تحرك إسرائيلي جديد في القرن الأفريقي، هل يستخدم نتنياهو "أرض الصومال" لضرب مصالح مصر الحيوية؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
أثار إعلان إسرائيل اعترافها الرسمي بأرض الصومال "صومالي لاند" كدولة مستقلة ذات سيادة، موجة واسعة من الجدل السياسي والإقليمي، وسط تساؤلات متصاعدة حول خلفيات هذه الخطوة وتوقيتها، وما قد تحمله من تداعيات مباشرة على أمن منطقة القرن الأفريقي، والتداعيات الاستراتيجية على دول المنطقة وفي مقدمتها مصر.
الاعتراف بصومالي لاند وعلاقته بالأمن القومي المصري
وفي هذا السياق، قال المستشار في الأمن القومي والعلاقات الدولية اللواء محمد عبدالواحد، إن التحرك الإسرائيلي يندرج ضمن مساعٍ واضحة لمد النفوذ في منطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي، محذرًا من أن ذلك يمثل فتح جبهة ضغط جديدة على مصر في نطاق أمنها القومي الجنوبي.

وأوضح عبدالواحد لـ"تليجراف مصر"، أن أي وجود إسرائيلي، سواء عبر قواعد عسكرية أو سيطرة غير مباشرة بالتعاون مع أرض الصومال، قد يشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح المصرية، لا سيما ما يتعلق بالأمن المائي في ظل التعقيدات المرتبطة بإثيوبيا، فضلًا عن التأثير المحتمل على الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.
وأضاف أن التحالفات التي تسعى إسرائيل إلى بنائها في هذه المنطقة ستكون بطبيعتها مناهضة للسياسة المصرية، وتهدف إلى إضعاف الموقف الإقليمي لمصر.
علاقات قديمة بطابع استخباراتي
وقال عبدالواحد إن العلاقات بين إسرائيل و"صومالي لاند" ليست جديدة، إذ تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، مع بداية الحرب الأهلية في الصومال، مشيرًا إلى وجود قنوات اتصال مستمرة، يُرجَّح أن تكون ذات طابع استخباراتي.
وأوضح عبدالواحد أن توقيت الاعتراف يرتبط بسعي إسرائيل لتعزيز نفوذها الإقليمي وتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، لافتًا إلى أن وجودها في "صومالي لاند" يمنحها موقعًا استراتيجيًا في القرن الأفريقي، وتحديدًا عند نقطة التقاء البحر الأحمر بالمحيط الهندي.
وفيما يخص تأثير الاعتراف على دول الإقليم، أكد عبدالواحد أن القرن الأفريقي يُعد من أكثر الأقاليم هشاشة، وقد شهد خلال العقود الأربعة الماضية حروبًا أهلية واضطرابات وانقلابات وصراعات حدودية، أدت في النهاية إلى انفصال جنوب السودان عن الشمال، واستقلال إريتريا عن إثيوبيا، إلى جانب وجود نزاعات انفصالية مستمرة.
وأوضح أن هذا الواقع يعزّز من مخاطر تفكيك الإقليم، مشيرًا إلى أن إسرائيل تسعى إلى بناء تحالفات، خاصة مع إثيوبيا، التي تدعمها في الحصول على منفذ بحري عبر ميناء بربرة في “صومالي لاند”، مرجحًا أن يحظى الاعتراف الإسرائيلي بتأييد غربي، مقابل رفض من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.
ميناء بربرة عقدة التنافس الإقليمي
وفي عام 2016، وقعت أرض الصومال اتفاقًا مع شركة موانئ دبي العالمية لتطوير وتشغيل ميناء بربرة، حيث أكد رئيس الإقليم آنذاك أن هذا الاستثمار يمثل فائدة كبيرة للاقتصاد المحلي، ويسهم في تطوير قدرات الميناء، وفقًا لوكالة "رويترز".
وفي مطلع عام 2024، وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال تحصل بموجبها على منفذ بحري وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر في ميناء بربرة، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، في خطوة هدفت إلى تقليل اعتمادها على ميناء جيبوتي.
وبالتوازي مع ذلك، تشهد المنطقة سباقًا محمومًا على إنشاء وتطوير الموانئ، إذ أنشأت كينيا ميناء لامو المرتبط بشبكة سكك حديدية وممرات تصدير لإثيوبيا وجنوب السودان، فيما يعمل ميناء بورتسودان على توسيع دوره التجاري، ما يضع ميناء بربرة في قلب منافسة مباشرة، رغم أن دوره يتركز على استيراد السلع الأساسية وتصدير المواشي والإبل، مع تزايد أهميته في استيعاب نمو التجارة الإثيوبية.
