"المنسحبة".. امرأة تحتفظ بمفاتيح ضعفها
هناك امرأة لا تقع في الحب كما يتوقع الآخرون، ولا تترك قلبها يسقط بالسهولة التي يتخيلها من يقترب منها. حضورها يسبق خطواتها، وذكاؤها يسبق أي محاولة لفهمها، لذلك يظن الرجل الذي يدخل دائرتها أنه فاز بقلب مختلف، وأنه الشخص الذي التقطت روحه انتباهها، بينما الحقيقة أنها لا تمنح أحدًا امتيازًا خاصًا. هو فقط وجد نفسه في مساحة تبدو فارغة لكنها مزدحمة بأسماء كثيرة تنتظر دورها في لائحة لا يراها أحد غيرها.
بعض الرجال يتعاملون مع المشاعر كأبواب واضحة، إما أن تُفتح أو تُغلق، أما هي فتعاملها كنظام تشغيل كامل، يختار الأدوات المطلوبة حسب الحاجة، ويُغلق ما لا يلزم، ويُعيد تشغيل ما يفيد، بلا عاطفة إضافية.
من يقترب منها يشعر بسطوع غريب؛ كأنها تعرف كيف تمنح ضوءًا يكفي ليرى نفسه أفضل، لكنه ضوء مؤقت، من النوع الذي ينطفئ فورًا بمجرد أن تشعر بالملل أو الاكتفاء. قدرتها على خلق حالة انبهار ليست صدفة، بل طبيعة متجذرة فيها، تعرف كيف تُشعر الرجل بأنه مميز، ثم تعرف كيف تنسحب في اللحظة التي ينتظر فيها العبارة التي تُكمل المشهد. هي لا تهرب، لكنها تتحرك من مساحة إلى أخرى بثبات المتمرس في لعبة الاختيارات التي لا تنتهي. تمتلك مهارة نادرة في صناعة الجوع العاطفي؛ تمنح نصف خطوة، وتُبقي النصف الآخر معلقًا ، فيظل الرجل في حالة انتظار لم يُجبر عليها، لكنه وقع فيها دون أن يدرك كيف.
هذه المرأة لا تقدّم نفسها كقصة حب، بل كمعادلة منطقية مغلفة بمشاعر محسوبة. تسمح لغيرها بالتخيل، لكنها لا تعيش أيًا من هذه التصورات. العقل عندها مغلق، ليس لأنه بارد، بل لأنه لا يريد أن يخرج عن حدود السيطرة. هي تعرف جيدًا أن العاطفة مربكة، وأن العمق في العلاقات يخلق مجازفات قد لا تناسب طبيعتها التي تؤمن بأن التغيير السريع أكثر أمانًا من الثبات الطويل. لذلك تُبقي دائمًا احتياطيًا عاطفيًا، ، لتتجاوز أي كسرة أو خيبة، وتنتقل بعدها إلى فصل جديد دون أن تنظر خلفها.
تجيد قراءة الرجال، وتعرف نقاط ضعف كل واحد منهم دون أن تبذل جهدًا زائدًا. الرجل الذي يدللها تحتفظ به، لأنه يمنحها ما تحتاجه من ناعمة الاهتمام. الرجل الذي يعطيها اهتمامًا زائدًا تعتمد عليه، لأنه يقوم بدور الاستقرار المؤقت. الرجل الذي يفتح لها أبواب الدعم تتعامل معه كمساحة آمنة لكنها لا تسكن فيها. كل رجل له مهمة زمنية داخل منظومتها، أما موقع القلب فهو مسار مغلق لا يحصل عليه أحد. ولذلك تبدو دائمًا متوازنة، وكأنها لا تتأثر بانسحاب أحد، لأنها ببساطة لا تستثمر بالكامل في أي علاقة.
الرجال حولها يظنون أنهم الأقرب إليها، وربما يشعر كل واحد منهم بأن حضوره في حياتها استثنائي. هي لا تكذب عليهم، لكنها أيضًا لا تخبرهم بالحقيقة كاملة. تترك لهم حرية تصديق ما يشاؤون، وتترك لنفسها مساحة التحرك دون التزام يقيّدها. بعضهم يراها لغزًا، وبعضهم يراها فرصة، والبعض الأخير يكتشف متأخرًا أنه كان جزءًا في طابور طويل لم يكن يعرف بوجوده. كل علاقة عندها قصيرة بما يكفي لئلا تترك أثرًا عميقًا، وطويلة بما يكفي لإشباع احتياجها اللحظي فقط.
ومن قوة حضورها أنها تعرف كيف تخلق حالة تجعل الرجل يعتقد أنها تفهمه أكثر مما يفهم هو نفسه. تستمع بطريقة توحي بالاهتمام، وتبتسم بطريقة تمنح شعورًا بالقبول، ثم تختفي بعد ذلك بخفة غير مفسّرة. هذا الاختفاء ليس هروبًا من مشاعر، بل هروب من أن يشعر الآخر بأنه تمكن منها. أقوى علامة في شخصيتها أنها تمشي قبل أن تنكشف؛ لا تستنى أن يلمح أحد تضاربها، ولا تسمح بأن يقترب أحد بما يكفي لاكتشاف هشاشتها أو ضعفها الإنساني الطبيعي. الرحيل عندها وسيلة حماية، وقطع العلاقات مهارة لا تحتاج معها إلى مقدمات.
