وحش غامض أعاق طفولة كارن.. أين دور المؤسسات في علاج "الريت"؟ (خاص)

الطفلة كارن
قبل أن تطفأ شمعة ميلادها الثاني، بدأ أمر مجهول يعيق كارن عن ممارسة لعبها المعتاد، يتركها مرغمة على مسافة من ألعابها، ويقيد حركتها، يعكر صفو حياتها ويعرقل قدميها من الحركة، وكأن كل شيء قبل ذلك كان حلمًا.
فكيف خاضت كارن تجربتها مع الوحش الغامض؟، هذا ما تستعرضه “تليجراف مصر” في السطور التالية..
الطفلة كارن تعاني مرضًا غامضًا
تحكي والدة كارن، السيدة ندى اللبان لـ"تليجراف مصر"، عن بداية القصة، إذ كانت كارن صاحبة العام و8 أشهر تعيش حياة طبيعة تمامًا، تركض وتلهو وتتحدث بأريحية، حتى بدأ يظهر عليها بعض الأعراض، بداية من انخفاض طاقتها تمامًا، رفضها للتحرك، رغبتها في الاعتماد الكامل على المحيطين في الحركة.
وأضافت أن هذا كله يأتي فضلًا عن التغير الحاد في وزنها، إذ انتقلت من 12 كيلوجرامًا إلى 8 كيلو جرامات في غمضة عين، كل تلك الأعراض دفعت العائلة لا محالة للركض حول التشخيص الطبي، لفهم ما يحدث.
وواصلت: “النتيجة كانت سواء (كارن لا تعاني خطبًا)، وفي محاولة لاحتواء القلق المتناثر أشار الأطباء إلى إمكانية أن يكون الخطب نقصًا في التغذية ناتجًا عن مرحلة التسنين، أو أنها أعراض اختلال في هرمونات النمو”.

متلازمة ريت
على الجانب الآخر أخذت الأعراض تتفاقم، لتبدأ الطفلة في مواجهة صعوبة حتى في الوقوف، وهنا بدأت رحلة كارن في عالم الاختبارات الطبية.
وتقول والدتها عن تلك المرحلة: “ذهبت إلى دكاترة مخ وأعصاب، عملت تحاليل وإشاعات في مستشفيات مصر كلها، عملت لها رنين على المخ، وقالوا تعمل تحاليل تمثيل غذائي، وتابعت كذلك في الخارج”.
وزادت: "كل حاجة كانت تخرج سليمة، لحد ما وصلنا لدكتورة شافتها، وأشارت لحركة تعملها بيدها، فهي تضرب بيدها على فمها، وعندما تمسك بشيء ما يقع من يدها، ولا يعجبها اللعب ولا تنظر لها، وإذا أمسكت لعبة تقع منها".

وتابعت والدة كارن: "تحولت خالص، فلم تعد تريد أن تمسك أي شيء، باستمرار ترمي نفسها وتصرخ وتبكي، وعندما أتمت العامين كان هناك دكتور يقول لي، تسمعي عن متلازمة اسمها ريت، وإنه يشعر بأن كارن ستذهب إلى هذا الاتجاه، وعندما بحثت خلفها وجدت أمورًا كثيرة سيئة جدًا".

