كوكا مولادينجا، تمثال لومومبا الحي الذي حول التشجيع الأفريقي لرسالة وطنية
المشجع كوكا مولادينجا
برز مشجع كونغولي يُدعى كوكا مولادينجا كأحد الشخصيات الأكثر تأثيرًا وتميزًا في مدرجات كرة القدم الإفريقية، ليس بسبب الهتافات أو الأغاني، بل لوقوفه الثابت طوال المباراة بطريقة تحاكي تمثال باتريس لومومبا، أول رئيس وزراء للكونغو وبطل الاستقلال من الاستعمار البلجيكي.
ويحضر كوكا جميع مباريات منتخب الكونغو، لكنه لا يهتف ولا يغني، بل يقف طوال التسعين دقيقة ثابتًا، يده ممدودة، جسده بلا أي حركة، وكأنه تمثال حي.
ويمثل هذا السلوك تكريمًا لشخصية تاريخية كبيرة في بلده، ولإبراز رمزية لومومبا كقائد ضحّى بحياته من أجل حرية شعبه وحارب الاستعمار حتى النهاية.
ويرتدي كوكا بدلة ونظارة تشبه تمامًا صورًا لومومبا التاريخية، ما يعزز الشبه بينهما ويحوّل المدرجات إلى امتداد مباشر لتمثال لومومبا في كينشاسا.
بحسب تصريحاته، هذه الوقفة الثابتة ليست مجرد احترام، بل رسالة وطنية تقول إن روح لومومبا لا تزال حاضرة، ورمز الكونغو ثابت ولن يتزعزع مهما مرّ الزمن.

تأثير كوكا في المدرجات الإفريقية
شهدت أمم إفريقيا 2023 و2025 انتشار صورة كوكا مولادينجا في كل المباريات الكبرى، وأصبح حديث الجماهير ووسائل الإعلام والسوشيال ميديا.
ويتجمع المشجعون حوله لالتقاط الصور، وتحوّل حضوره إلى أيقونة تمثل رسالة وطنية وشخصية تاريخية في كل حدث رياضي كبير في القارة السمراء.
كوكا مولادينجا أثبت أن التشجيع يمكن أن يكون أكثر من مجرد هتاف، وأنه قادر على نقل رسائل سياسية وتاريخية تعكس الفخر بالهوية الوطنية والتاريخ النضالي للشعوب الإفريقية، مجسّدًا بذلك روح باتريس لومومبا في كل مباراة يحضرها، لكن من هو باتريس لومومبا “الأصلي”؟.
مناضل ضد الاستعمار
ولد باتريس لومومبا في 2 يوليو 1925 باسم إيزايي تاسومبو تاوسا في منطقة كاتاكومبومبي بالكونغو، وأسس حركة الحركة الوطنية الكونغولية (MNC) عام 1958، وكان من أبرز المدافعين عن استقلال بلاده.
أصبح لومومبا رمزًا للكفاح الإفريقي والنضال من أجل الاستقلال، وحُوّلت صورته وأعماله إلى رمز وطني وشعبي، تجسد في الوقوف الثابت لكوكا في مدرجات الكرة الإفريقية، لتتجاوز الرياضة حدودها التقليدية وتصبح منصة للتعبير عن الهوية الوطنية والفخر بالتاريخ.
بعد إعلان استقلال الكونغو في 30 يونيو 1960، أعلن لومومبا رئيس الوزراء الجديد عطلة وطنية شاملة احتفل خلالها الشعب بهذه اللحظة التاريخية في أجواء من الفرح والسعادة.
رغم الفعاليات الاحتفالية، كان لومومبا مشغولًا باستقبال الضيوف وحضور الطقوس الرسمية، وأصدر في 3 يوليو إعلانًا بالعفو العام عن السجناء، إلا أن هذا القرار لم يُنفَّذ عمليًا.

في اليوم التالي، عقد اجتماعًا لمجلس الوزراء لمناقشة توترات القوات المسلحة المعروفة باسم القوة العامة (Force Publique).
قبل الاستقلال = بعد الاستقلال
توقع الجنود حصول ترقيات سريعة ومكافآت مادية بعد الاستقلال، لكن البطء في إصلاحات لومومبا سبب استياءهم. شعروا أن الطبقة السياسية الجديدة، خصوصًا الوزراء، تسعى لمصالحها الشخصية على حساب تحسين ظروف الجنود، بينما كان العديد منهم مرهقين من المشاركة في الانتخابات والاحتفالات.
