الإثنين، 29 ديسمبر 2025

10:27 م

حنانيك يا عاشور.. البحث عن عدالة لـ "الأستاذ الحائر"

حين يصبح الصمت سياسة، ويتحول الانتظار إلى عقوبة، وتدار العدالة بعقلية التأجيل لا الإنصاف، يصبح للكلمة واجب لا ترف، فليس كل ظلم يمارس بالصوت العالي، ولكن بعضه يرتكب بهدوء مقلق، خلف مكاتب أنيقة، وأختام رسمية، ووجوه لا ترى في الإنسان سوى ملف أو رقة صفراء مهترئة، هنا، لا يكون الألم صرخة، بل نزيفا بطيئا، ولا يكون الظلم قرارا صريحا، بل إجراء مؤجلا يعرف الجميع أنه لا يغير الحقيقة، لكنه يغير النفوس.

أكتب كلماتي هذه لا بدافع الغضب، بل بدافع الخوف على قيمة العدالة داخل التعليم العالي، وعلى معنى التميز حين يقابل بالإهمال، وعلى الأستاذ الجامعي حين يترك حائرًا بين حق ثابت وواقع قاس، هي كلمات تقال لأن السكوت لم يعد حيادا، ولأن الحنان حين يطلب من صاحب القرار، لا يطلب ضعفا، بل استدعاء للعدل في لحظته الفاصلة.

عزيزي الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أخاطبك بلسان الكلمة التي لم يعد الصمت قادرا على حملها، وبقلم يعرف أن المنصب زائل، وأن العدل هو وحده الباقي، أخاطبك لا لأخاصم، بل لأستنهض فيك ما نعرفه عنك: الأستاذ قبل الوزير، والعالم قبل المسؤول، والإنسان قبل أي توصيف آخر.

حنانيك يا عاشور، فلو أن كل أمر شق علينا تخلينا عنه، ما نهض علم، ولا استقامت جامعة، ولا ولدت فكرة، ولو أن المسؤول حين أُرهق أغلق قلبه، لتحولت السلطة إلى قسوة، وتحولت اللوائح من أدوات تنظيم إلى ذرائع ظلم، إن المسؤولية ليست أن نؤجل، بل أن ننصف حين نقدر.

قل لي بربك، كيف ينام من يعلم أن هناك أستاذا جامعيًا مظلومًا، وأن حقه ثابت، وأن ورقته ستأتي لا محال بالقانون، لكن موعدها قد يغير حياة إنسان؟، كيف يخاطب الضمير هنا وهو يستطيع حل القضية؟ ونحن نعلم أن الصمت ليس حيادا، بل مشاركة صامتة في الأذى النفسي؟، ألم تشعر معالي الوزير بذلك يوما وأنت في ريعان شبابك حينما كنت تتجول في عتبات قسم كليتك داخل أروقتها.. ألم يحدث يوما أنك شعرت بمن يريد أن يفرملك لكي لا تنجح؟!.

نحن لا نتحدث عن قضية عشوائية، بل عن أستاذ جامعي متميز، يحمل سيرة ذاتية جيدة لا بالمسميات، بل بالسنوات الثقيلة، سنوات من البحث، والنشر، والتحكيم، والتدريس، وبناء العقول، وإنفاق المال من قوت أسرته، وسهر الليالي على أوراق علمية لا يراها إلا من عاش مرارتها، هذا الأستاذ لم يطلب منحة، ولم يسعَ لامتياز، بل سار في الطريق الأصعب، وهو أنه دخل السلك الجامعي.

حين قالت اللجنة العلمية كلمتها بالأعلى للجامعات، وأوصت بترقيته أستاذا، ظن أن العدالة اكتملت، وأنه على وشك الانطلاق لمراحل جديدة من عمره، لكن ما حدث بعد ذلك كان أشد قسوة من الرفض؛ من إقاله وتعنت جامعي بلا تفسير، وتأجيل ترقيته بلا سبب، هو صمت ينهش الروح ببطئ، هنا لا يسلب الحق مرة واحدة، بل يستنزف صاحبه حتى الإنهاك، قلي يا معالي الوزير ماذا لو كنت مكانة في هذا الموضع؟!