لا يمكن وصفها بالطيبة ولا بالقسوة، فهي ليست هذا ولا ذاك. هي امرأة تعرف تمامًا ماذا تريد، ولكنها تعرف أكثر ما لا تريد. تريد مساحة واسعة تتحرك فيها دون أن تُسأل عن وجهتها، وتريد قلوبًا تقترب دون أن تطالبها بالثبات، وتريد حياة تسمح لها بأن تجرّب دون أن يحاسبها أحد على النتائج. لا تبحث عن الحب لأنها لا تؤمن أنه الطريق الذي يناسبها، ولا تبحث عن ارتباط لأنها ترى فيه اختناقًا محتملًا. كل ما تريده هو علاقة مُتحكم في حدودها، واضحة بالنسبة إليها، وغامضة بالنسبة إلى من يدخل عالمها.
الرجال الذين مرّوا في حياتها لا يعرفون أنها لا تعيش العلاقات من منظور الخسارة أو المكسب، بل من منظور التجربة. كل رجل كان تجربة، لا أكثر ولا أقل. قد تتعاطف مع أحدهم، قد تشتاق للحديث مع آخر، لكنها لا تمنح أحدًا مفاتيح ضعفها. وإذا حدث وظهرت عاطفتها بشكل عابر، فهي لحظة طارئة لا تُبنى عليها توقعات. لذلك تبدو أحيانًا باردة، وأحيانًا مشتعلة، وأحيانًا غير مفهومة على الإطلاق. تجمع بين النقيضين، وتوزع حضورها على الجميع دون أن تنتمي لأحد.
والغريب أن هذا النموذج من النساء لا ينجذب للرجال الذين يبحثون عن علاقة مستقرة؛ لأنها لا ترى نفسها جزءًا من مثل هذه الحياة. هي انجذابها الحقيقي للرجل الذي يقدّر حريتها، ويملك قدرة على الاحتفاظ بتوازنه دون أن ينهار من غيابها. الرجل الذي لا يطاردها، ولا يضغط عليها، ولا يطالبها بما تفوق قدرتها على العطاء. وجود مثل هذا الرجل قد يفتح بابًا صغيرًا جدًا داخلها، لكنه لا يتحول إلى باب كامل. فالمساحة التي تحميها داخلها أكبر من أي علاقة.
هذه المرأة ليست شريرة ولا أنانية كما قد يظن البعض، بل لديها منطق مختلف للحياة. ربما جُرحت سابقًا، وربما اختبرت علاقة جعلتها تؤمن أن الثبات ليس ضمانًا، وربما اكتشفت أن الاعتماد على الآخرين مخاطرة. لذلك صنعت عالمها الخاص، نظامًا لا يقترب منه إلا من يقبل قواعدها. قد يراها البعض قوية، وقد يراها آخرون هاربة، لكن الحقيقة أنها اختارت طريقًا يناسبها، طريقًا لا يجعلها تخضع لصدمات مفاجئة أو خسارات مؤلمة.
واللافت أن أكثر ما يجذب الرجال إليها هو قدرتها على جعلهم يشعرون بأنهم مميزون، رغم أنهم ليسوا سوى محطات عابرة في رحلتها الطويلة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن لبعضهم أثرًا عميقًا، لكن أثرًا لا يدوم أكثر من لحظة. هي سريعة الالتقاط، سريعة التعلم، وسريعة الخروج. تعرف جيدًا حجمها، وتعرف أكثر حجم الآخرين في عالمها.
وفي النهاية، يظل السؤال معلّقًا: هل هي امرأة خائفة من الحب أم امرأة مقتنعة أن الحياة لا تُعاش بقلب واحد؟ الإجابة ربما بين الاثنين، وربما لا شيء منهما. كل ما يمكن الجزم به أنها امرأة صنعت لنفسها طريقة لا تشبه أحدًا، وتعيش وفق منطقها، وتنسحب قبل أن يُكشف ضعفها، وتقرر دائمًا أن تبقى هي صاحبة الخطوة الأولى والأخيرة في كل علاقة.
الأكثر قراءة
-
دعاء أول رجب 2026، فضل الشهر وأفضل الأدعية المستحبة
-
"مقبولة منك يا ضنايا"، رضوى الشربيني ترد على أحمد العوضي
-
مشاهدة مباراة ريال مدريد وإشبيلية في الدوري الإسباني
-
الإفتاء تعلن غدا أول أيام شهر رجب لعام 1447 هجريا
-
السبب مفاجأة، شقيق ناصر البرنس يشعل النيران بنفسه بعد أيام من افتتاح فرع زايد
-
بالتردد، القنوات الناقلة المجانية لكأس الأمم الأفريقية 2025
-
بتهمة إفشاء الأسرار، والدة سفاح التجمع تقاضي صناع فيلم أحمد الفيشاوي (خاص)
-
أسعار سيارات DFSK موديل 2026 في مصر بعد طرح 3 طرازات
مقالات ذات صلة
خرافة تبحث عن ضحية.. البشعة وبشاعة ما وصلنا إليه
12 ديسمبر 2025 08:20 ص
"المُز" الذي أوقعني في شرّ وسامته
05 ديسمبر 2025 09:36 ص
المسافة الخفية بين حاجات المرأة وطريقة فهم الرجل
28 نوفمبر 2025 08:14 ص
لما الكبير يتدخل لإيقاف المهازل
21 نوفمبر 2025 08:44 ص
أكثر الكلمات انتشاراً