دون أي دعم حقيقي أو موقف يحمي الأستاذ ويؤكد احترام المبادرات التي تخدم الطالب، تاركا العملية التعليمية فريسة للضغائن والمصالح الشخصية والصراعات الداخلية.

إن هذه الواقعة تكشف الوجه الحقيقي لبعض الجامعات، بيروقراطية جامدة، صمت إداري مخجل، ضرر يلحقه بعض الدكاترة بزملائهم لأغراض ضيقة، وعدم احترام المبادرات الإنسانية التي تخدم الطالب، بينما كان يمكن للجامعة والكلية أن تجعل من خطوة الدكتور النجدي نموذجا يحتذى به، اختار المسؤولون العقاب والجمود، وتركوا الطلاب في مواجهة ظلم إداري بارد، هذا ليس مجرد سوء إدارة، بل انعكاس حقيقي لما يحدث عندما تتحول السلطة الأكاديمية إلى أداة للتسلط، خاصة وأن هذا الأستاذ كان عميدًا للكلية، وهو ما يجعلني أقول إن هناك نبرة لتصفية الحسابات الشخصية، على حساب التعليم وأخلاقيات المهنة.

أعتقد أن ما فعله دكتور نجدي الذي لم ألتقِ به، ليس جريمة، بل حق أخلاقي وإنساني، والتخاذل الرسمي في مواجهته هو ما يستحق النقد والفضح. 

على الجميع، من عميد الكلية إلى رئيس الجامعة، وكل من يقرأ هذه الواقعة، أن يدرك أن العملية التعليمية لا يجب أن تتحول إلى ساحة صراعات شخصية، وأن احترام الطالب والأستاذ هو المعيار الحقيقي لأي جامعة تحترم رسالتها، أما التجاهل والصمت أمام هذه المبادرات هو مؤشر على انهيار البنية الأخلاقية داخل بعض الجامعات، وتحويل التعليم إلى مجرد بروتوكولات جامدة، بعيدًا عن روح الرسالة التعليمية، وحقوق الطلاب، ومبدأ العدالة الأكاديمية.

في النهاية، ما حدث مع النجدي ليس مجرد واقعة فردية، بل إنذار صارخ لكل الجامعات المصرية، إذا استمر الجمود الإداري، واستمرار الضرر الذي يلحقه بعض الدكاترة بزملائهم، فإن العملية التعليمية ستظل مهددة، والطلاب هم الخاسر الأكبر، والجامعات ستفقد مصداقيتها بالكامل، على كل مسؤول، وكل من له أي سلطة في الجامعات، أن يفكر مليا قبل أن يتحرك، لأن السكوت على هذا السلوك يعني استمرار الظلم، وإساءة جسيمة لمبدأ التعليم كحق أساسي، وليس كبضاعة تشترى وتباع.

ومن هنا تأتي الأسئلة التي يبدو أنهم يخجلون من الإجابة عليها: كيف يبرر وزير التعليم العالي صمته أمام واقعة الدكتور عادل النجدي، الذي وزع كتابيه الدراسيين مجانا لتخفيف العبء المالي عن الطلاب، في حين اكتفت الجامعة بفتح تحقيق دون أي دعم حقيقي لمبادرة إنسانية واضحة؟

لماذا لم يتحرك رئيس الجامعة لضمان حقوق الطلاب وحماية أستاذ ملتزم، تاركا العملية التعليمية فريسة للجمود الإداري والصراعات الداخلية؟ كيف يفسر العميد سحب المقررات رغم عدم وجود أي شكوى من الطلاب؟ وما الرسالة التي يوجهها لهم بعد أن أصبحت كتبهم فجأة خارج متناولهم؟ وهل يرى رئيس القسم أن استغلال بعض الأساتذة لمواقعهم لإلحاق الضرر بزملائهم يعكس مصلحة العملية التعليمية أم يضعها على المحك؟ وكيف يضمن الجميع أن لا تتكرر هذه التجاوزات التي تهدد مصداقية الجامعات ومصلحة الطلاب؟

عزيزي القارئ شكراً لأنك وصلت إلى تلك النقطة وأعتذر لك سيظل الوضع الجامعي كما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى السماء. 

للحديث بقية،،

رابط مختصر

تابعونا على

search