حنانيك يا عاشور، لماذا نقتل الإبداع بكل صورة؟.. حنانيك يا عاشور، لماذا يعامل التميز وكأنه عبء؟ حنانيك يا عاشور.. لماذا تتحول السيرة الذاتية الحافلة إلى ملف ثقيل، لا إلى وسام استحقاق؟ أي منطق هذا الذي يُرهق الأكفأ، ويُكافئ الصمت والانتظار؟.

كيف نطلب من أستاذ إدارة أن يدرس طلابه الحوكمة والشفافية والعدالة المؤسسية، وهو نفسه أسير منظومة لا تفسر قراراتها، ولا تنهي إجراءً كان يجب أن يكون تحصيل حاصل؟ أي درس نلقنه للطلاب حين يرون أستاذهم المتميز محاصرًا بورقة؟

وأنا أكتب، لا أتحدث عن شخص واحد، بل عن نموذج يتكرر في التعليم العالي في مصر، حيث يتحول التأجيل إلى أداة، ويستخدم الصمت كوسيلة ضغط نفسي، هذا ليس إجراءً إداريًا، بل أذى نفسي ممتد، لا يُقاس بالأيام، بل بما يتركه من انكسار داخلي.

حنانيك يا عاشور، لأن هذا الظلم لا يقف عند الأستاذ وحده، بل ينسحب على أسرته، على بيتٍ يعيش القلق اليومي، وعلى زوجة ترى التعب يأكل شريك عمرها، وعلى أبناء يشعرون بغياب الأب وهو حاضر، أي ثمن هذا الذي يُدفع مقابل ورقة؟

حنانيك، لأنك تعلم جيدًا معاناة الأستاذ الجامعي في الترقي، والبحث، والنشر، والتكلفة، والانتظار الطويل، تعلم أن الترقية ليست لقبًا، بل شهادة حياة كاملة من البذل، وتعلم أن تأخير الحق بعد استحقاقه ليس تنظيمًا، بل ظلما صريحا.

حنانيك يا عاشور، فلو أن التميز كان جريمة، بهذا الشكل لأصبح الأستاذ أول المدانين، ولو أن الاجتهاد يقابل بالعقاب، لكان العدل قد أعلن إفلاسه منذ زمن، لكننا — للأسف — في زمن يحاسب فيه المتقن، ويرهق فيه المجتهد، وتستنزف فيه سنوات العمر أمام أبواب لا تغلق صراحة، ولا تفتح عدلا.

دكتور أيمن عاشور، أكتب إليك، لأن هذه القضية لم تعد تحتمل التأجيل أو التنصل، قضية الأستاذ الحائر الذي استوفى، واستحق، وانتظر أكثر مما ينبغي، وهي اليوم في حاجة إلى تدخلك المباشر، لا إلى مجلس أعلى جامعات أو لجنة جديدة، ولا إلى وقت إضافي.

حنانيك - نداء ورجاء- أن تضع حدا لهذا الملف، وأن تمنح الأستاذ حقه المشروع في الحصول على نسخة من قراره وإعادة حقة المسلوب، وترقيته المستحقة، بقرار ينهي الأمر، ويوقف هذا الأذى النفسي الذي طال أمده، قرار واحد وتدخل منك بجدية وعدل قادر على إعادة الأمل، وترميم الثقة، وإنصاف إنسان.

حنانيك يا د. أيمن عاشور، لأن الحنان في حد ذاته عدل حين يمارس، ولأن التاريخ لا يذكر كثرة الملفات التي توقعها كل يوم، بل يذكر لحظة أنصف فيها مسؤول إنسانا، فانتصر للحق قبل أن ينتصر للمنصب.

search