الثلاثاء، 30 ديسمبر 2025

12:49 ص

دورة حياة الإهمال

الإهمال في تعريفة البسيط هو عدم الوصول إلى الحد الأدنى من العناية المطلوبة، ويتساوى في نتائح الإهمال كل من آتاه بعفوية أو عمد، فكلاهما واحد ولكن، لم تذكر المراجع اللغوية الكثير عنه هل هو معدي؟ هل يمكن أن يُورّث؟ هل من الممكن علاجه وكيف؟ هل يتكاثر؟ هل يمكن قياسه؟.

ويقاس اللاإهمال  بشدة تأثيره ونسبة تكراره، فإذا ما كان مؤثرا لدرجة الخسارة الأدبية أو المادية أو الجسدية فهو ذو تأثير شديد، وإذا كان معدل تكراره عاليا ولكن دون تأثير فهنا يصبح عادة، وإذا كان معدل التكرار هو سبب التأثير فهو إهمال متعمد، وإذا كان الإهمال المتعمد أو غير متعمد و أنتج أثرا، فهو يقع تحت طائلة القانون.

وإذا كان الإهمال منتشرا في نطاق واحد فقد تسبب بعدوى، وإذا كان منتشرا في أكثر من نطاق فهو وباء، وإذا لم تتم معالجته ومعاقبة المتسببين فيه فسرعان ما  يصبح طاعونا ويألفه الفاسدون ويصير عادة مدمرة، وإذا توالت عليه الأجيال دون تغيير في هذه العادة المدمرة سيورث، وهنا لا بد من حلول جذرية قصيرة وطويلة الأجل.

فكيف هو الحال إذا تمكّن الإهمال من العديد من المؤسسات الحيوية، كيف هو الحال إذا تمكّن من أجيال وأجيال من الموظفين المهملين، سيكون الوضع ما نحن عليه، يهمل موظف فينقلب قطار ويهمل موظف فينهار مبنى ويهمل موظف فيحدث خطأ في أوراق ثبوتية رسمية، ويغتصب طفل، ويفشل منتخب، ويهرب لاعب، ويغرق سباح، ويجنس بطل لدولة أخرى، فتكرار الإهمال كارثة، وتستبدل أوراق امتحان طالب بآخر، وتكثر حوادث الطرق، وتفقد بطولات، وتتحدث الصحف والمواقع الإخبارية ويتهافت المؤثرون والموتورون على التريند السلبي، فنصير حديث العالم وتشوه صورتنا، ويحبط المواطنون وييأس الشباب من الإصلاح.

سواء كان المهمل موظفا برتبة قبطان على مركب تجنح أو عامل قطار أو موظف محليات أو حتى طالب مهمل أو صاحب مهنة مهمل، أو حتى طبيب، أو حتى رئيس اتحاد لعبة أو إعلامي رياضي مثلاً، يظل الإهمال الوجه الآخر للفساد، أو بمعنى أوقع يصبح الإهمال هو مرادف الفساد وطوق النجاة للفاسد بأنه مهمل فقط وليس فاسدا.
كيف هو الحال إذا أصبح الإهمال ثقافة يمارسها الكثيرون، حتى تصبح عادة حياتية يومية، فسائق الميكروباص أو التوكتوك اعتاد مخالفة المرور فأصبحت عادة، اعتاد الإهمال في تنفيذ القوانين واللوائح، هل يلام الشخص المهمل على إهماله؟ أم يحاسب على تقصيره؟ أم يُجرم كفاسد؟ 

الإهمال هو خطأ جسيم في حق النفس والمجتمع وعدم حساب المهمل هو خطأ أكبر يجعل من الإهمال عادة وثقافة وموروث، فالعقوبة تضع حدا لعادة الإهمال، والعقوبة هنا ليس سن القوانين فقط!! بل تنفيذها بشكل عاجل ورادع، هذا على المستوى المجتمعي. أما على المستوى الإنساني إذا لم يجد الإنسان لنفسة رادعا، لن يجدي معه القانون وسيعيد محاولات الخرق بكل الطرق وينتقل الأمر إلى حالة من التذاكي على القوانين والرغبة في تحقيق انتصار ذاتي داخلي يشبع فيها رغبته الخاصة بأنه أذكى إنسان، مما يشعره أنه على حق وليس القانون هو الحق، فلا غنى عن تطبيق القانون ولا غنى عن صحوة النفس لمحاربة عادة الإهمال.

title

مقالات ذات صلة

هل يسقط الفنان...؟

20 ديسمبر 2025 08:40 ص

ما وراء السور

13 ديسمبر 2025 08:20 ص

فئران تجارب

06 ديسمبر 2025 08:30 ص

ثمن القيمة

29 نوفمبر 2025 08:30 ص

search