الزواج الذي استمر طويلًا.. لماذا لا تحميه السنوات من الانهيار؟
حين يعلن انفصال زوجين بعد زواج تجاوز خمسة وعشرين عامًا، لا يكون الخبر عاديًا، حتى وإن حاولنا التعامل معه بهدوء. لأن العلاقات الطويلة لا تسقط فجأة، ولا تنتهي بقرار واحد، بل تنهار بعد سلسلة طويلة من التصدعات الصامتة التي لا يراها أحد. نحن هنا أمام شخصيتين عامتين، عاشتا سنوات طويلة تحت الأضواء، لكن ما جرى بينهما لم يكن استثنائيًا بقدر ما كان إنسانيًا، مؤلمًا، ومألوفًا أكثر مما نحب الاعتراف به.
الزواج الطويل يمنح وهم الأمان. نعتقد أن السنوات الكثيرة تشبه الحصن، وأن من صمد ربع قرن لا يمكن أن يسقط. لكن الحقيقة أكثر قسوة. الزمن وحده لا يصنع علاقة ناجحة، والاستمرارية لا تعني بالضرورة التواصل، ولا تعني أن القلوب ما زالت تمسك ببعضها كما كانت. هناك زيجات تستمر لأن الطرفين تعودا، لا لأنهما ما زالا يختاران بعضهما كل يوم.
قبل أي انفصال رسمي، يحدث انفصال أخطر، انفصال داخلي. يبدأ أحد الطرفين في الغياب وهو ما زال حاضرًا جسديًا. تقل الحوارات، تتآكل التفاصيل، يصبح الصمت لغة يومية، وتتحول العلاقة إلى إدارة بيت لا شراكة روح. في هذه المنطقة الرمادية، لا يشعر الطرف الآخر بالانهيار الفوري، بل بشيء أشبه بالبرود التدريجي، الذي لا يُدق له جرس إنذار واضح.
الرجل في هذه القصة هو من اختار الرحيل. ليس بدافع نزوة عابرة، بل نتيجة تعلق عاطفي بامرأة أخرى. وهنا لا بد من التوقف عند نقطة جوهرية: الارتباط العاطفي خارج الزواج غالبًا لا يكون السبب الحقيقي، بل العرض الأخير لخلل قديم. لا يبدأ الرجل فجأة في الحب، بل يبدأ في البحث. يبحث عن شعور مفقود، عن تقدير، عن حياة داخلية لم يعد يجدها في بيته. هذا لا يبرر الخيانة، لكنه يفسرها، والفرق كبير بين التفسير والتبرير.
كونهما شخصيتين عامتين يضيف عبئًا إضافيًا. الصورة العامة تفرض على العلاقات الخاصة ضغطًا هائلًا. هناك خوف دائم من الفشل، من كسر النموذج المثالي، من الاعتراف بأن ما يظهر للناس ليس هو الحقيقة كاملة. كثير من الأزواج في دائرة الضوء يؤجلون المواجهة، يراكمون الخسارات، لأن الانفصال لا يكون خاصًا، بل حدثًا عامًا، مادة للنقاش والتحليل والفضول.
الصدمة الأكبر تقع غالبًا على الطرف الذي لم يختر الرحيل، وهو هنا المرأة التي أمضت مع شريكها أكثر من ربع قرن. حتى وإن كانت شخصية مرموقة، محترمة، وقادرة على إدارة حياتها، فإن تركها بهذه الطريقة يخلق سلسلة من الصدمات النفسية والعاطفية والاجتماعية. تشعر بالخيانة، بالخسارة، وبالإحساس بأن السنوات كلها مضت في وهم الاستقرار. الوحدة التي تفرض نفسها بعد الانفصال تتقاطع مع فقدان الدعم العاطفي الذي اعتادت عليه، ومع إعادة ترتيب حياتها وهويتها بعد أن فقدت شريك العمر. وهنا تكمن قوة المرأة الحقيقية: عليها أن تعتبر هذا الرجل وكأنه لم يكن، وأن تنهض نفسيًا، وتترك خلفها كل ما مضى، وأن تعيد بناء حياتها على نحو يرضيها ويسعدها فيما هو قادم. القدرة على إعادة اكتشاف الذات والتمسك بحقها في السعادة ليست مجرد رفاهية، بل واجب تجاه نفسها بعد كل هذه السنوات، لتتحرر من عبء الماضي وتبدأ فصلًا جديدًا من حياتها بثقة وإرادة.
