الخميس، 22 مايو 2025

09:58 ص

شيرين وحيد
A A

جيل ضائع بين “فلتر” وواقع: كيف دمّرت السوشيال ميديا صورة النفس؟

منشور صباحي، ابتسامة مصطنعة، وفنجان قهوة على طاولة مرتبة… تبدو الحياة مثالية على شاشات الهواتف، لكن خلف هذه الصورة، شاب في العشرين يشعر بالوحدة، والمقارنة، والشك في ذاته. كيف وصلت السوشيال ميديا إلى أن تُشكّل مصدر قلق حقيقي للجيل الجديد؟ ومتى تحوّل “المحتوى” إلى مرآة مزيّفة تُشوه الروح قبل الوجه؟

في عصر نُقيس فيه النجاح بعدد المتابعين، لم يعد يكفي أن تكون صادقًا أو طموحًا. بل صار الشاب أو الفتاة مطالبًا بأن “يبدو” سعيدًا، محبوبًا، ومثاليًا. ومع تراكم الصور المفلترة والقصص المصقولة، تظهر فجوة نفسية عميقة، لا يراها سوى من يشعر بها.

تقول الدكتورة إيناس عبد الجواد، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس: “أخطر ما في السوشيال ميديا اليوم أنها تصنع معيارًا وهميًا للسعادة والجمال، فتدفع الشباب للمقارنة الدائمة، مما يؤدي لزيادة معدلات القلق والاكتئاب”.

وبالفعل، وفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة اضطرابات القلق والاكتئاب ارتفعت بنسبة 25% عالميًا بعد جائحة كورونا، وكان الاستخدام المكثف لمنصات التواصل الاجتماعي أحد أبرز العوامل المساهمة.

ليس هذا فحسب، بل إن مواقع مثل إنستجرام وتيك توك، برغم أنها تبدو “مساحة للترفيه”، أصبحت منصات تغذي وهم الحياة الكاملة. فتاة في الإعدادية تشاهد بلوجر تعرض حقيبة بـ15 ألف جنيه وتعتقد أن ذلك هو الطبيعي، وشاب في الجامعة يقارن نفسه بشخص يقود سيارة فارهة قبل تخرّجه… ومن هنا يبدأ التآكل الصامت للثقة بالنفس.

تُضيف “ريهام علاء”، مستشارة تربوية عملت مع أكثر من 1000 طالب في المدارس الخاصة والدولية بالقاهرة: “جيل كامل صار يعاني من فقدان الهوية لأنه يقيس نفسه على أساس من لا يعرفهم أصلًا… ويتعامل مع نفسه وكأنها مشروع يجب تحسينه كل لحظة، بدلًا من أن يتقبّلها وينمّيها”.

في ظل هذه الصورة القاتمة، تبرز الحاجة لعودة الخطاب الواقعي في التربية، والتعليم، وحتى الإعلام. فبدلًا من الاحتفاء بالمثالية الزائفة، يجب أن نُعيد تأكيد القيم الحقيقية: السعي، الصدق، التفوق الشخصي لا الاجتماعي.
جيل السوشيال ميديا ليس هشًّا، بل ضائع بين ما يُعرض عليه، وما هو عليه فعلًا. ولكي نعالج هذا الضياع، علينا أولًا أن نُصدّق أن ما نراه ليس دائمًا حقيقيًا. أنسنة الواقع هي أول طريق للشفاء

search