في صباح 5 يوليو 1960، دعا الجنرال إميل يانسن، قائد القوة العامة، جميع الجنود في معسكر ليوبولد للحفاظ على الانضباط، وكتب على السبورة: "قبل الاستقلال = بعد الاستقلال".
لكن الجنود تمردوا مساءً، ونهبوا مقصف المعسكر، ما أدى إلى اندلاع أحداث عنف وسرعان ما انتشرت التمردات إلى المناطق المحيطة بالكونغو.
ردًا على ذلك، أقال لومومبا يانسن ورفع رتبة جميع الجنود الكونغوليين درجة واحدة، لكنه لم يتمكن من احتواء التمرد بشكل كامل إلا بعد تدخل شخصي له ولرئيس الدولة جوزيف كاسافوبو.
مقتل 19 مدنيًا كونغوليًا
في 8 يوليو، أعاد لومومبا تسمية القوة العامة إلى الجيش الوطني الكونغولي (ANC)، كما تم إقصاء جميع الضباط الأوروبيين، مع الاحتفاظ ببعضهم كمستشارين، ورغم هذه الإصلاحات، استمر التمرد في الانتشار، وراح ضحية أعمال عنف عدد من الأوروبيين، بينهم نائب القنصل الإيطالي، فيما لجأ معظم الأوروبيين إلى الحصون والمباني الآمنة.
أرسلت بلجيكا 6000 جندي لحماية مواطنيها في 10 يوليو 1960، وهو ما أعتبره لومومبا إجراءً مزعجًا، لكنه سمح به بشرط التزام القوات البلجيكية بحماية المواطنين فقط وتحت إشراف الجيش الكونغولي.
في اليوم التالي، قصف الأسطول البلجيكي مدينة ماتادي ما أسفر عن مقتل 19 مدنيًا كونغوليًا، مما زاد من حدة العنف ضد الأوروبيين.
عودة بلجيكا
وأعلن الزعيم السياسي مويس تشومبي استقلال مقاطعة كاتانجا بدعم من الحكومة البلجيكية وشركات التعدين، ما عرّض الحكومة المركزية لمزيد من التحديات والصعوبات.
رفضت الحكومة ما حدث بعد أحداث فوضى في البلاد، وأرسلت احتجاجًا للأمم المتحدة، طالبين سحب القوات البلجيكية واستبدالها بقوة حفظ سلام دولية، وفقًا لقرار مجلس الأمن.
بعد تصاعد أزمة الكونغو، سافر لومومبا إلى نيويورك في يوليو 1960 لعرض موقف حكومته شخصيًا أمام الأمم المتحدة، طالبًا انسحاب القوات البلجيكية ومساندة فنية ومالية عبر الأمم المتحدة، لكنه واجه رفضًا للحصول على دعم مباشر.
كما حاول تأمين مساعدات عسكرية ثنائية من بعض الدول الأفريقية، ووقع اتفاقات سرية مع غانا وغينيا للحصول على دعم محتمل.
بينما حاول لومومبا إعادة ضبط الوضع الداخلي وإخماد تمرد مدينة كاتانجا وجنوب كاساي، ومن ثم أقر حالة الطوارئ وأصدر قرارات لتقييد الجمعيات والصحافة، لكنها أثارت انتقادات محلية ودولية.
وأعلن الرئيس كاسافوبو عزل لومومبا وحكومته في سبتمبر عام 1960، فرفض الأخير ذلك واعتبره غير شرعي، ونجح البرلمان مؤقتًا في منحه صلاحيات طارئة.
ونفذ الجنرال موبوتو انقلابًا "سلميًا" لتعليق نشاط الحكومة والبرلمان، وحُوصر لومومبا في منزله، قبل أن يُلقى القبض عليه لاحقًا في ديسمبر أثناء محاولته للانضمام إلى حكومة جيزيندجا الموازية.
تسارعت الأحداث وقبض على لومومبا، ونقل في 3 ديسمبر 1960 إلى ثكنات ثيسفيل العسكرية مع مرافقيه موريس مبولو وجوزيف أوكيتو، حيث تعرضوا لسوء التغذية وفقًا لتعليمات موبوتو.
في 17 يناير، قُيّد لومومبا على متن الطائرة ونقل إلى إليزابيثفيل، حيث تعرّض للتعذيب قبل أن يُعدم مع مبولو وأوكيتو برصاص فرق الإعدام بقيادة ضابط بلجيكي.
بعد التنفيذ، أمر وزير الداخلية الكاتاندي بتفكيك الجثث وإذابتها في حمض الكبريتيك.