أما الرجل الذي غادر، فليس بالضرورة الرابح كما يتخيل البعض. الاختيار لا يعني السلام. كثيرون يظنون أن الرحيل نحو علاقة جديدة هو خلاص، لكنه في أحيان كثيرة تأجيل للمواجهة الحقيقية مع الذات. إذا لم يُفهم ما الذي كسر العلاقة الأولى، سيُعاد إنتاج الكسر نفسه بأشكال مختلفة. الحب الجديد قد يمنح نشوة مؤقتة، لكنه لا يعالج الفراغ العميق إذا لم يُفكك أسبابه.
الطلاق بعد عمر طويل له أثر اجتماعي معقد. المجتمع لا يتعامل معه كما يتعامل مع الانفصال المبكر. هناك دهشة، تساؤلات، وأحيانًا أحكام قاسية. البعض يتعاطف، والبعض يلوم، والبعض يختزل القصة كلها في خيانة رجل لزوجته، متناسيًا أن العلاقات الإنسانية أعقد من ذلك. الأطفال إن وجدوا، حتى وإن كانوا كبارًا، لا يخرجون سالمين نفسيًا. صورة الأسرة التي عرفوها تتغير، ويضطرون لإعادة ترتيب مشاعرهم ومواقفهم تجاه الأب والأم معًا.
الخسائر غير المرئية هي الأكثر إيلامًا. البيت الذي كان ذاكرة مشتركة، التفاصيل الصغيرة، الطقوس اليومية، كلها تفقد معناها. الهوية الزوجية التي تشكلت عبر السنين تتفكك، ويجد كل طرف نفسه أمام سؤال قاسٍ: من أنا خارج هذه العلاقة؟ هذا السؤال لا يطرحه الشباب فقط، بل يطرحه من ظنوا أن الإجابة محسومة منذ زمن.
المشكلة الحقيقية ليست في أن رجلًا أحب امرأة أخرى، ولا في أن زواجًا انتهى، بل في الطريقة التي نستهلك بها هذه القصص. نحولها إلى فضيحة، إلى مادة للشماتة أو الفضول، وننسى أنها قصة بشرية مليئة بالألم والتعقيد. الانفصال ليس انتصارًا لطرف وهزيمة لآخر، بل فشل مشترك في الحفاظ على مساحة آمنة للنمو والتعبير.
ما نتعلمه من هذه القصة أن الصمت داخل العلاقات أخطر من الصراخ، وأن الإهمال العاطفي يمهد للخيانة أكثر مما يفعل الخلاف. نتعلم أن الصراحة المبكرة، حتى وإن كانت مؤلمة، أقل قسوة من نهايات متأخرة تهدم ما تبقى من احترام. ونتعلم أيضًا أن الرحيل، إذا كان لا بد منه، يجب أن يكون مسؤولًا، واضحًا، خاليًا من الخداع، لأن الألم لا يُلغى لكنه يمكن أن يُدار بإنسانية.
في النهاية، هذه ليست قصة شخصين مشهورين، بل مرآة لزيجات كثيرة تعيش على الهامش، تستمر بالشكل وتنهار بالمضمون. والزواج، أي زواج، لا يحتاج فقط إلى الحب في بدايته، بل إلى شجاعة المواجهة طوال الطريق، وإلى قرار يومي بالبقاء حاضرًا قبل أن يبحث القلب عن ملجأ آخر.
الأكثر قراءة
-
شاهد القنوات المفتوحة لمباراة مصر وجنوب أفريقيا في كأس أمم أفريقيا
-
موعد مباراة مصر وجنوب أفريقيا في كأس أمم أفريقيا والقناة الناقلة
-
قناة مجانية تنقل مباراة مصر وجنوب أفريقيا في كأس الأمم الأفريقية 2025
-
منذ سنوات، حوادث سقوط ومحاولات التخلص من النفس داخل الحرم المكي
-
تردد قناة الجزائرية الأرضية الناقلة لمباراة مصر وجنوب أفريقيا
-
تفاصيل 6 ساعات تحقيق في قضية الفيديوهات، قصة حبس طليق المطربة رحمة محسن
-
موعد مباراة المغرب و مالي في كأس أمم أفريقيا والقناة الناقلة
-
رجل الأمن البطل، أول صورة لمنقذ معتمر من الأدوار العلوية بالمسجد الحرام
مقالات ذات صلة
"المنسحبة".. امرأة تحتفظ بمفاتيح ضعفها
19 ديسمبر 2025 08:29 ص
خرافة تبحث عن ضحية.. البشعة وبشاعة ما وصلنا إليه
12 ديسمبر 2025 08:20 ص
"المُز" الذي أوقعني في شرّ وسامته
05 ديسمبر 2025 09:36 ص
المسافة الخفية بين حاجات المرأة وطريقة فهم الرجل
28 نوفمبر 2025 08:14 ص
أكثر الكلمات انتشاراً