الإثنين، 14 يوليو 2025

10:19 م

هويدا طه
A A

علاقات التاتش والضغطة.. ما بعد الفراق

ترى، لماذا دائمًا نحن البشر لا نشعر بقيمة من نحب، سواء كانوا أزواجًا أو زوجات، إخوة أو أخوات، أقرباء أو قريبات، أصدقاء أو صديقات؟ بل حتى الأب والأم لم يفلتوا من هذا الأمر الغريب والمتناقض، إلا بعد رحيلهم عن أعيننا وانتهاء أعمارهم المكتوبة لهم؟

هل هذه طبيعة بشرية؟ أم أنها أيضًا نتيجة ظروف الحياة، سواء المستحيلة منها أو الممكنة، وخاصة في عصرنا الحالي الذي أطاح بعرش قوة العلاقات الإنسانية بكل سهولة، وأبدلها بعلاقات "النت" الافتراضية التي لا تدوم إلا باستدامة شحن الإنترنت والـ"واي فاي" المسؤول عن وجودها؟

نعم، لقد أصبحت العلاقات الإنسانية تعتمد كليًا على ضغطة زر؛ الزر الكفيل بالسؤال والاطمئنان والاكتفاء، دون تبادل الزيارات الحميمية، أو السعادة برؤية الوجوه، خصوصًا على مستوى المحبة القريبة.

أما على مستوى المحبة البعيدة، فالمعاناة أشد، والظلم أكبر.

فالتباعد أصبح أكثر حضورًا وأقوى وقعًا، واتسعت الفجوة لتشمل الشخصيات العامة والمشاهير في مختلف المجالات. إذ نفاجأ من وقت لآخر بنشر نعي أحدهم، فنكتشف حينها أنهم كانوا على قيد الحياة، بينما كنا نظنهم قد فارقوها منذ زمن، بسبب التعتيم الإعلامي عليهم.

وعندها تنهال كل وسائل الإعلام والمواقع والصحف والمجلات بنعي منمق، وعبارات عزاء رنانة، وكتابات مطوّلة عن مآثرهم التي لا تُعد ولا تُحصى، وعن معاناتهم في الحياة وخاتمتهم المؤلمة المبكية.

لكني أتساءل: أين كان هؤلاء من هؤلاء، وقت أن كانوا بصحة وعافية، يستحقون الدعم والمساندة ليستمر عطاؤهم، ويشعروا بقيمتهم في مجتمع شاركوه الحياة؟

لماذا لم يُمدّ لهم يد العون، ويُمنحوا محبة البقاء، ليُفيدوا ويستفيدوا؟

أسماء كثيرة في عالم الفن والأدب والسياسة كنا نحسبهم أمواتًا منذ سنوات، ثم فوجئنا بنعيهم على صفحات "فيسبوك" والمواقع الإلكترونية.

وقد حدث معي هذا الأمر شخصيًا، من خلال لقائي بالأديب الكبير الراحل إدوارد الخياط، حين أجريتُ معه لقاءً بعد انقطاع دام عشر سنوات عن الظهور في ساحة الأضواء، حيث كان الأدباء من زملائه يظنون أنه قد رحل عن الحياة طَوال هذه السنوات، فكيف لقامة أدبية مثله أن تختفي في العتمة قبل رحيلها الحقيقي عن الدنيا؟

أسئلة كثيرة تربكني بالحيرة والألم، وتدفعني لأن أقول لكم: ابحثوا عن هؤلاء الذين جعلوا من حياتهم وأعمالهم وأقلامهم شموعًا تنير ظلمتنا... تابعوهم، لا تغفلوا عنهم، ولا تنسوهم…

كرّموهم في حياتهم، حتى لو في أرذل عمرهم... وامنحوهم فرحةً، وابتسامةً كاملة غير منقوصة، قبل أن يرحلوا فعليًا عن الحياة وفي قلوبهم غصة من التجاهل وعدم التقدير.

title

مقالات ذات صلة

search