من المستفيد الأكبر من هذا التحالف؟
وأثارت هذه التطورات تساؤلات حول الطرف الأكثر استفادة من هذا التحالف الثلاثي بين إسرائيل وإثيوبيا وأرض الصومال.
ويرى اللواء عبدالواحد أن الأطراف الثلاثة مستفيدة، لكن بأشكال مختلفة، موضحًا أن التحالف يحمل أبعادًا استخباراتية، قد تشمل تبادل معلومات ومراقبة، بما يسمح بالسيطرة على مداخل ومخارج البحر الأحمر وقناة السويس.
وأشار إلى أن إثيوبيا تستفيد من هذا التحالف لتعزيز موقفها السياسي في ملف مياه النيل، والضغط على مصر، في ظل وجود قوى داعمة لها، من بينها إسرائيل والصين.
أما أرض الصومال، فهي كيان انفصالي يسعى للتحول إلى دولة معترف بها دوليًا، بما يمنح قيادته مكانة سياسية ورمزية أكبر، وحضورًا رسميًا في المحافل الدولية، وهذا الاعتراف يحقق له هذا الهدف
وتوقع عبد الواحد أن تتوالى الاعترافات بالإقليم من دول عدة، من بينها إثيوبيا وتايوان، والولايات المتحدة.
مكاسب إسرائيل
في المقابل، اعتبر عبدالواحد أن إسرائيل هي المستفيد الاستراتيجي الأكبر، إذ يوفر لها الاعتراف موطئ قدم في القرن الأفريقي، أحد أكثر المواقع الجيوسياسية حساسية في العالم، بما يمنحها قدرة على التأثير في حركة التجارة العالمية وتدفقات النفط.
ونقل محللون إسرائيليون أن الاعتراف قد يخدم المصالح الاستراتيجية لتل أبيب، نظرًا لقرب أرض الصومال من اليمن، حيث شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة ضد الحوثيين خلال العامين الماضيين، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وأشار تقرير صادر في نوفمبر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن أراضي أرض الصومال يمكن أن تتحول إلى قاعدة أمامية متعددة المهام، تشمل المراقبة الاستخباراتية للحوثيين، والدعم اللوجستي للحكومة اليمنية، إضافة إلى كونها منصة محتملة لعمليات مباشرة.
علاقة الاعتراف الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن دوافع الاعتراف قد تكون مرتبطة بسيناريو قبول صومالي لاند استقبال الفلسطينيين الذين تسعى إسرائيل إلى تهجيرهم، خاصة في ظل تداول تقارير خلال الفترة الماضية تشير إلى أن أرض الصومال من بين المناطق المطروحة لهذا الغرض، بعد أن أغلقت جنوب أفريقيا الباب أمام هذا السيناريو.

وأوضح أن الاعتراف قد يكون له ثمن سياسي، يتمثل في موافقة هذا الكيان على استقبال الفلسطينيين الذين قد يُهجَّرون قسرًا من قطاع غزة، معتبرًا أن إسرائيل تخطط لما بعد الاعتراف عبر اتفاقات عملية بهذا الشأن.
ثروات طبيعية في أرض الصومال
وفي لقاء جمعه برئيسة تايوان، تساي إنج وين، قال وزير خارجية أرض الصومال إيسي كايد إن الإقليم يمتلك إمكانات هائلة في قطاع التعدين، تشمل رواسب من الهيدروكربونات والنفط والغاز والفحم، مؤكدًا أنها قابلة للاستكشاف بسهولة، بحسب "رويترز".
وجذبت هذه الإمكانات شركات طاقة دولية كبرى، من بينها شركة "جينيل إنرجي" البريطانية و"أفينترا بي إل سي"، رغم التحديات المرتبطة بعدم الاعتراف الدولي بالإقليم.
وتخطط حكومة أرض الصومال لبدء أنشطة الحفر بحلول عام 2027، مع الرهان على النفط كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي، في ظل معارضة الحكومة الصومالية التي تعتبر الإقليم جزءًا لا يتجزأ من سيادتها.
تحركات عربية وإسلامية لاحتواء الأزمة
بدورها عقدت جامعة الدول العربية اليوم الأحد اجتماعًا طارئًا على مستوى المندوبين الدائمين، لبحث تداعيات الاعتراف الإسرائيلي، وذلك بناءً على طلب من جمهورية الصومال الفيدرالية وبدعم عربي واسع.
