الأحد، 28 ديسمبر 2025

11:27 م

نقل رفات 83 شخصية، هل تدفع مقابر العظماء ثمن تطوير القاهرة التاريخية؟

مقابر تحيا مصر للخالدين

مقابر تحيا مصر للخالدين

حظيت مقابر تحيا مصر للخالدين الموجودة بعين الصيرة منذ الإعلان عن افتتاحها بجدل واسع خاصة بعدما تم نقل رفات أمير الشعراء، الشاعر أحمد شوقي، إلى المقابر الجديدة، ضمن رفات 83 من الشخصيات الهامة، ورموز مصر، استعدادًا لمشروع تطوير القاهرة التاريخية.

ويأتي ذلك بعدما أعلنت محافظة القاهرة في وقت سابق عن اعتزامها إزالة 2700 مقبرة ضمن تطوير القاهرة التاريخية، حيث تم إزالة العديد من المدافن في منطقة "قرافة المماليك" وحول مسجدي السيدة نفيسة والإمام الشافعي، ما يطرح سؤلا جوهريًا حول وجود حلول عمرانية حديثة دون المساس بحرمة الموتى؟.

مقابر تحيا مصر للخالدين

5 استراتيجيات للحل

أكد أستاذ الإدارة المحلية، الدكتور حمدي عرفة، أن التخطيط العمراني قدّم بدائل واقعية وفعّالة تغني عن إزالة المقابر أو نقل الرفات، إذا ما طبقت وفق معايير علمية دولية، والتي أثبتت عبر تجارب دولية إمكانية التوفيق بين التنمية والحفاظ على المقابر.

وأوضح عرفة لـ"تليجراف مصر"، أن هناك مجموعة من الاستراتيجيات العمرانية الحديثة القابلة للتطبيق في مصر، والتي اختصرها في 5 استراتجيات وجاءت كالتالي:

  1. الإستراتيجية الأولى: “إعادة توجيه محاور الطرق” من خلال إجراء تعديلات جزئية وبسيطة على مسارات الطرق، بما يحقق الكفاءة المرورية المطلوبة دون المرور فوق المقابر، وهو نهج مطبّق في مدن كبرى حول العالم.
  2. الإستراتيجية الثانية: “الدمج بين التطوير والحفاظ” عبر تحويل بعض مناطق المقابر التاريخية إلى حدائق تذكارية تراثية مفتوحة، تحافظ على القبور وتدمجها في النسيج العمراني، وتحوّلها إلى قيمة ثقافية وسياحية بدلًا من إزالتها.
  3. الإستراتيجية الثالثة: “التوسع في الاتجاهات العمرانية الجديدة” بدلًا من الضغط على قلب العاصمة التاريخي شديد الحساسية، خاصة أن العديد من العواصم تمتلك ظهيرًا عمرانيًا واسعًا شرقًا وغربًا يمكن استغلاله في مشروعات التطوير.
  4. الإستراتيجية الرابعة: “الحفاظ على المقابر كجزء من الذاكرة البصرية والرمزية للمدينة” لأن المقابر لا تمثل مجرد أماكن للدفن، بل تشكّل عنصرًا أصيلًا من هوية المدن وتاريخها، وإزالتها تعني فقدان جزء من الذاكرة الجمعية.
  5. الإستراتيجية الخامسة: “تطوير المناطق المحيطة دون نقل الموتى” من خلال رفع كفاءة الطرق، وتحسين الإضاءة، وتطوير البنية التحتية، وتنسيق الواجهات العمرانية، دون الحاجة إلى نبش الرفات أو إزالة المقابر. 
مقابر تحيا مصر للخالدين

تجارب دولية لتطوير المقابر حظيت بالإشادة

وأشار عرفة إلى أن التجارب الإسلامية التاريخية تؤكد هذا التوجه، موضحًا أن مقبرة البقيع بالمدينة المنورة صمدت لأكثر من 1400 عام دون نقل رفات الموتى، رغم التوسعات المتلاحقة للمسجد النبوي، حيث تم توجيه التوسعات حول المقبرة مع الحفاظ الكامل على حرمتها.