ولم يُعلن عن وفاة لومومبا رسميًا إلا بعد ثلاثة أسابيع من مقتله، مع انتشار الشائعات، وكان لوكاس سامالينج، سكرتير الدولة للشؤون الإعلامية في كاتانجا، من أوائل من كشفوا الخبر في 18 يناير.
وذكرت الإذاعة الكاتاندية في 13 فبراير أن لومومبا قُتل على يد سكان غاضبين بعد هروبه المزعوم من السجن.
بعد الإعلان، اندلعت احتجاجات في عدة دول أوروبية وأمريكية، تخللتها اشتباكات مع الشرطة ومهاجمة سفارات بلجيكا.
وكشفت التحقيقات اللاحقة عن تدخل بلجيكي واسع في الكونغو، ودعم سياسي واقتصادي للمعارضين، وتورط الولايات المتحدة عبر وكالة المخابرات المركزية في خطط اغتياله، بما في ذلك محاولة تسميمه، كما أظهرت الوثائق السرية البريطانية رغبة MI6 في التخلص منه.
كانت وفاته محل احتجاجات عالمية وأدت إلى تجسيد صورته كرمز للنضال ضد الاستعمار، وأثارت استخدامه سياسياً داخل الكونغو وخارجها، حيث أصبح يمثل الوحدة الوطنية والمقاومة الاستعمارية.
الحكومة البلجيكية تسلم رفات باتريس لومومبا لعائلته
في يونيو 2022، سلّمت الحكومة البلجيكية الرفات لعائلته خلال مراسم رسمية، وتم دفنه في ضريح خاص في كينشاسا مصحوبًا بثلاثة أيام من الحداد الوطني تزامناً مع ذكرى خطاب الاستقلال الشهير.
رغم ذلك، تعرّض الضريح لاحقًا للتخريب في نوفمبر 2024، إلا أن الأسنان الذهبية التي احتفظ بها وحصلت عليها عائلته ضمن الرفات، ظلت آمنة، وظهرت سيرته الذاتية خلال السنوات التالية، غالبًا بمنظور منحاز، حيث قدمه الأدب البلجيكي على أنه متعجرف وغير دبلوماسي واشتراكي.
ويُعتبر باتريس لومومبا أحد “آباء استقلال” الكونغو، وتنتشر صورته في وسائل التواصل الاجتماعي وتُستخدم كشعار في المظاهرات حتى اليوم.
ويظهر في الفن والأدب العالمي، خصوصًا خارج الكونغو، ووصَفه مالكوم إكس بأنه "أعظم رجل أسود سار على أرض إفريقيا.

تم تكريمه رسميًا بعدة وسائل بعد إعلان «بطل وطني» في 1966، ظهور صورته على عملات وطوابع، ودشنت تماثيل، وإطلاق أسماء شوارع ومؤسسات عليه، مثل جامعة باتريس لومومبا للصداقة في موسكو بروسيا.
اقرأ أيضًا:
الاتحاد يتقدم على الأهلي في الفترة الأولى بنهائي كأس السوبر للسلة
نهائي سوبر السلة، ريمونتادا أهلاوية أمام سيد البلد في الفترة الثانية
الأكثر قراءة
-
هل يوم الخميس القادم إجازة رسمية في مصر؟
-
استباحة المشاهير .. وما نملكه من ستر وكرامة!
-
صور تهنئة بالعام الجديد 2026، أجمل البطاقات والرسائل
-
نماذج امتحان تكنولوجيا للصف الخامس الابتدائي ترم أول 2025-2026
-
توقعات الأبراج اليوم الإثنين 29 ديسمبر 2025، هناك فرص كثيرة متاحة
-
نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025 في جولة الإعادة بسوهاج
-
وداعاً داود عبد السيد.. فيلسوف السينما المصرية
-
حالة الطقس غدًا في مصر، أمطار بهذه المناطق
أخبار ذات صلة
"السكند هاند" يوّحد الطبقات، كيف أصبحت الملابس المستعملة ظاهرة اجتماعية؟
29 ديسمبر 2025 10:26 ص
وفاة صابر عيد، كيف صنعت الصدفة أسطورة "المونديالي الخلوق" في غزل المحلة؟
29 ديسمبر 2025 10:05 ص
أول خطوة للعلاج، كيف تلاحظ إدمان ابنك؟
29 ديسمبر 2025 01:55 ص
وفقا للحصر العددي، نشوى الديب تخسر مقعد إمبابة في مجلس النواب
29 ديسمبر 2025 12:56 ص
أكثر الكلمات انتشاراً