وأكد الاجتماع على الرفض العربي لأي خطوات أحادية تمس سيادة الصومال ووحدة أراضيه، مع التشديد على الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي.
وأصدرت دول عربية وإسلامية بيانًا مشتركًا أكدت فيه رفضها القاطع للاعتراف الإسرائيلي، محذرة من التداعيات الخطيرة لهذه الخطوة على السلم والأمن في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وعلى الأمن الدولي بشكل عام.
وضم البيان دولًا من بينها مصر والسعودية وتركيا والجزائر وقطر والعراق والأردن وإيران وباكستان والصومال والسودان واليمن، إلى جانب منظمة التعاون الإسلامي.
وأكدت الدول دعمها الكامل لسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية، ورفض أي مساس بوحدة أراضيها، محذرة من خطورة الاعتراف بانفصال أجزاء من الدول لما يمثله من سابقة تهدد النظام الدولي.
كما شددت على رفض أي ربط بين هذا الاعتراف وأي مخططات لتهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه، مؤكدة رفض هذه الطروحات شكلًا وموضوعًا.
اعتراف إسرائيل بأرض الصومال
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاعتراف الرسمي بأرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة.
ووقّع نتنياهو ووزير الخارجية جدعون ساعر، إلى جانب رئيس أرض الصومال، إعلانًا مشتركًا متبادلًا، مؤكدين أن الخطوة تأتي بروح اتفاقيات إبراهيم التي أُبرمت بمبادرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
مصر تدين الاعتراف بأرض الصومال
في رد فعل سريع، أعلنت وزارة الخارجية أن الوزير بدر عبد العاطي أجرى اتصالات هاتفية مع نظرائه في تركيا والصومال وجيبوتي، أكدوا خلالها الرفض التام وإدانة هذه الخطوة.
وشددت القاهرة أمس، على أن الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول يُعد سابقة خطيرة وتهديدًا للسلم والأمن الدوليين، مجددة رفضها للإجراءات الأحادية التي تمس سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها، وتتعارض مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وجددت مصر إدانتها بأشد العبارات الاعتراف الإسرائيلي الأحادي بأرض الصومال، معتبرة إياه انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وتقويضًا لأسس السلم والأمن الدوليين، ومصدرًا لزعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي.
اقرأ أيضًا:
إسرائيل تعترف وترامب يفكر، "صومالي لاند" تشعل التكهنات حول تهجير الغزيين
ترامب يفاجئ الجميع ويرفض الاعتراف بـ"أرض الصومال"، ماذا يجري في الكواليس؟
الأكثر قراءة
-
أنهى حياة الأم وأطفالها، اليوم محاكمة المتهم في قضية "صغار الهرم"
-
لم يَسلموا حتى بعد الوفاة، عصابة إيصالات أمانة تزور قضايا ضد أحياء ومتوفين (خاص)
-
موعد مباراة مصر وأنجولا والقنوات الناقلة في أمم أفريقيا
-
ملخص دين ثانية ثانوي الترم الأول pdf 2025-2026
-
القنوات الناقلة لمباراة الجزائر ضد بوركينا فاسو في أمم أفريقيا
-
تجارب العملي علوم للصف الأول الإعدادي 2025-2026 للطلاب
-
استباحة المشاهير .. وما نملكه من ستر وكرامة!
-
لفتة إنسانية، أمن الفيوم يساعد مسنّة على الإدلاء بصوتها في انتخابات النواب
أخبار ذات صلة
حذرت من تداعياته، الجامعة العربية: الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال باطل ومرفوض
28 ديسمبر 2025 05:05 م
مستشار الشرع ينتقد "تظاهرات الساحل" ويتهم شخصيات بتوريط العلويين
28 ديسمبر 2025 04:19 م
رئيس الصومال: اعتراف إسرائيل بـ"أرض الصومال" أكبر انتهاك لسيادتنا
28 ديسمبر 2025 12:38 م
بعد اعتراف إسرائيل بـ"أرض الصومال".. تحرك عاجل من "الجامعة العربية"
28 ديسمبر 2025 11:44 ص
خيام عائمة تحت قصف الاحتلال، غزة تئن وسط أجواء مميتة
28 ديسمبر 2025 11:30 ص
زيلينسكي يضع خطوطا حمراء قبل لقاء ترامب
28 ديسمبر 2025 10:08 ص
لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان وتعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الصين
28 ديسمبر 2025 07:09 ص
الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يخضع لعملية جراحية لعلاج الفواق
28 ديسمبر 2025 06:09 ص
أكثر الكلمات انتشاراً