وأضاف أن مدينة مكة المكرمة رغم المشروعات العملاقة لتوسعة الحرم والمشاعر تعاملت مع المقابر بتحفّظ شديد ولم تعتبر عائقًا أمام التطوير، موضحًا أن أي تدخل كان يتم بضوابط شرعية صارمة وبعد استنفاد البدائل التخطيطية.

واستشهد عرفة بتجارب دولية بارزة، منها مقبرة Green-Wood بنيويورك، التي تأسست عام 1838، وتحولت إلى موقع تراثي ومساحة خضراء وثقافية مصنّفة كـ معلم تاريخي وطني، دون نقل رفات الموتى رغم التوسع العمراني.

وأشار أستاذ الإدارة المحلية إلى تجربة مقابر لندن الكبرى مثل Tower Hamlets، التي لم تُهدم بعد توقف الدفن بل تحولت إلى محميات طبيعية ومنتزهات تراثية يتم إدارتها بالتعاون بين المجتمع المحلي والبلدية بأنجلترا.

وأكد عرفة أن التجارب الدولية أثبتت أن المقابر يمكن أن تتحول من “عائق للتطوير” إلى قيمة حضرية وثقافية واقتصادية، إذا ما تم إدراجها ضمن تخطيط عمراني يوازن بين التنمية واحترام حرمة الموتى والحفاظ على هوية المدن.

هدم المقابر الأثرية

أكدت عضو مجلس النواب، سميرة الجزار، أنها تقدمت بطلب إحاطة لعدم المساس بالمقابر الأثرية والحفاظ على مختلف المعالم المصرية من أي تشويه، لكن جميعها قوبل بالتجاهل، على حد قولها.

وأشارت الجزار في تصريحات لها، إلى إنه تم هدم مقبرة محمود سامي البارودي في فبراير 2025 من أجل تنفيذ مشروع تطوير مروري وإنشاء جسر، وحاليًا تم هدم مقبرة أمير الشعراء، حيث تساءلت: "لما يتم هدم تراثنا وتاريخنا؟".

وأوضحت النائبة أنه إذ تم نقل الرفات إلى مكان آخر، فإن المقبرة نفسها كانت مميزة بتصميم يمزج بين الطراز الإسلامي والكثير من اللمسات الفنية التي تعكس روح عصر أحمد شوقي، علمًا بأن اليونسكو أدرجت القاهرة التاريخية على قائمة التراث العالمي بناء على توصية المجلس الدولي للآثار والمواقع.

مقبرة الشاعر أحمد شوقي بمقابر تحيا مصر للخالدين

واستنكرت ما حدث من هدم لمقابر في منطقة السيدة نفيسة، مشيرة إلى أنها ولأول مرة تشعر أنه يتم محو أشياء ذات قيمة، متسائلة: “لما يتم هدم مقبرة تحمل هذا التراث؟”.

ووصفت منظمة اليونسكو القاهرة بأنها مدينة مليئة بالمناطق التاريخية والآثار المهمة التي تجسد ثراء المدينة، ليس فقط بما يجعلها عاصمة للعالم الإسلامي بل أيضا بصفتها من روائع التجارب الإنسانية العمرانية على مر تاريخها.

وأكدت المنظمة أنه تم ضم نطاق المدينة التاريخية بالقاهرة إلى قائمة التراث العالمي عام 1979 تحت مسمى القاهرة الإسلامية إقرارا بأهميتها التاريخية والأثرية والعمرانية المطلقة التي لا مراء فيها.

اقرأ أيضًا:

مقبرة أمير الشعراء أحمد شوقي تفتح أبواب الجدل، إهدار للتراث أم مصلحة عامة؟

بعد نقل رفات أحمد شوقي، معلومات عن مقبرة أمير الشعراء

search