ومن هنا بدأت الأم في عرض كارن على الأطباء حتى تتأكد من إصابتها بالمتلازمة المعنية أم لا، ليجتمعوا على رأي واحد: "الطفلة لا تمتلك سمات كثيرة من المرض"، لكنها استدلت ببعض أعراض التدهور التي طرأت جديدة عليها، ما أشار له الأطباء كأعراض للمتلازمة.
ويأتي ذلك بعدما بدأت كارن تواجه مشاكل عويصة في التنفس، قائلة: "تأخذ نفسًا للداخل ثم يزرق لونها، وأهرول بها إلى المستشفى ويضعونها على أجهزة تنفس صناعي، لا تعرف كيف تخرج النفس، وهذه حركة لا إرادية، وأطفال هذه المتلازمة معروفين إنهم كلما يكبرون في السن كلما تزداد الأعراض"
وبناءً على ما آلت إليه الأمور، قررت والدة كارن حينها أن تقطع الشك باليقين، وتقدم على إجراء تحليل المتلازمة لابنتها.
تحليل متلازمة ريت
بعد عام كامل من التحاليل الطبية والاشتباه في أمراض عدة، ورغم استمرار تفاقم الأعراض، والتي وصلت إلى حد إصابتها بصعوبة في عملية البلع، إلا نتائج التحاليل كانت سلبية، لتظّلل الحيرة على العائلة مرة أخرى، لكن شيئًا خفيًا دفعهم لمحاولة التأكد من النتائج، وذلك من خلال إجراء التحليل مرة أخرى عن طريق المسح الجيني الشامل، لتظهر النتيجة النهائية بإيجابية العينة المصابة، وهنا يبدأ عصر جديد من رحلة العلاج.
منذ بداية الأزمة ومع إصابة كارن بمعيقات مجهولة في الحركة، وقبل التحقق من أي تشخيص، قررت العائلة الخضوع الأولي للعلاج الطبيعي، والتي أثمرت الجلسات فيه عن ثمارها، لتبدأ كارن تباعًا في الاستجابة الضعيفة، وتبدأ في الوقوف.
توازت هذه الاستجابة الضعيفة مع اضمحلال حالتها الصحية، فتقول الأم: "كارن أصيبت بكهربا شديدة على القلب، أدت لدخولنا الرعاية 3 مرات، وبدأت تصاب بتشنجات عنيفة، لينتهي الحال بتعرضها لتوقف القلب الذي نجت منه بأعجوبة".
جهل بالمرض وعلاج يقتصر على خارج البلاد
تستأنف والدة كارن حديثها قائلة: “الفكرة أن الريت مرض له علاجات بالخارج، ومتداولة ومسجلة مثل مرض الضمور مثلًا، والأطفال المصابين بهذه المتلازمة يكونون تابعين للتأمين الشامل”.
وزادت: "كما أن هناك تعاقدًا بين مصر ودول الخارج على حقن الضمور مثلًا، إنما كمتلازمة خطيرة مثل الريت فنفتقر حتى للتوعية، والتي تمتد للقطاع الطبي كذلك".

لتضيف موضحة: "أنا لما بنتي بيحصلها حاجة أو لما تتعب، أنا بقولهم بنتي عندها ريت، وبضطر أشرح له يعني إيه ريت، حتى في الرعاية المركزة، لأن مينفعش تاخد أدوية معينة، تخيل دكتور الرعاية يقف بقى يقولك يعني إيه ريت؟".
علاج متلازمة ريت
فيما تطرقت للحديث عن العلاج المتوفر للمتلازمة، والتي أشارت إلى أنه يقتصر وجوده على خارج البلاد، قائلة: “هناك علاج موجود للمتلازمة بالخارج وسعره عالي جدًا، نزل عام 2023، وهو عبارة عن دواء شراب، الزجاجة الواحدة يبلغ سعرها مليون و700 ألف جنيه مصري، ويتم أخذه يوميًا”.
واستطردت الأم قائلة: "الزجاجة تستمر شهر واحد فقط، ومن الممكن أن تحتاج الطفلة زجاجة أو اثنتين أو ثلاث، ولا بد أن يؤخذ مدى الحياة، بالإضافة لذلك هناك أكثر من 3 أو 4 شركات بالخارج تعمل على علاج جيني، وهناك شركة منهم وصلت إلى آخر مرحلة، باستخدام حقنة جينية لمرة واحدة فقط، والطفل بعدها يستعيد مهاراته، وتمنحه جينًا سليمًا، لكن هنا لا يوجد أي شيء. لا وعي ولا دعم".


ونبهت بأن الأسعار المرتفعة للكشف والتأكد من إصابة الأطفال بالمتلازمة - التي تعتبر طفرة جينية تصيب الفتيات الصغار فقط، ونادرًا ما تصيب الذكور - يصل سعر التحليل فيها إلى نحو 30 ألف جنيه، ما يشكل عقبة كبيرة أمام شريحة كبيرة من الأهالي، الذين لا يتوافر لديهم هذه المقدرة المادية.
طريقة خاصة في التعامل مع الحالة المصابة
وفي ظل عدم توافر العلاج في البلاد، إضافة لأسعاره الفلكية، لم يجد المصابون إلا طريق برامج التأهيل، كمحاولة للحد من الأعراض.
وعلى هذا تعلق والدة كارن: "لقد ذهبت إلى أكثر من مركز للعلاج الطبيعي حتى وجدت الطريقة الصحيحة للتعامل مع كارن، والتي أستطيع بها تطوير كارن بعض الشيء، والآن بدأت أعرف تمارين يتم عملها على البلع، تجعلها تتستطيع بلع الدواء والطعام، إضافة لوضع برنامج خاص لدعم الحركة في المنزل بوصاية طبية".






