على حافة الخير والشر
منذ فجر التاريخ، شغل سؤال الخير والشر عقول المفكرين والفلاسفة، وظلّ حاضرًا في كل مراحل تطوّر الحضارات. كيف يمكن للإنسان أن يكون رمزًا للفضيلة والرحمة، ثم ينقلب إلى مرتكب للشر والدمار؟ أو كيف يستطيع من تلوثت يداه بالرذيلة أن يعيد بناء ضميره ويخرج إلى النور من جديد؟
يرى باحثون في الفلسفة والأخلاق أن التحوّل بين الخير والشر ليس مجرّد لحظة عاطفية عابرة، بل هو رحلة معقدة تكشف هشاشة النفس البشرية وقدرتها الهائلة على التغيّر.
جذور مزدوجة في عمق النفس
يختلف الفلاسفة في تفسير طبيعة الإنسان. فبينما اعتبر أفلاطون أن الروح تنقسم إلى عقل وشهوة وعاطفة، يسيطر الخير عندما يهيمن العقل، وتظهر الشرور عندما تنفلت الشهوة.
في المقابل، وصف الفيلسوف هوبز الإنسان بأنه كائن ميّال بطبعه إلى الأنانية والصراع، فيما أكد روسو أن الإنسان يولد طيبًا بطبعه، ولا يفسده سوى المجتمع والبيئة.
هذا التناقض الفلسفي يعكس حقيقة بسيطة: داخل كل إنسان صراع خفي بين النزعات النبيلة والميول المظلمة.
التحوّل: لحظة فارقة أم سلسلة تراكمات؟
تؤكد دراسات علم النفس الأخلاقي أن الانحراف نحو الشر أو العودة إلى الخير لا يحدث غالبًا فجأة، بل نتيجة تراكمات مستمرة من الأفكار والمواقف. فقد يبدأ التحوّل بمبررات صغيرة وتنازلات متكررة تزرع بذور الانحدار الأخلاقي.
وعلى الجانب الآخر، قد يستفيق الضمير بفعل صدمة، أو لقاء ملهم، أو تأمل عميق في العواقب، فيبدأ الإنسان رحلة استعادة ذاته. هنا تصبح النية الصادقة والالتزام اليومي هما العاملين الفاصلين بين الإخفاق والنجاح.
حرية الإرادة والمسؤولية الأخلاقية
يذهب الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر إلى أن الإنسان حر تمامًا ومسؤول عن كل اختياراته، مهما حاول التذرّع بالظروف أو التربية أو المجتمع. هذا الموقف يضع على كاهل الفرد عبء قراراته الأخلاقية.
لكن فلسفات معاصرة، مثل أفكار بول ريكور، ترى أن الإنسان قد يكون أسيرًا لجراح الماضي والبيئة القاسية، غير أن جوهره يظل قادرًا على تجاوز ماضيه إذا امتلك الإرادة الحقيقية للتغيير.
قصص الخلاص: الطريق إلى النور
لا يخلو التاريخ الإنساني من نماذج لافتة عن تحوّل القلوب القاسية إلى نفوس رحيمة، وعن مذنبين وجدوا في الاعتراف والندم بابًا للخلاص. ويؤكد مفكّرون أن العودة من الشر إلى الخير ليست هروبًا، بل شجاعة للاعتراف بالخطأ وإرادة صلبة للإصلاح.
سؤال بلا نهاية
يبقى سؤال الخير والشر سؤالًا أبديًا لا يملك إجابة واحدة قاطعة. فالإنسان مشروع دائم التشكّل بين النور والظلال، ولا ينتهي صراعه الداخلي طالما بقي حيًّا.
وفي النهاية، ربما يكون أعظم ما يملكه الإنسان هو وعيه بأنه يقدر دائمًا على اختيار الطريق، وأن أبواب النور لا تنغلق بالكامل إلا إذا قرر هو ذلك.
الأكثر قراءة
-
بعد عامين من شطبها ببورصة طوكيو، مجموعة العربي تنهي الشراكة مع توشيبا
-
موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة
-
استدعاء مرتقب لنادية الجندي للتحقيق في بلاغ قذف وتشهير، ما القصة؟
-
41 مليار جنيه في الظل، ألعاب المراهنات الإلكترونية تنهش جيوب 5 ملايين مصري
-
نجيب ساويرس يحذر من ركود محتمل في السوق العقاري، ما الأسباب؟
-
"هرسوا راسه بالكوريك"، مصرع شاب على يد بلطجية في الوادي الجديد
-
"تعالى اشتري مني"، بائعة ثوم تستوقف محافظ الأقصر خلال افتتاح سوق اليوم الواحد
-
تراجع سعر الذهب اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025، ما الأسباب؟
مقالات ذات صلة
الزواج بين المسيحية واليهودية والإسلام.. من يملك جسد المرأة؟ ومن يقرر مصير الأسرة؟
07 ديسمبر 2025 10:52 ص
حين يُنتهك الطفل، من يحاكم المجرم: القانون أم المجتمع؟
25 نوفمبر 2025 10:42 ص
لماذا تتفكك البيوت في مصر؟
21 نوفمبر 2025 09:02 ص
حتى ُتزهر الديمقراطية عندنا
20 نوفمبر 2025 08:32 ص
لماذا نحتاج إلى بيت الطاعة؟!.. اختبار أخير قبل الرحيل
16 نوفمبر 2025 10:24 ص
الطلاق.. حين يصبح القرار الصعب هو أصدق أشكال الرحمة
12 نوفمبر 2025 10:55 ص
حب إيه؟ حين يحتفل المجتمع بما لا يعرفه
04 نوفمبر 2025 01:07 م
المتحف المصري الكبير.. حين تستيقظ الذاكرة ويبتسم التاريخ
03 نوفمبر 2025 10:56 ص
أكثر الكلمات انتشاراً