وتابعت الأم: “هذه المتلازمة تتطلب تنفيذ بعض التدريبات لدعم المشي، بذا بدأنا في عملها، حيث احضرت لها مشاية طبية في البيت، مثلما طلبت الدكتورة، وبدأ يحدث عندها مؤخرًا ليونة في الركبة، لذا ركبنا لها جهاز جبيرة مفصلية في الركبة، حتى لا تزيد الليونة الموجودة في ركبتها”.
وأضافت: "نحاول نستعيد المشي ونحاول نتابع مع دكاترة مخ وأعصاب، وكذا نحاول السيطرة على الكهرباء العنيدة، لأنها تدخل في نوبات قوية جدًا، وعندما تكون الكهربا شديدة فإنها تفقدها حتى المهارة التي حاولنا معها لفترة اكتسابها".
وزادت: "أما عن العلاج الوظيفي، فمن الممكن أن تمسك شيئًا ما، لكن الإدراك طبعًا ليس أفضل شيء، لكنها فاهمة وواعية لمن حولها، هي تتكلم بعينها، وتنظر لما تحتاجه من غير كلام وتتفاعل بعينها مع المعطيات الخارجية، فتعبر عن رغبتها من خلال النظرة، وتعتمد في علاجها خلال المرحلة الراهنة على أدوية الكهرباء والعلاج الوظيفي والمائي".
رؤية المجتمع لمريض متلازمة ريت
عبرت والدة كارن عن أقسى المراحل في رحلة طفلتها صاحبة السنوات الأربع مع المرض، المتمثلة في النظرة المجتمعية لحالتها، والتي غلبها الجهل وعدم التقبل حتى امتدت لحدوث تنمر فعلي على حالة الطفلة.
وأوضحت: "المجتمع كله ينظر إلى أنها لن تتحرك طوال عمرها، والبعض يتنمر بسبب بعض السلوكيات بأنها تضع يدها في فمها مثلًا، فتجد من ينظر إليك بإزدراء ويقول لك لا حول ولا قوة إلا بالله، وعوضك على الله خلاص كدا، يتعاملون معاها على أنها غبية، وبالعكس أصحاب المتلازمة هذه يملكون ذكاءً كبيرًا"
واختتمت الأم: "أرى ابنتي بطلة تستيقظ من النوم على أدوية تهد جبل، وبعدها تذهب إلى جلسات بدلًا ما تروح وتيجي كالأطفال في سنها، وتفرح عندما يعاملها شخصًا ما بشكل جيد أو يشغل لها أغنيتها المفضلة، أو يلعب معها بلعبتها التي تحبها، وقتها تضحك لأن عندها وعي كامل لما يحدث حولها ولكنها حبيسة جسدها".
مطالبات عاجلة من المؤسسات
أما عن طلبات عائلات فتيات متلازمة الريت من المؤسسات المعنية، فتشتمل على التالي:
1.إدراج متلازمة ريت ضمن الأمراض النادرة في التأمين الصحي، وتوفير بروتوكولات علاجية معتمدة.
2. فتح وحدات متخصصة للعلاج الطبيعي والوظيفي والتكامل الحسي لأطفال ريت في المستشفيات الحكومية.
3. توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأهالي وتدريب الطاقم الطبي على فهم طبيعة المتلازمة.
4. تسهيل استخراج قرارات العلاج على نفقة الدولة وتقديم أجهزة مساعدة مجانًا.
5. زياده الوعي عند الطاقم الطبي بمختلف التخصصات.

الأكثر قراءة
-
نتيجة وأهداف مباراة الأهلي ومودرن سبورت اليوم (فيديو)
-
بعد حريق شبرا الخيمة.. أول تعليق من كشري الخديوي على الحادث
-
القبض على البلوجر "لوشا" في المقطم
-
30 محلًا بالأقصر تشارك في الأوكازيون الصيفي.. والباب مفتوح لباقي التجار
-
بعد تردد اسمها بالمدرجات.. حقيقة الربط بين هدى الإتربي وزوجة زيزو
-
"من الشغل للنار".. قصة شهاب بطل المنيب الذي أنقذ فتاة من موت محقق
-
الطب من 81%.. تنسيق جامعة حلوان الأهلية 2025
-
حريق هائل جوار مترو شبرا الخيمة يلتهم “كشري الخديوي”

أخبار ذات صلة
من المعلم إلى زيزو.. هتافات العار تفضح الوجه القبيح في المدرجات
10 أغسطس 2025 01:54 م
على أعتاب زيارة إلى ألاسكا للقاء ترامب.. هل تعتقل أمريكا بوتين؟
10 أغسطس 2025 11:46 ص
كاهنة وعجوز وطبيبة.. بريطانيا تلاحق المتعاطفين مع فلسطين دون تمييز
09 أغسطس 2025 09:58 م
السكر بـ100 دولار.. من يسرق مساعدات الفلسطينيين في غزة؟
09 أغسطس 2025 11:21 م
أكثر الكلمات انتشاراً